الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة -الوحدة الإسلامية-!!

سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)

2008 / 7 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإنسان كائن حرّ، و مهما نظّر عبّاد الأسلاف من رجال الدين و غيرهم في البرهنة الفقهية على أن الإنسان مجبر و مُسير بالقضاء والقدر فهم مخطئون لأن الواقع و المنطق و حتى النصوص الدينية المقدسة تكذبهم و تثبت العكس، و لماذا من "المُقدر" لنا أن تجتمع فينا كل آفات الإنسانية من تخلف و دكتاتورية و كبت و انحراف أخلاقي و يكون "مُقدّرا" لغيرنا التقدم و النجاح و الرفاهية..؟! و ربما يتساءل البعض "ما علاقة الحرية الإنسانية بقضية الوحدة الإسلامية"؟ و الجواب أن كل الأنظمة التوحيدية السياسية القائمة على الطوباوية و الجبرية ـ مثل الوحدة القومية ـ تنتهي بالفشل لأنها لا تنظر في مشكلة الحرية و إيجاد حل جذري لمعاناة الفرد.

منذ قرنين ارتفعت صيحات القوميين ـ بدءا من أوروبا و انتهاء بالقوميين العرب و غير العرب في الشرق الأوسط ـ لخلق دول كبرى تقوم على النزعة العنصرية و العرقية و تخلت أوروبا عن هذا النمط من التفكير منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، و مشكلتنا نحن في الشرق الأوسط و بعد أن أخذت كفة القوميين في الانحدار في العقدين الأخيرين، أخذت تبرز تنظير الإسلام السياسي في "الدولة الإسلامية"!! و "الوحدة الإسلامية"!! و "دولة المليار مسلم"!! و ما إلى ذلك.. لكن هذا التنظير المثالي يواجه الآن ذات العقبات الواقعية التي أدت إلى فشل المشروع القومي (العربي و غيره) و منذ إسقاط البعث و صنمه عام 2003 فإن أسباب الفشل التي قضت على التنظير القومي تؤدي في الوقت نفسه إلى إضعاف الإسلام السياسي ـ و هو منفصل قطعا عن الإسلام كدين ـ لأن كلا الأيديولوجيتين تنطلقان من أفكار مثالية شمولية مسبقة و لا تحمل أي استجابة لمطلب الحرية و الحقوق.

هذه الخرافة التي تريد الاستعاضة عن المواطنة و حقوق المواطن بالنظرية الإيمانية لا تختلف أبدا عن القومية التي حطمت الفرد و جعلت منه أضحية يذبح أمام القضية المصيرية.. و الدين من هنا يخرج عن كونه عقيدة و إيمان شخصيا يحق لكل فرد خوضه كتجربة ذاتية ليصبح نظرية مفروضة بالإكراه و ليس برنامج إصلاح للمجتمع، فالوحدة المطلوبة "لاحظ معي الاتحاد الأمريكي و الاتحاد الأوروبي" إنما تتم بعد أن تصبح هناك مجموعة دولة أو حتى نظم إدارية غير مستقلة ـ مثل الاتحاد السويسري ـ تحترم حقوق مواطنيها و بعد أن تعطيهم الحقوق و الحريات فإنها بالطبع تطلب منهم الالتزام بالواجب، حينها سيكون من الطبيعي أن تتعاون مجموعة دول حرة لخلق اتحاد يحترم خاصية كل طرف رغم أن الصفة الكلية هي الحرية و الديمقراطية.

إن الإسلام السياسي أهمل الفرد في فكره السياسي و لم يعطه أي قيمة حقيقية، و كل التنظير الباهت حول "الفرد الحر في النظام الإسلامي"!! لا يعدو كونه تنظيرا لحرية السجين داخل زنزانته، فالأصل في التكليف الديني أن الإنسان حر قبل كونه منتميا إلى أي دين أو قومية أو عرق، و ما ذم الأديان للتقليد إلا إشارة إلى أن الإرادة الإنسانية يجب أن تكون حرة و عبر الحرية يمكن لهذه النفس أن تصل إلى الله و تطلع على التجربة الإيمانية، لكن حينما تكبت و تقمع الحرية فإن إرادة أخرى هي التي تفرض نفسها بديلا عن الإرادة الإلهية التي لا تريد إلا قلوب الأحرار الذين يصلون إلى الله بملء إرادتهم.

يمكن للباحث أن ينظر إلى تجارب الأحزاب الدينية ليجد أن تركيبتها لا تختلف عن تلك القومية إلا في الشعار، بينما هي في تركيبتها و هيكلها التنظيمي تقوم على الولاء و الطاعة العمياء و غير العمياء للقيادة و قياسهم دوما هو النبي بينما هذا القياس خاطئ لأن هؤلاء السياسيين الإسلاميين حالهم حال المواطنين ليسوا أنبياء أو معصومين، إنما هم يعتمدون على إبقاء الشعب جاهلا بضرورات المنطق السياسي الواقعي الذي لا يعطي لأي مواطن أفضلية أو مسئولية إلا بموجب استحقاقه القانوني و الانتخابي، فالقدسية الدينية مسألة غيبية ميتافيزيقية لا يدركها إلا خالقها، فربّما يكون شخص ما وليا من الأولياء عند مذهب من المذاهب، بينما يعتبره مذهب آخر "زنديقا من الزنادقة و كافرا مرتدا"!! من هنا تقف الدولة بكل نظامها القانوني و السياسي موقف الحياد الإيجابي الذي يحترم الجميع دون أدنى تدخل في حرية تفكيرها و تنظيرها اللاهوتي و حتى السياسي بشرط أن لا تهدد الحريات الفردية و العامة.

ختاما فإن ما يشبه "الطرفة" حصل مع إحدى الإذاعات الإسلامية المحلية، حيث كان برنامج صباحي يتحدث عن أبو يزيد البسطامي "الزاهد العابد التقي الورع و القدوة"!! و في المساء كانت هذه نفسها تبث برنامجا عن أبو يزيد البسطامي ـ ذاته ـ "الزنديق المرتد الذي كان يكفر بالله عبر شطحاته و أقواله"!!!.. فإذا كان حزب إسلامي سياسي يناقض نفسه في اليوم ذاته!! فكيف به إذا أقام "نظاما سياسيا"، الأكيد أن المواطن قلبه بين إصبعين من أصابع الله فيصبح مواطنا و يمسي خائنا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم




.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8


.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟




.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع