الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهيئة العربية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عاصم بدرالدين

2008 / 7 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المراقب لحال المجتمعات العربية آنياً يصاب بالهلع ويصعق صعقاً موجعاً. إذ أن الديكتاتورية صارت تتخذ ألف شكل ولون. وكرامات المواطنين تداس بشتى الوسائل والطرق الممكنة. لم يعد القمع سياسياً فقط، أو عسكرياً أو دينياً كل واحدة منهم على حد، لا بل وللمصادفة اجتمعت هذه العوامل الثلاث القامعة وشكلت إتحاداً موحداً، لتجعل من هذا المواطن المسكين عرضة دائمة للانتهاك والاعتداء على شخصه وإنسانيته وحقوقه وحرياته التي كفلتها له كل المواثيق الدولية. إن هذا الشقاء في نمطه الحالي هو عربي صرف فلا مثيل له في العالم قاطبة. لن نجد مهما بحثنا في سجلات القمع العالمية نموذجاً مشابهاً لبعض ما نراه في عدد من الدول العربية، أو كلها على الأغلب الأعم.
ولعل أبرز علامات هذا الشقاء المرضي القاتل، بروز "نهفة" جديدة، على قدمها، آخذت تنتشر بسرعة في معظم المجتمعات حفاظاً على دين الله والأخلاق العامة ومكافحة الفساد البشري، إنها هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ما عادت السعودية وحدها صاحبة هذا الابتكار الجديد للشرطة الدينية الضاغطة اجتماعياً وثقافياً، بل إن هذه العدوى قد انتقلت إلى الكويت مع تنامي السلفية في مجلسها النيابي، ومن المرشح أن تصل إلى اليمن أو وصلت فعلاً، وسيلحقهم تباعاً العديد من الدول الشقيقة. لا نفهم ما معنى أن يكون هنالك شرطة قمعية إضافية في مجتمعات تسعى إلى بلوغ التنمية البشرية، هل يعتقد هؤلاء أن النفط وعائداته يكفيان لمنح المواطنين الراحة؟ ووسم السلطة بالعدالة والفعالية الاقتصادية؟ من يعتقد هذا، فإن الغباء يتلبسه لبساً.

إن الحريات -السياسية والاجتماعية-، هي إحدى أهم الوسائل لبلوغ التنمية البشرية والمجتمعية ودونهما، ولو امتلأت الجيوب بالمال حتى التخمة، فإننا عاجزون تماماً عن إتمام هذه المسيرة التنموية المرجوة. إن الإيمان الديني حق، وهذا لا جدال فيه، لكن في المقابل الإيمان بغير الدين، أو بمعنى آخر اللاإيمان هو أيضاً حق مساوٍ للحق الأول وهذا ما لا تقدره هذه الهيئات وأزلامها. كما أن حرية الفرد وضمناً المرأة والحب وإقامة العلاقات الاجتماعية كذا إرتداء الأزياء المختلفة ووضع الزينة وخلافها من هذه الأفعال الفردية لا تفهم إلا في إطار الحريات العامة، المصانة إنسانياً. إن الحرية وحدها تملك الضوابط الكافية للحفاظ على الأخلاقيات، ضوابطها من نفسها وفي داخل مبادئها، وليست في حاجة، مطلقاً، لمن يحميها أو يعسكر لها وعليها من شرطة دينية أو ما شاكلها.

بيد أننا لا يجب أن نغفل المشاكل التي تولدها هذه الهيئات، ليس فقط على مستوى الحريات، إنما أيضاً على المستوى البشري، إذ أنها غالباً ما تتكون من شلة من المتزمتين المتعصبين دينياً، الذين يعتبرون أنفسهم ممثلين لـ الله وشريعته على هذه الأرض، تالياً التعامل مع الفرد المواطن بتعالٍ إلهي وغالباً ما يصل الأمر إلى حدود الترهيب والتعذيب والاعتداء والقتل. إن تجربة السعودية في هذا المضمار كافية للتدليل على سيئات هذه الهيئة صاحبة النفوذ الأقوى في الحياة اليومية، لذا فإن تعميمها يعتبر خطراً على أمن كافة المجتمعات العربية المحشوة والمغذاة بالوعي الديني المسعور والمتطرف.

دون أدنى شك، صار الواقع العربي الرديء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، نتيجة القمع والكبت، أرضاً خصبة لإنتاج التطرف والحركات الرجعية الرديكالية ذات المنحى العنفي-الديني خصوصاً. وهذه الحركات لا تنفك عن التلطي بالإسلام ومبادئه وأفكاره موجهة حربها ضد الغرب وأفكاره ومصالحه و"مريديه" و"أتباعه" من أبناء العرب في سياسة ناجعة نسبياً لكسب التعاطف والتأييد الشعبي. ليس الغرب ملاكاً بطبيعة الحال، لكن ما قدمته التجربة الأوروبية في ميدان التقدم والتطور والحقوق الإنسانية والحريات، يدفعنا للإقتداء والتماثل بها. وهذا، من جهة أخرى، لا يعني الالتحاق بسياساتها الاستعمارية الساعية لاستغلال الشعوب الضعيفة والفقيرة فشتان ما بين الأمرين. لكننا لن نكون طبعاً مع هذا التخلف المقنع دينياً، فخنق الحريات وحده يؤدي إلى الانحراف والتطرف والإرهاب.

إن انتشار أفكار القمع و"الضبط الأخلاقي" والتناسخ العربي لها، يشي بتراجع كبير لكل مشاريع التنمية وعمليات التقدم البشري رغم التعويل الكبير عليها من قبل هذه الدول. لا زلنا إلى الآن نرتاب الحرية والديمقراطية ومفهوم الإنسانية لأنهم من صنيعة الغرب فقط فيما نحن عاجزون عن إنتاج البديل المناسب. لا زلنا حتى الساعة نمارس قمعاً لا يشبهه آخر في هذا العالم، نستنبط ونبتدع وسائل جديدة ونسجل براءة إختراعها بأسماء عربية.

والأنكى، وهي لمفارقة فعلاً، أن لا شيء يجمع العرب اليوم، أنظمة وقادة، غير القمع والاضطهاد والتسلط على العباد. لذلك برأيي على جامعة الدول العربية، العاطلة عن العمل دوماً وصاحبة المشاريع والمبادرات الفاشلة غالباً، بشخص أمينها العام السيد عمرو موسى، أن تجهد لإنتاج رقابة أخلاقية عربية موحدة مشابهة لتلك التي تعمد اليوم لإطلاقها لتقييد الحريات الإعلامية، مما يساهم في تخفيف نسبة العاطلين عن العمل من السلفيين ورجال الدين الأتقياء ومن المفضل أن تكون الهيئة الجديدة تحت اسم: الهيئة العربية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما يحمل هذا الاسم من معانٍ دينية جذابة لافتة، وإنني لأؤكد نجاح هذه الهيئة الجديدة في مهمتها، وقدرتها على لمّ شمل العرب من جديد لما فيها من حماية وصون للأخلاق العربية الحميدة من الانحراف والرذيلة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 106-Al-Baqarah


.. 107-Al-Baqarah




.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال