الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفريت العلبة ... لم تخيب الظن فيك

خالد الكيلاني

2008 / 7 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في سبتمبر عام 1981 كان مطلوباً ضبطي والتحفظ عليّ في مكان أمين داخل أي سجن ضمن حملة سبتمبر الشهيرة، كنت أقضي عطلتي الدراسية في القاهرة، وقررت أن أستمتع بها كاملة رغم أنف السادات وأجهزته، وقررت أيضاً ألا يقبض عليّ سوى من بيتي ... وفي بداية العام الدراسي، وهو ما حدث بالفعل ( قبض عليّ في اليوم التالي لاغتيال السادات ).
سني الصغيرة – وقتها – سمحت لي بالتنقل من منازل الأقارب إلى منازل الأصدقاء، ومن شقة مفروشة إلى غرفة مفروشة، وأثناء رحلة الهروب الكبير استقر بي المقام ليومين في غرفة صغيرة لزميل كان هارباً من أهله لفشله في الثانوية العامة واشتغل كعامل بناء بعد أن تعهد للمقاول أن يعود لأهله نهاية الصيف. كنا متشابهين في الهروب، فصحبني الزميل معه لصلاة الجمعة الأولى من أكتوبر – والأخيرة في حياة السادات – خلف شيخ "متصيت" في مسجد بمنطقة حدائق حلوان، لم يكن في الحقيقة مسجدا،َ ولكنه مجموعة كبيرة من الأعمدة الخرسانية تعلوها مكبرات الصوت الضخمة، وما بينها يفترشه عدة ألاف من المصلين يتقدمهم شيخ يعتلي منبراً أسمنتياً وكان عندما وصلنا يصرخ بأعلى صوته ضد "الحكومة الكافرة"، الأمر الذي جعلني أندهش لأمر تلك الحكومة التي تترك هذا الرجل الذي يكفرها علناً، وتبحث عن تلميذ ضعيف متلي.
كلماته التالية فسرت لي الأمر كله، فهذا الشيخ "الأريب" لم يكن يتهم الحكومة بالكفر لأنها اعتقلت أكثر من 1500 مواطن في ليلة واحدة، ولا بسبب الفساد الاقتصادي الذي واكب بدايات عصر الانفتاح، ولا بسبب الصلح مع الكيان الصهيوني، ولا بسبب القوانين سيئة السمعة وإهدار الحريات وحقوق الإنسان، ولا حتى بسبب اعتقال زملاء كفاحه من المتطرفين الدينيين، كان هذا الشيخ يزعق في الميكروفونات بصوته الجهوري منادياً بسقوط الحكومة الكافرة التي تسمح للفتيات والسيدات الكاسيات العاريات أن يمشين في الشوارع دون نقاب أو حجاب، ولا تفرض على رجالهن اللحية والجلباب. كان هذا الخطيب هو يوسف البدري، وكان هذا تماماً – وما زال – هو الإسلام الذي تريده حكومته الكافرة!!.
كانت هذه هي بدايات يوسف البدري الذي أفتى مؤخراً بتحريم التظاهر والإضراب لآن سوء أوضاع المصريين هي عقاب من الله بسبب عزوفهم عن إطلاق اللحية وارتداء النقاب!!، وبأنه ليس هناك فاسدون أو محتكرون ولا ذنب للحكام في سوء الأوضاع، بل هي إرادة الله التي أتت بهؤلاء الحكام ووضعتهم على كراسيهم التي لا يجوز مطالبتهم بالجلاء عنها، وبأنه لا ذنب للحكومة في البطالة لأنها من صنع الشباب الكسالى، وبأنه لا يجوز وضع تسعيرة عادلة للسلع لأن هذا – في حكم شيخنا - حرام شرعاً.
وطوال تاريخه الطويل في "الفتوى والدعوى" لم يفت لنا الشيخ عن حكم الدين في سرقة المال العام ونهب البنوك وبيع أراضي مصر ومصانعها وشركاتها وموانيها، وعن حكم الدين في تصدير الغاز لإسرائيل، ولم يفت لنا الشيخ عن عقوبة تعذيب المواطنين وتزوير الانتخابات واغتصاب السلطة وتزييف إرادة الأمة، فهذه المسائل كلها لا تدخل في دائرة فتاواه، لأنه المفتي الخصوصي لشئون الثقافة والإعلام والإرشاد القومي شعبة السينما والمسرح والكتب والقصائد.
فشيخنا له قصب السبق في مضمار الثقافة والفنون، ومناضل عتيد في أروقة المحاكم والنيابات ضد كل أنواع الإبداع ، منذ دعواه الأولى عام 1993 بالتفريق بين الدكتور نصر حامد أبوزيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس، مستنداً لفتوى بتكفيره أصدرها الدكتور عبد الصبور شاهين - بسبب انتقاد أبوزيد لدفاع شاهين وترويجه لشركات توظيف الأموال – ما اضطرهما لترك وطنهما والعيش في هولندا، ثم عاد وسقى شاهين من نفس الكأس وأفتى بتكفيره بسبب كتابه "خلق أدم"، مروراً بعشرات الدعاوي القضائية التي يطالب فيها بحظر فيلم أو أغنية أو مسلسل أو قصيدة شعر، أو بحجب جائزة الدولة عن شاعر مثل حلمي سالم بسبب قصيدة "شرفة ليلى مراد"، أو بالحجز على أثاث منزل شاعر كبير مثل أحمد عبد المعطي حجازي، أو تكفير أستاذة فاضلة مثل الدكتورة سعاد صالح لأنها قالت أنه لا يوجد دليل شرعي على النقاب، أودعواه الشهيرة ضد وزير الصحة طعناً على قرار تجريم ختان الفتيات لأنه يعتبر الختان فرضاً دينياً!!. وهذه الفتاوى الغريبة، والدعاوى القضائية الأغرب، والموقع الذي يتبوأه شيخنا الآن ( عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ) يتسق تماماً مع البدايات.
ولقد ابتلينا في العقود الأخيرة بالكثيرين ممن يرون رأي الشيخ، ويفعلون بعض فعله، ولكن الحقيقة أن البدري يسبق الكل، ويزايد على الجميع، وكلما نال الشهرة والمال في هذا الزمن الرديء جراء عدائه للثقافة والإبداع، قال هل من مزيد، بل إنه أصبح يباهي بأفعاله بدلاً من أن يخجل منها، وفي حوار أجري معه منذ عدة شهور في إحدى الفضائيات قال له مقدم البرنامج: هناك العديد من الألقاب التي لصقت بك بسبب كثرة ملاحقتك للمثقفين والمبدعين ومنها "جزار المثقفين"، و"كارثة دينية"، و"صاحب الإرهاب الديني".. فأضاف البدري – مبتسماً - لقباً آخر... إنهم يسمونني "عفريت العلبة"!!.
وعندما قرأت في البديل أخر "أفاعيل" البدري وهي الحوار الذي أجراه معه الزميل أحمد فراج والذي أعقبه بتكسير "شريط التسجيل" الذي يحمل كلماته بالشاكوش، لم أندهش مطلقاً فيوسف البدري - عفريت العلبة كما وصف نفسه – كعهدنا به دائماً، لم يخيب الظن فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن