الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الفهم الديني في مجتمعاتنا

سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)

2008 / 7 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قال أحد الفلاسفة قديما:
"سيءٌ هو الذي لا يؤمن بالله، لكن الأسوأ منه هو الذي يؤمن بالله و لا يؤمن بحكمته، و الأسوأ من كليهما هو الذي يؤمن بالله و بحكمته ثم يظن أنه يستطيع أن يخدع الله بذبيحة أو قربان".
إن هذه الكلمات ذات مغزى و معنى كبيرين، فالدين هو سبب تفرقة و مشاكل بينما الإيــــمان سبب وئام و سلام، الدين يهتم بالقشور مثل العبادات و الشعائر و الطقوس التي لا يكون لها أي تأثير على المتعبد أو ذلك الذي يوغل في الطقوس إما تهربا من الواقع المؤلم و الظالم أو ظنا منه بأنه يمحي ذنوبه و جرائمه التي يقترفها كل يوم، فالدين هنا هو مجرد "مساحة" ليس له أي هدف أو مبرر سوى التبرير للمجرم و المخادع و المستبد، فالشفيع في الآخرة سيضمن و يتكفل بإدخال العابد ـ الذي يخدر ضميره بهذه الطقوس ـ إلى الجنات لينعم بين الحور العين و الولدان المخلدين بما لا يخطر على قلب أحد.
لكن الدين العقلي الذي ينظر إلى الدين كأداة حقيقية لإصلاح الفرد و توجيه الإيمان توجيها فلسفيا يجعل من المواطن شخصا يقظا غيورا على تطبيق القانون و نظام الحقوق البشرية، حرية الفرد تحديدا الذي يجب أن يكون من ضمن المقدسات خصوصا في مجتمعاتنا الشرقية التي تعتبر الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان تلي الطحين و الدهن و سائر قائمة الأرزاق من حيث الأهمية، لأن الدين في شرقنا المسلم أصبح مجرد أداة تبريرية للفساد و الطبقية المجحفة و العنف و كبت الحريات من قبل الحاكم أو وسيلة للارتزاق من قبل رجال الدين الذين هم في الغالب ـ و ليس كلهم طبعا ـ يشترون بآيات الله ثمنا قليلا.
حينما كان الشيعة و المعتزلة يتناقشون مع الحنابلة و مدرسة الحكومة ـ عابدي النص و السلف ـ حول عذاب القبر، و كان الحنابلة يصرون على أن عذاب القبر هو أمرٌ حقيقي مادي يشعر به الجسد البشري، كان الشيعة و المعتزلة يبحثون هذا الموضوع من زاوية عقلانية ترى أن العقل له مهمة في استكشاف النص الديني فرأوا أن العذاب و النعيم هما مسألة روحية لأن الجسد يفنى، كالشخص الذي أكلته أسماك البحر أو صار رمادا بفعل النار، و بقدر ما لهذه المواضيع من قلة فائدة فعلية على أرض الواقع، إلا أن المنهج الذي يعتبر أن العقل حاكم على الشرع هو أقدر على تجاوز الخرافة، فالدين كونه حقيقة غيبية مهدد دوما بأن يختلط مع "الخرافة" و "الأسطورة" و بدون العقل الفلسفي لا يمكن التمييز بينهما، و هذا الخلط بين مهام الدين و العقل و دورهما في إنضاج العقل الفردي هو الذي يبقى على المشكلات العقلية ـ الفلسفية ـ في منظومتنا الاجتماعية تخلق نفسها باستمرار و تكرار، يقول الفيلسوف هيجل:
"الخرافة الدينية هي جنون الاعتقاد بأن الإنسان يستطيع بأعمال الجوارح في العبادة أن يفعل شيئا تبريرا لنفسه أمام الله. و الوهم الديني هو أن يخدع الإنسان نفسه بالوصول إلى هذه النتيجة و يحاول أن يدّعي تجارة مع الله. و أنه لمن الجنون أن يريد إنسان إرضاء الله بأفعال يستطيع كل فرد القيام بها دون أن يكون بالضرورة رجلا ـ إنسانا ـ خيرا. إن الخداع الديني الوهمي هو من وجهة نظر الأخلاق موت للعقل الذي بدونه لا يمكن أن يوجد دين" ـ في الفكر الغربي المعاصر: حسن حنفي ص 142.
لطالما طعن وعاظ الخلفاء و السلاطين ـ و الملوك و الرؤساء في عصرنا ـ في صحة أحكام العقل، كما فعل الغزالي و ابن تيمية اللذين تسببا في حلول كارثة فكرية حقيقية في العالم الإسلامي، و كان العراق و هو مركز العالم الإسلامي من أكبر المتضررين في هذا الشأن، فقد شكك الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة" ـ و معناه سُخف الفلاسفة و تناقضهم ـ بقيمة العقل من خلال تناقض الأحاسيس و المشاعر التي تحس بها الذات البشرية تجاه الأشياء، و لكن هذا التناقض الظاهري و السطحي هو من ضمن سمات العقل الذي ليس مطلوبا منه الوصول إلى المعرفة المطلقة، التي هي من اختصاص الإله وحده، إلا أن ذلك الطرف المتعلق بصلة الدين بالماديات و تأثير الدين على الواقع المنطقي، هذا الجانب من الدين يجب أن يكون خاضعا من دون قيد أو شرط للعقل و اجتهاداته حتى لو كانت مخطئة.
و المؤسف أن المذهب الشيعي أُصيب بنوع من داء الحنابلة حيث يقوم بعض رجال الدين بتقديس العقل ـ ظاهريا بحيث لا يتناقضون مع المأثور الديني ـ لكنهم يخرجون العقل من الباب الخلفي بمجرد أن يتناقض العقل أو يصطدم بظاهر حديث أو نص مقدس، مثاله أن هناك أحاديث ذات مضمون غريب تقول: "من قال في القرآن برأيهِ فهو مخطئ و إن أصاب"!! و حقيقة الأمر أن مثل هذه النصوص تناقض أساسيات الدين أولا ـ كون العقل له دور في فهم النص الديني سواء كان مخطئا أو مصيبا و لأن الخطأ و الصواب ليس قطعة قماش أو مادة يمكننا أن نقيسها بالأمتار و ما إلى ذلك هو حقيقة بديهية لا ينكرها إلا من يعاني خللا في الإدراك ـ و لأن هذا النص يستصحب التسلسل في أن يكون لكل نص من النصوص نص آخر يشرحه إلى ما لا نهاية، و هذا يتناقض مع أساسيات كل الأديان الموجودة.
إن الضابط الحقيقي لكل مشاكل الدين و توجيهه نحو مجاله الحيوي في الفعل و الإنتاج و العمل الخيري إنما ينطلق من إتاحة فهم النص لكل أحد و كل شخص يمكنه و مهما كانت معلوماته أنه يحاول فهم دينه من خلال الحرية المتاحة له و لا يصبح هذا الأمر ممنوعا عليه إلا حينما يحاول تحويل النص إلى مشروع أو سبب ينتج عنه العنف، لكن لا يمكن اتهام أي طرف أو مذهب أو دين بأنه متطرف إلا حينما يشرع فعلا في ذلك، كأن يفرض أمرا أو نمطا من العيش على أناس معينين بالإكراه و رغما عن إرادتهم، و المؤسف أن عصر المأمون العباسي كان أكثر عقلانية من مجتمعاتنا الإسلامية الحالية فكان مدّعوا النبوة يناقشون الفقهاء و المأمون شخصيا دون خوف من أن تقطع رؤوسهم، لكننا في عصرنا الحاضر نعاني من أزمة حقيقية في إتاحة المجال أمام كل فرد ليفهم النص المقدس و قديما قيل: رُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه..".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملات لترميم المواقع الدينية والأثرية التي دمرها داعش في الم


.. هنا شارع المعز لدين الله الفاطمى .. أكبر متحف آثار إسلامية




.. «ماريسا» على جبل عرفات.. قصة مسيحية سابقة من أمريكا إلى مكة


.. الحرارة تحصد أرواح حجاج بمكة وسياح باليونان.. والصيف المنصرم




.. تنظيم الإخوان المسلمين يحارب أعضاءه السابقين بوسائل وأساليب