الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسد أم حقد

عبدالجليل الكناني

2008 / 7 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كلما تأخر علينا زميلنا الذي يقلنا الى الدائرة بسيارته الحكومية استبد بي الضجر ورحت أجوب منطقتنا التي لا أستطيع تسميتها بالمدينة أو المحلة لمحدودية الدور فيها وهي في واقعها حي سكني للموظفين ، وجميعنا نعرف بعضا بل ونعمل في ذات الدائرة وحيث ان الحي السكني يجاور بضعة قطع الأرض السكنية لبعض الموظفين فقد راح إخواننا يبنون بيوتا فيها حارصين على أن تكون بواجهات جميلة ومتقنة وكلما حاولت النظر إلى تلك البيوت قيد الإنشاء أو التي اكتملت أو كادت ، ثمة ما يدفعني إلى غض النظر وكأنني انظر إلى زوجة صاحبها فاستحي . لم أكن ، بدأً ، أعرف سر إحساسي بالذنب فيما لو أمعنت النظر في مظهرها الجميل وتأملت ما في داخلها من تفاصيل ، اشعر أنها ستكون مثيرة ومشوقة ، وأكثر من ذلك لو حلمت ببناء دار مثلها أو تلمست الفائدة والعبرة من هذا وذاك لو واتتني الظروف لابني تلك الدار التي أحلم بها منذ زواجي ، قبل ما يقارب الثلاثة وعشرين عاما . ولعلي لم أكن قادرا على مواجهة دواعي شعوري بالإثم ، لتأملي حرمات تلك الهياكل والبيوت ، حتى لو لجأت إلى المنطق ، في تبرير تأملي لها حين يضبطني أحد زملائي وأنا أتطلع إلى جسد بيته العاري ، وحتى أن لم يضبطني متلبسا بالجرم المشهود فأن السبعة عيون المعلقة على الجدران الخارجية ستشي بي لديه . وهنا وكأي لص انطوي على ذنبي الكبير وابتعد . حتى إذا جاء الزميل بسيارة الحكومة جلست الى جانبه وفي نفسي غصة وحيرة لم تنجل . لماذا إذن يحرصون على التنافس بأجمل الواجهات والتباهي بها ، إذا كانوا يخشون الحسد ؟؟
كلما عثر احدهم خلال مراحل البناء على قطعة بلاستك زرقاء ، أو وصلة نعال أزرق ، أو إبريق أو دبة بلاستك زرقاء ، قام بغرزها بالبناء حارصا على انتشارها في كل الاتجاهات على أن لا تخطئها عين .
من يحسد من ؟ الجميع هنا زملاء وغالبهم يبنون بيوتهم بعد نعمة الخلاص التي صاروا يجحدونها بالتباكي على أيام خلت ؟ . وفي غالبهم يقول ، كان وكان والله يرحم أيام زمان ، لكان فلان وفلان لا يستطيعون الكلام ولا التشدق بالأحلام ، لقد راح خاصيهم ، أيام كان القانون قوة ، وكان يطيِّح حظ أكبر واحد .
وإذا نظر إليك تشعر انه يقول لك وقد شنّف أنفه :- الله يعطيك .
- لم الأزرق إذا ؟!

قال زميلي :- يرون أن الأزرق يمتص موجات الحسد وربما هذه حقيقة ، وقد ورد الحسد في القرآن الكريم
قلت :- ولكن ما ورد يعني تمني زوال نعمة الغير ، ولا يعني قدرة الغير الخارقة على تدمير المحسود .
قال الزميل الآخر بحكمة الواثق :- الحسد موجود . أنت مثقف ، الم تقرأ عن الباراسيكولوجي ؟!!
- إذن ما يفعلونه طبيعي . أنا لا أتطلع إلى بيوتهم دائما إلا أن تلك البيوت تقابل دوركم التي تسكنوها و بمزرقاتهم سيحمون بيوتهم من عيونكم، وعيون أهلكم ، التي تفعل فعل القاذفات .
في يوم غير هذا رأيت أحد الزميلين وقد شد ناظريه قطعة تحمل رقم المحلة والشارع وقد طليت بصبغة زرقاء متألقة ، حينها لم تصمد مقاومتها ولا عناد المسامير الكونكريتية إزاء إصراره على أن تكون حجر الاساس لبيته الجديد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تداعيات دعم مصر لجنوب إفريقيا ضد إسرائيل


.. طالبة بجامعة جنوب كاليفورنيا تحظى بترحيب في حفل لتوزيع جوائز




.. الاحتلال يهدم منازل قيد الإنشاء في النويعمة شمال أريحا بالضف


.. الجيش الإسرائيلي: قررنا العودة للعمل في جباليا وإجلاء السكان




.. حماس: موقف بايدن يؤكد الانحياز الأمريكي للسياسة الإجرامية ال