الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اثر التعلم الشرطي في تكوين الاوهام

علي ماضي

2008 / 7 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في بدايات القرن المنصرم انتبه بافلوف أثناء تقديمه المستمر الطعام لمجموعة من الكلاب ان الجهاز الهضمي للكلاب يفرز لعابا كثيفا حال سماعه لوقع الأقدام ،مما دفعه الى اقامة مجموعة من التجارب ، لدراسة تفاعل الحيوانات مع منبهات المحيط الخارجي ومن ثم الى جملة من التجارب احدث ثورة فيما يعرف بالتعلم الشرطي. فأخذ يقدم للكلاب الطعام ومعه رنة جرس ، فلاحظ ان الكلاب أخذت تفرز لعابا كثيفا استعدادا لتناول الطعام استجابة لرنة الجرس وان لم يرافق رنة الجرس تقديم الطعام ،قسم على أثرها المنبهات الى:
1. المنبهات اللاشرطية والتي لا تحتاج الى منبهات خارجية لإثارة أجهزتنا العضوية مثل الشعور بالجوع وباقي الغرائز الأخرى.
2. المنبهات الشرطية ويقصد بها المؤثرات المادية على حواسنا كاللون وما شابهها وقسمها الى:
i) المنبه الاولى والذي يمثله الطعام في هذه التجربة.
ii) المنبه الثانوي والذي يمثله صوت الجرس والذي لم يكتسب إمكانية التأثير ما لم يصاحب منبها أوليا(الطعام).
ولاحظ بافلوف ان المنبه الثانوي يجب ان يتقدم على المنبه الأولي ،كما انه يتناسب طرديا مع عدد تكرار مصاحبته للمنبه الأولي.( 1)
كما أجرى العالم الأمريكي واطسون(1920) من اشهر رواد المدرسة السلوكية تجربة مشابهة على طفل اسمه ألبرت في الشهر الحادي عشر من عمره ،حيث جعل الطفل يلاعب فار مختبر ابيض اللون لأكثر من مرة،ثم بعد ذلك اخذ يقدم الفار الى طفل وما ان يبدأ الطفل بمداعبة الفار حتى يقرع الجرس المثبت فوق رأسه ،لان الأطفال يخافون من الأصوات المرتفعة وفقدان التوازن في مثل هذا السن ،كرر التجربة أكثر من مرة ليصل الى مرحلة ان الطفل يبكي بذعر حال رؤيته الفار من دون سماع صوت الجرس المرتفع،ثم اخذ يقدم للطفل مؤثرات أخرى قريبة الشكل من الفار (مبتعدا عن المؤثر الأصلي) ان رد الفعل يقل كلما ابتعد عن المؤثر الأصلي.(2)
خطورة اللغة
أشار ا الدكتور حسام محي الدين اللالوسي في كتابه بواكير الفلسفة قبل أرسطو طاليس( نقلا عن روجيه جارودي) ص58 الى موضوع اللغة ما نصه(إن الكلمات تحرضنا وتؤثر فينا تماما كما تفعل الاحساسات والأشياء الخارجية الموضوعية. ولكن هذا الاستعمال يخبئ خطرا جسيما:خطر إمكانية الانفصال عن الواقع والانطلاق في مجال الخيال،مما يتطلب ان نفكر خلف الكلمات بالواقع.....لئلا نشوه علاقتنا معه) ويقصد بالانفصال عن الواقع ان اللغة لا تنقل كامل حقيقة المادة فهي لا تنقل الإحساس بالوزن مثلا أو درجة حرارة المادة المعبر عنها لغويا و إنما صورة مجردة .وهذه هي أهم مشاكل المنطق العربي في التفكير ،إذ انه اعتمد على اللغة من خلال تبنيه الفلسفة بشكل شبه كامل للحصول على المعرفة ، فالمنطقان الغربي والعربي يتفقان على ان العقل بمفرده (أي بدون مصححات) غير قادر على إصدار الأحكام ويمكن خداعه إلا أنهما افترقا في الكيفية التي جنبا بها العقل إمكانية خداعه ، العربي لجأ الى فكرة اتخاذ الكتب المقدسة( لغة) كمعايير لتصحيح العقل، متعكزا على المنطق الأرسطي(لغة أيضا) فحلق العقل العربي في فضائات اللغة وتاه في دهاليزها، في حين غادر المنطق الغربي هذا الأسلوب معتمدا على الإحصاءات والبيانات المأخوذة من الواقع الفعلي ،فالتصق بالواقع.
ومما ذكرناه نستنتج ما يلي:
1. ان العقل منظومة يسهل خداعها ،تماما مثل الحواس . وعلى ذكر خداع الحواس فأن احد أهم التدريبات التي يتلقاها الطيار هي إدخاله في غرفة خداع الحواس،لغرض افقداه الثقة بحواسه ،وهي غرفة خاصة تحتوي على كرسي يدور حول محاوره الثلاثة (حركة جايروية) تطفأ الأنوار لتصبح الغرفة معتمة تماما ،يدور الكرسي حول جميع المحاور يتوقف لبرهة ثم يدور ،وهكذا ثم يتوقف تماما ويسال المُتدرب عن وضعه بعد التوقف سيجيبك مثلا انه في وضع طبيعي، ولكنه سيندهش حين يرى نفسه بالمقلوب بعد أن يعاد إنارة الغرفة ، إفقاد الثقة هذا قد يمنحه الحياة في حال تعرض الى ما يعرف بالتوهان(individual position) حيث يفقد قدرته على التمييز بين الأعلى والأسفل وخصوصا عند عبور المحيطات حيث الطيران لساعات طويلة ومشهد السماء المنعكس على سطع المحيط ،سماء من فوقه و أخرى من تحته ،في هذه اللحظة عليه ان لا يصدق حواسه ويتبع ما تمليه عليه الآلة .
2. ان الأصوات وخصوصا اللغة يمكن ان تكون لها سلطة تأثيرية على الكثير من أجهزتنا العضوية،وبعبارة أخرى ان لها القدرة على إنتاج علاقة بيننا وبين الواقع كما حصل مع العلاقة المشوهة بين الفار وألبرت ،حيث أصبح الفار أيقونة(Icon)لتشغيل منظومة الفزع لدى ألبرت كما و أصبح مصدر رعب بالنسبة إليه بعد ان كان مصدرا للمرح والمتعة ، و يمكن ان يكون هذا الخطر الثاني الجسيم.اضافة الى الخطر الذي أشار إليه الدكتور حسام محي الدين الآلوسي .
نحن نعيش نمطا أنتج وما زال ينتج علاقات مشوهة ، واقعا غير ممنهج بشكل دقيق (يحصل فيه ما حصل في مختبري بافلوف و واطسن بشكل مستمر) مكّن اللغة من انشاء علاقات وهمية.
حين ادخل مكانا مقدسا اشعر بالراحة والاطمئنان! فهل هذا حقيقي أم انه أيقونة(مفتاح) لتشغيل منظومة الاسترخاء ليس أكثر؟!
هل هذا الكتاب المقدس الذي بين يدي هو مقدس فعلا أم محض علاقة مشوهة هو الآخر؟
عالمي هذا الذي أعيش فيه هل هو حقيقي أم انه واقع مفترض ( الواقع الثلاثي الأبعاد المفترض (illusion reality) أنتجته الصدفة بسبب تزامن الكلمات مع الحوادث؟
التعلم الشرطي طريقة رئيسية يتم بواسطتها ادخال المعلومات الى عقولنا ، المجتمع المتحضر هو المجتمع الذي يقلل من اعتباطية التعلم بهذه الطريقة.
إنها دعوة لمراجعة ما بين أيدينا من عادات وموروث وما نسميه ((حقائق)) ،وفقا لمعايير علمية سليمة تستند الى بيانات مأخوذة من الواقع العملي الذي نعيش.
ودعوة الى بناء نظام تربوي دقيق نبدأه بإدخال أبناءنا الى غرفة خداع العقول لنفقدهم الثقة بأحكام العقل المجرد. هذا الإفقاد سيمنحهم فرصة اكبر ليكونوا أكثر واقعية.

__________________________________________________________________________________

1. الدكتور عبد علي الجسماني :اسس علم النفس ص90
2. نفس المصدر السابق ص206










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا تعرف عن البرلمان الأوروبي؟ | الأخبار


.. الفلسطينيون داخل الخط الأحمر: فلسطينيون في الحقوق، إسرائيليو




.. نيويورك تايمز: هناك فجوات كبيرة بين إسرائيل وحماس بشأن اتفاق


.. حريق ضخم يلتهم سوقا شعبيا بمدينة فاس في #المغرب ويقتل 4 أشخا




.. الجيش الإسرائيلي.. وحدة قتال جديدة لغلاف غزة | #الظهيرة