الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين افتقدنا الزعيم

جاسم الحلفي

2008 / 7 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وجّه أستاذ مادة العراق المعاصر سؤالا الى طلبة العلوم السياسية في جامعة بغداد مفاده: لم يكن عبد الكريم قاسم شيوعيا ولا قوميا ولا وطنيا ديمقراطيا، فإلى أي اتجاه انتمى الزعيم؟

وعند التمعن في فحوى السؤال، تتداعى أفكار عديدة عن المغزى من طرح هكذا سؤال في الوقت الحاضر، وما هي الرسالة التي ينوي الأستاذ إيصالها من خلال السؤال ولماذا يقلب مواجع تاريخنا المؤلم؟

هل يكفي القول ان الزعيم كان وطنيا، ام ان جوابا كهذا يعد جوابا مختزلا، لا يفي بالغرض ولا يعطي للزعيم حقه؟ وهل بإضافة عبارة: كان نزيها مخلصا لوطنه وشجاعا نوفيه هذا الحق؟

عند التطرق الى نشأة الزعيم في محلة المهدية، فعلينا ان نتذكر ان تلك المحلة البغدادية سكنها عراقيون من مختلف الطوائف والأديان وعاشوا فيها متجاورين متحابين. هذا ما جعل التعايش المشترك، والتسامح من مكونات شخصيته وسماتها. يضاف الى ذلك ولادته وترعرعه في كنف عائلة متوسطة الحال حيث كان أبوه نجارا، ما جعله يميل الى البساطة وعدم التكلف. وثم عمله في أرياف العراق معلما، فعايش فقر وبؤس الفلاحين وعرف مقدار شقائهم، فأدرك ان مصدر ذلك كله هو ظلم الاقطاعيين، واستحواذهم على كد الفلاحين الفقراء وما تنتجه أيديهم، الأمر الذي جعله ينحاز الى الفقراء الذين بادلوه الحب، ولم يصدقوا مقتله بل تصوروه قد سكن القمر! ربما في هذا الاستطراد ما ينفع في توضيح العوامل التي أثرت في الشخصية السياسية للزعيم.

اختلف مع القومانيين الداعين الى الوحدة الفورية، من الخليج الى المحيط، وقد اثبت التاريخ صواب رأيه، بعد ان "أبدع القائد الضرورة" في تطبيقها! عبر احتلال الكويت واستباحتها، وانتهاك حرماتها وسرقة ممتلكاتها، باسم الوحدة، وعدالة توزيع ثروات الأمة على فقرائها!

هذه الجريمة التي سرعان ما استغلت وأصبحت ذريعة لاستقدام وبقاء القوات الأجنبية في البحار والجزر والأراضي العربية، وغدت المنطقة برمتها، تبعا لذلك، منطقة نفوذ وصراع إرادات دولية ليس لشعوب المنطقة فيها أي مصلحة بل على العكس كبلتها باحتلال وقيود جديدة، بعد ان ساهمت ثورة 14 تموز في ارساء البداية لتحرير الإرادات في المنطقة.

لم يكن عبد الكريم قاسم شيوعيا بل انه حاول أبعاد الشيوعيين إرضاءً للبعض، خاصة بعد ان طالب مناصروهم بحق المشاركة السياسية، وهذا حق للمواطن يمتد الى بداية المدنية حيث كفلته دولة المدينة في أثينا قبل ان يضع أفلاطون كتاب السياسة.

كثيرا ما ضايق الزعيم أصدقاءه وصادر الى حد ما بعض حقوقهم السياسية، لكنهم ظلّوا أوفياء له على الدوام حتى استشهاده في معركته الأخيرة، وتلقى بعضهم معه رصاصات الغدر الجبانة، التي أطلقها عليه الأوغاد بخسة ونذالة، وهو الذي قال فيهم قبل ذلك " عفا الله عما سلف".

ربما أراد الأستاذ من خلال سؤاله ان يؤشر الى حاجة العراق اليوم الى سياسيين يديرون البلاد ويتمتعون بخصال الزعيم قاسم: العفو عند المقدرة، والعفة، والتسامح، والمصالحة، والأمانة والنزاهة ونظافة اليد، وإنصاف الفقراء وإعانتهم وإسكانهم في بيوت تحفظ كرامتهم وأمنهم، وان يكون العراق وطنا يتسع لكل العراقيين بغض النظر عن القومية أو الجنس أو الدين أو الطائفة أو المذهب أو الوضع الاقتصادي- الاجتماعي.

ربما هذا هو الجواب الذي تطلع إليه الأستاذ، من خلال سؤاله عن الاتجاه السياسي للزعيم. واذا لم يكن الأمر كذلك، فمن المؤكد ان ما يحتاجه العراق اليوم هو زعامات ونخب سياسية تضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخلاف التجاري بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.. إلى أين؟ | ال


.. بايدن وترامب.. وقضايا بارزة في المناظرة الرئاسية




.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مرشحون وشروط


.. بالمناظرة التاريخية.. بايدن يتعثر مبكرا وترامب يدعوه للخضوع




.. بايدن يتلعثم خلال المناظرة الرئاسية أمام ترمب