الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرائم فى حق التعليم فى مصر

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2008 / 7 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


قد نتحمل التلاعب فى السلع الغذائية كالدقيق والزيت والسكر وقد نتحمل احتكار مواد البناء كالحديد والأسمنت وقد نغض الطرف عن العقوبات المغلظة التى تنتظر مرتبكى المخالفات المرورية وقد نتحلى بالصبر عند التعامل مع الضرائب الباهظة التى تنتظر كل صاحب عقار. ولكننا لن نتحمل الجرائم التى ترتكب فى حق أجيال وأجيال من شباب هذا الوطن حيث بلغ الفساد مبلغه فى امتحانات الثانوية العامة. من المعروف أن الطلاب يؤدون نفس الامتحان خلال نفس المدة الزمنية حيث تكتنفه السرية حتى موعد توزيع ورقة الأسئلة، أى يطلع جميع الطلاب على أسئلة الامتحان فى نفس الوقت حفاظا على مبدأ تعليمى مهم هو تكافؤ الفرص. ولا نضيف جديدا إذا قلنا إن التسريب أو كشف سرية الامتحان هو اطلاع بعض الطلاب (دون غيرهم) على الامتحان قبل موعده مما يهدر المبدأ الذى ذكرناه. وتجدر الإشارة أن جريمة تسريب الامتحانات كما شهدناها هذا العام لم نشهدها بهذه الصورة الفجة من قبل. لقد تضافرت جهود الدولة ممثلة فى وزارة التربية والتعليم والنيابة العامة والشرطة لكشف النقاب عن ملابسات هذه الجريمة غير أن الأمر يتطلب أيضا بحث ودراسة الأسباب التى أدت وتؤدى إلى هذه الأزمات فى نظامنا التعليمى.

والغريب فى الأمر أننا لم نتوقع أن يحدث تلاعب وتسريب وغش فى امتحانات الثانوية العامة التى يتفق الجميع على أنها—حتى وقت قريب—كانت من أنزه الامتحانات التى يخوضها الطلاب فى مصر سواء فيما يتعلق بسرية الامتحان أو عدالة أعمال التصحيح. لقد كنا فى الماضى القريب نترقب نتائج الامتحانات عبر الإذاعة حيث كان الأهل والأصدقاء يلتفون حول المذياع انتظارا لنتيجة ذويهم وأبنائهم وكنا نخشى أن نسمع العبارة القاسية (مدرسة .... لم ينجح أحد). وبصرف النظر عن النتيجة التى كنا نعرفها خلال ثوان معدودة مختصرة جهد عام كامل من تحصيل ومذاكرة فإننا لم نعترض عليها ولم نشكك فى مصداقيتها لعلمنا ويقيننا بأنها تتسم بالعدالة. أما فى هذا العصر الذى يشهد انهيارا فى مجالات كثيرة أهمها الجانب الأخلاقى وانصراف الضمائر وتقوقعها فى زنازين خاصة لا يستطيع احد إخراجها منها فقد شهد مهازل لا يمكن وصفها فى امتحانات هذا العام، مهازل تتمثل فى تسريب الامتحانات فى محافظة المنيا (وربما محافظات أخرى) التى كانت منغمسة فى مشاكل ونزاعات أهلية وطائفية. وربما لعب البعض دورا فى تأجيج هذه الخلافات لصرف النظر عن الجريمة الكبرى المتمثلة فى تسريب امتحانات عدة مواد منها التفاضل والتكامل وحساب المثلثات واللغة الانجليزية. لقد بات لزاما على مجتمع المنيا بصفة خاصة والمجتمع المصرى بصفة عامة أن يتماسك لتفويت الفرصة على المتلاعبين بمستقبل هذا الوطن. لعل جرس الإنذار الذى اخترق أذاننا يدفعنا نحو التعاون للقضاء على هذه الظاهرة التى قد تؤدى إلى انهيار ما تبقى من الكيان المجتمعى القائم على العدل والمساواة.

والجدير بالذكر أن الأزمة التى نعيشها الآن فى امتحانات الثانوية العامة تحتاج إلى دراسة متأنية للوقوف على الأسباب التى أدت وتؤدى إليها. لقد اعترف المتهم الأول أيمن ربيع فرج أنه شارك فى تسريب الامتحانات خلال السنوات الثلاث الماضية. واعترف أيضا أن هناك شخصيات ذات حيثية تقف خلف تفشى هذه الظاهرة، وهى شخصيات ننتظر كشف هويتها ومحاكمتها إذا كنا جادين فى درء هذه الظاهرة قبل أن تأتى على الأخضر واليابس، مع العمل على تقليل الاستفادة من التسريب من خلال تشكيل لجان تتولى التصحيح الدقيق لكراسات الإجابة الخاصة بأبناء المتورطين فى تسريب الامتحانات. كما ينبغى أن نسعى سعيا جادا للقضاء على ظاهرة الدروس الخاصة لأن المدرسين تزداد شهرتهم وأسهمهم كلما تفوق طلابهم فيبذلون قصارى جهدهم وينفقون نصف أرباحهم فى سبيل الكشف عن الامتحانات. وفى الواقع فإن الأزمة التى نعانى منها الآن لم تأت من فراغ بل هى نتيجة منطقية لما يحدث فى مدارسنا طوال العام. قد لا يدرك بعض القائمين على التعليم أنهم يزرعون بذور الأزمة خلال تعاملهم اليومى مع طلاب المراحل التعليمية الأولى. لعل هذا الطرح فى حاجة إلى توضيح من خلال نموذج متكرر خلف الجدران المغلقة فى فصول مدارسنا المختلفة. أعرف أن هناك معلمة لغة انجليزية فى إحدى المناطق التعليمية بمحافظة أسوان ترتكب جرائم لا تغتفر فى حق تلاميذ مرحلة إعدادية حيث تلعب دورا تدميريا للكيان النفسى والعاطفى والعلمى لهؤلاء الضحايا الذين أوقعهم حظهم العاثر بين مطرقة أيديها وسندان لسانها. فهذه المعلمة لا تتردد فى التفريق فى المعاملة بين الذكور والإناث حيث تدخل الفصل قائلة: "سلام عليكم يا بنات واترزعوا يا ولاد واقعدوا زى الدرج اللى انتم قاعدين عليه. انتم خليكو مع نفسكو (موجهة حديثها للتلاميذ الذكور) كأنكم جدران فى الفصل وكل كلامى مع البنات " ثم تترك الأولاد دون إشراكهم فى الدرس. لقد بلغ بها الأمر أن قالت لأحد التلاميذ الصغار (الصف الأول): "تبقى تقابلنى لو فلحت." أما ما يثير الحزن والأسى فهو أنها تحرض التلاميذ على ارتكاب الغش والتدليس حيث قالت لأحد التلاميذ: "تبقى تغشش ابن عمى"، فأردف التلميذ قائلا: "اشمعنى ابن عمك"، فأمطرته بوابل من السباب والشتائم. وقد حدث أثناء امتحانات نهاية العام أن تولت مسئولية "مراقبة دور" حيث تركت التلميذات يفعلن ما يشأن لتجلس فى لجنة الأولاد مرددة عبارات مستفزة منها: "سوف ازنق عليكم فى ثلاث مواد حتى ترسبوا." لقد سمعت التلاميذ وهم يشكون مر الشكوى من هذه "المعلمة" والغريب أن إدارة المدرسة تغض الطرف عن هذه الممارسات. ولقد تحدثت لأحد الموجهين عن هذه الجرائم التى ترتكب فى حق جيل من أبناء هذا الوطن وحتى اللحظة لم يسع أحد لاستبعاد هذه المدرسة إلى مدرسة أخرى لا يوجد بها تلاميذ ذكور. ومن المتوقع أن يثير هذا الموضوع حفيظة بعض المسئولين الذين قد يسارعون بنفى مثل هذه الاتهامات من دون التحقق منها، ولكننى على يقين بأن هناك مسئولين سوف يقدرون خطورة الموقف ويبادرون بإرسال لجنة مستقلة تتولى لقاء التلاميذ لمعرفة كل ما يدور خلف الأبواب المؤصدة فى فصول مدارسنا. لا شك أن القصور فى المتابعة والتستر على المخالفات والجرائم التربوية هو الذى يؤدى إلى الأزمات العنيفة التى نعيشها الآن.

لقد بات جليا أن القضاء على الظواهر السلبية فى نظامنا التعليمى لا يجب أن يتوقف عند الاهتمام بمعاقبة مرتكبى الأزمات العنيفة كتسريب الامتحانات والغش الجماعى بل يجب أن يمتد هذا الاهتمام لمراقبة العملية التعليمية طوال العام وهذه المراقبة المستديمة الدقيقة قد تقلل وتخفف من حدة الأزمات التى لم يعد المجتمع قادرا على تحملها. روز اليوسف، عدد 899، 27 يونيو 2008م، ص8.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو