الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكاليات تناقض الدولة الدينية و الدولة المدنية

سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)

2008 / 7 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تمثل إشكاليات الإسلام السياسي و بناء المواطن و الدولة الحديثة أحد أهم الأزمات العقلية الاجتماعية السياسية في العراق و دول الشرق الأوسط، و مشكلة الإسلامي "الديني" أنه غير منفك عن السياسة و السياسة غير منفكة عن الدولة بصفتها كائنا مهيمنا على كل تفاصيل الحياة و المجتمع، من هنا كان من الضروري إيجاد تفكيك و تحليل منطقي لهذه الإشكاليات، و من الضروري أن نقوم بهذا العمل المنطقي لأنه بدون ذلك سوف يعود العراق ـ و ليكن النموذج العراقي مثالا للمنظومة الإسلامية ـ إلى حالة القلق و التفكك و الصراع لأن الدولة عبر هيمنة الدين تفقد حيادها تجاه المواطن.
الإسلام السياسي بشقيه الشيعي و السني ينطلق في نظريته من المثال التاريخي في استعادة صورة أو مفهوم الدولة التأسيسية في عهد النبي و الخلفاء، و معلوم شيعيا أن الإمام الوحيد الذي تصدى للحكم السياسي هو علي بن أبي طالب و هو الإمام الأول، و هذه الاستعادة التاريخية قد تبدو في ظاهرها مقنعة بأن الإسلام كدين هو دين حكم، لكن هذا الاعتقاد أو المفهوم مخطئ بسبب أن حكومة النبي لا يوجد مثيل لها لا سنيا و لا شيعيا كونها حكومة وحي معصوم، لكن الاعتراض المنطقي يرفض هذه الفكرة ـ فكرة كون النبي كان حاكما ـ لأنه ببساطة لم يمتلك زمام السلطة حسب المفهوم السياسي الواقعي، كمثال لم تكن هناك شرطة أو برلمان كما أن النبي كان يختلط بالناس بدون حراسة كواحد منهم و هو ما لا يستطيعه إلا رئيس في دولة كسويسرا، كما أن الحكومات التي تلت النبي كانت ذات طابع تجريبي و كل خليفة جاء بطريقة مختلفة عن الآخر، كما أن عليا رابع الخلفاء ـ سنيا ـ أول الأئمة ـ شيعيا ـ كان يحتقر السلطة و يعتبرها كأنها مكروهة مع كونه يمتلك تلك الخلفية في بيت النبي و تعامله مع السياسة كان تعاملا مع شيء مكروه و قد فعل ذلك و هو "معصوم ـ شيعيا ـ راشد ـ سنيا" فكيف برجال الدين أو الإسلاميين الذين يبررون الدولة الدينية و هم أبعد الناس عن العصمة أو الراشدية!!..
هذا النموذج التاريخي الماضوي لا يعطينا صورة واضحة الملامح و الحدود حول طبيعة النظام الإسلامي المزعوم، و هذه الصورة المشوشة بذاتها تكفي دافعا لإقرار الدولة العلمانية المحايدة كون رجال الدين في المؤسستين الشيعية و السنية يستغلان عدم الفصل بين الديني و الدنيوي لإضفاء الشرعية على الحاكم (الحاكم بالعصبية حسب المفهوم السني و الدكتاتور الفقيه حسب المفهوم الشيعي الإيراني)، و لأن الدين يقوم على الفتوى المتغيرة و الدولة على الدستور و القانون الدائم بالتالي فهما نقيضان.
الدولة كما هو معلوم تاريخيا هي كائن سلطوي إذا اختلط مفهومها بالدين أو القومية، بمعنى أنها حينما تسعى إلى إضفاء الشرعية على نفسها عبر آلية غير الانتخاب كأن تلجأ إلى التبرير الديني أو طبقة المناضلين كما في الدولة فهي تتحول من كونها تجسدا للعقد الاجتماعي الذي يفرض على الحكومة + السلطة أن تستمد شرعيتها من المتعاقدين، بدون ذلك لا نجد فرقا بين الدولة الدينية بمفهومها الشيعي و السني لأن كلاهما ستجعل من الدين أداة "تبرير" لبقائها.
الدين و القومية إذا دخلا في تبرير الحكم و إضفاء الشرعية على الحكم فإن الدولة تتحول بشكل أوتوماتيكي إلى أداة قمع، و تجارب الدول الأموية، العباسية، العثمانية و سائر النظام العقدي العربي الإسلامي يظهر مدى العلاقة السيئة بين الحكم و السلطة المدعومة برجال الدين و الرعايا الذين لا يستطيعون الاعتراض على من يمتلك الشرعية للإمساك بزمام السلطة، فالفرد في هذه المجتمعات مسحوق كونه تابعا إما للأولياء ـ من هم في الحكم ـ أو "الزنادقة و المبتدعة" ـ المعارضون للحكم ـ و من هنا نجد التبرير الفلسفي للدولة في العالم الإسلامي يعود إلى العصور الوسطى حينما كان ابن خلدون يبني الدولة على أساس "القهر" و "الإجبار" بمعنى أن السلطة لا يهمها رضا المحكومين أو سخطهم بقدر ما يهمها الطاعة.
يبدو لي أيضا أن الأحزاب و التنظيمات الإسلامية لا ترسم لنا إلا صورة مشوهة للدولة خصوصا و أنهم لا يدركون أنهم مهما حاولوا في خلق صِـيَـغ "مدنية" للدولة فإنهم يقضون على كل طابع مدني فيها بمجرد وصفهم لهذه الدولة بأنها "إسلامية" بمعنى آخر فإن الدولة تفقد صيغتها العصرية بمجرد أن تدخل في التصنيف الديني = القومي كونها تصبح كائنا غير حيادي تجاه الفرد أو المجموع فيصبح لزاما على الفرد أن يتبع "نمطا" مُعينا من العيش يتلاءم مع "عقيدة" و "دين" الدولة و النتيجة أن المواطنين يخسرون أهم شيء يملكونه ألا و هو "حريتهم".
و الآن و حينما نجد أحزابا أو تنظيمات معينة تحاول إيجاد تبريرات لاستخدام "الرموز الدينية" في الانتخابات، فهم يفعلون ذلك مدركين إلى افتقارهم للبرنامج السياسي ـ مع ملاحظة أن هناك أحزابا "علمانية قومية"!! تستغل المساجد لإقناع الجمهور الأمي بانتخاب المناضل البطل ـ و إذا كان هؤلاء يُشكلون على الأحزاب العلمانية استخدامها للفنانين و الراقصات و المطربين لجذب الناخبين فإن اعتراضهم هذا يصطدم بحقيقة أن الفنون و الموسيقى و جمال المرأة مثلا لا يتسبب بحروب طائفية أو عرقية كما يحصل مع استغلال الديني للسياسي الذي يُشعر المختلف مذهبيا = دينيا بأن ذاته و وجوده مهددان بفعل الآخر المهيمن على الحكم.
مصيبة الإسلام السياسي هو أنهم يقيسون الدولة على الذات الإلهية فتكون السلطة (عزيزة ـ مهيمنة ـ متغلبة ـ قاهرة ـ متكبرة) و النتيجة أن هذه الدولة تخرج عن واجبها الطبيعي في أن تحكم برضا المحكومين، و كما قال أحد الإسلاميين فإن الدولة الديمقراطية ـ حكم الشعب ـ تناقض حكم الدولة الإسلامية ـ حكم الله ـ و النتيجة المنطقية لهذا الكلام هو أن الشعب نقيض = ضد لله، فيا ترى هل أن الله يكره خلقه إلى هذا الحد فيسلبهم حريتهم؟! الجواب نتركه للقارئ..
Website: http://www.sohel-writer.i8.com
Email: [email protected]











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملات لترميم المواقع الدينية والأثرية التي دمرها داعش في الم


.. هنا شارع المعز لدين الله الفاطمى .. أكبر متحف آثار إسلامية




.. «ماريسا» على جبل عرفات.. قصة مسيحية سابقة من أمريكا إلى مكة


.. الحرارة تحصد أرواح حجاج بمكة وسياح باليونان.. والصيف المنصرم




.. تنظيم الإخوان المسلمين يحارب أعضاءه السابقين بوسائل وأساليب