الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمامة والسياسة.....رب ضارة نافعة

دارا كيلو

2004 / 1 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


  حقيقة, لا يملك المرء إلا أن يتعاطف مع المرأة العراقية,  في مواجهتها للقرار الجائر /137/ الذي أصدره مجلس الحكم. لقد اعتدنا التعاطف مع العراقيين بحكم إحساسنا بحجم الظلم الذي ألحق بهم, نتيجة الحكم الاستبدادي البغيض الذي جثم على صدورهم عشرات السنين, وبحكم الجوار والمشترك الثقافي والحضاري....لكن التعاطف مع المرأة العراقية له الكثير من الخصوصية , ففي الوقت الذي تنفس العراقيون قليلا بعد زوال الطغيان, الذي لا شك أنه كان أقسى على الأمهات والأخوات والزوجات العراقيات, يأتي مجلس الحكم ليصدر قرارا  ما كان الطاغية صدام ليفكر بإصداره. إذاً لم تكتمل فرحة المرأة العراقية, أو هكذا تبدو المسألة. ولكن وفي مقابل ذلك هنا الكثير من النساء العرقيات شمرن عن ساعد الجد, وبدأن نضالا حقيقيا من أجل حقوقهن, والمميز هنا أنه كانت بينهن وزيرة تعارض قرار المجلس الذي عينها ....هل يطرح هذا صورة العراق المستقبلي؟ ربما كان الأمر كذلك .
       لا شك أنه أمر يدعو للتساؤل والتأمل, أن يترك مجلس الحكم جبال الهموم والمظالم العراقية ويتجه لقانون الأحوال الشخصية, ليسلمه لأصحاب العمائم ورجال القبائل, والضحية الأولى: المرأة العراقية. لماذا استهداف المرأة؟ ما هو سر هذه العقدة تجاه المرأة من قبل القوى المتأسلمة؟ الإجابة على هذا قد تدخلنا في متاهاتِ تحليلاتٍ لسنا متخصصين فيها, ولكن المهم أن هذا القرار يشكل إشارة تحذير تستدعي التوقف عندها وتحليلها, بالإضافة إلى أنشطة الإدانة والعمل على إسقاط القرار. ما أريد قوله أن القرار يطرح مشاكل أبعد من الأحوال الشخصية وأبعد من قضية المرأة, على أهمية ذلك , القرار يثير مشكلات التحديث والديمقراطية للعراق ككل, يثير مشكلة مجتمعات تعاني من توجهها من الهدف إلى الواقع بدل أن تكون الأمور معكوسة, تثير مشكلة مجتمعات عندما تستلم زمام مصيرها تسلم نفسها لمن يصادر هذا المصير ويكبله.
     ماذا يعني أن يصدر قانون أحوال شخصية عصري إلى حد ما, منذ أربعين عاما, من قبل سلطة انقلابية حاولت فرض التحديث من أعلى, والآن تأتي قوى تمثل الطيف الغالب للشعب العراقي لتمرر قانونا أو قرار يعود بنا مئات السنين إلى الوراء....؟‍!  المسألة في  الأساس أن المجتمعات لا تتقدم ولا تحدّث بقرارات مجموعات انقلابية ولا برغبات أو نوايا طيبة لبعض المثقفين العصريين, التحديث لا يبدأ من الهدف إلى الواقع, لابد من قلب المعادلة والاعتراف بالواقع كما هو, مهما كان مريرا, والاعتراف بمحدودية قدراته على القفز إلى الأمام, ومن ثم وضع البرامج على قدر إمكانيات الواقع وباتجاه الهدف.
        كيف تم تمرير هذا القرار في مجلس الحكم ؟ هذا السؤال لا ينبغي طرحه لأن الغالبية في مجلس الحكم هو للقوى الدينية أو القريبة منها, وهنا تطرح مشكلة علاقة السياسة بالدين, وبالتالي إمكانية تحقيق الديمقراطية في مجتمعات تعبر عن نفسها من خلال قوى دينية. الدين والسياسة حقلان مختلفان من النشاط الاجتماعي, لكل منهما منطقه الخاص ومجاله المحدد, قد يتداخلان ولكن مستقلان. فالدين محكوم بالمطلقات والمقدسات والماورائيات والأحكام والتصورات النهائية المغلفة, ويتحكم الدين بمصير الفرد من خلال علاقته الفرد مع ربه, هذه العلاقة التي تحتمل الكثير من الخصوصية والفردية, ومجال الدين في الإطار العام هو الأخلاق. إما السياسة فشأن دنيوي بحت, يجسد صراع المصالح الفردية الدنيوية من جهة وعمومية الشأن المجتمعي, والدنيوي أيضا, من جهة أخرى, وفي هذا المجال لا بد من النسبية ومرونة الأحكام وفتح النهايات, حتى يتمكن المجتمع من الاستمرار بطريقة سليمة إلى حد ما, ويتحقق التعايش السلمي بين أفراده, ومجال السياسة في الإطار العام هو قضايا السلطة والدولة وشؤونها. إن الخلط بين هذين الحقلين يشكل كارثة على الاثنين معا, وفتح أي حقبة من التاريخ الإسلامي أو الغربي قبل العلمنة سيقدم كوارث دموية نتجت عن هذا الخلط, وذلك شأن طبيعي لأن الصراع بين فردين حول مصلحة ما وإدعاء كل منهما أنه يمثل إرادة علوية لا بد أن يؤدي بهما أن ينفي أو يقصي أحدهما الآخر, وكذلك الأمر بالنسبة لحاكم فاسد يقول أنه يمثل إرادة الرب, فإرادة الرب لا تقاوم ولا ترفض. وكما يقال : السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة, وأضيف أن السلطة المتلفعة بالرداء الديني فساد أكثر إطلاقا. 
       إذا كان الشعب العراقي يعبر عن نفسه من خلال قوى سياسية دينية, وبالتالي فإن إجراء انتخابات الآن أو في غضون سنوات قريبة سينتج عنه سيطرة هذه القوى, فما العمل هل ينبغي الوقوف ضد العملية الديمقراطية, باعتبارها قد تسمح لقوى لا تؤمن بالديمقراطية أن تسيطر على السلطة ؟  اعتقد أنه يجب أن لا نفرض تصوراتنا على الشعب العراقي, إن الديمقراطية ليست فقط عملية الانتخابات, وإن كانت تلك عملية أساسية فيها.  إن الديمقراطية تبدأ بفتح المجال أمام أي فرد أو شعب للتعبير عن مختلف خياراته, سواء على مستوى الفكر أو مستوى إمكانية التجسد في الواقع, مهما كان شكل هذه الخيارات, باشتراط أن تكون سلمية. التحدي هو إيجاد إطار مناسب لتفاعل سلمي بين الخيارات المختلفة, وعن طريق التجربة والخطأ والصواب, والاستفادة من دروس الغير أيضا, يمكن أن تبدأ الخطوات الأولى نحو الديمقراطية. فالديمقراطية تشبه قيادة السيارة, إذا لم يقم الإنسان بقيادة السيارة  ويرتكب بعض الحوادث, وقد يكون بعضها مميتا, لن يتعلم قيادة السيارة, ولو بقينا نعلمه نظريا, لمدة عشرات السنوات, كيفية قيادة السيارة .
      ما تقدم قد يجعلنا نجد جانبا مفيدا في القرار 137, فعملية إصداره أظهرت للكثيرين من أبناء الشعب العراقي حقيقة القوى الموجودة في مجلس الحكم, وهي قوى ذات شعبية واسعة, وأظهرت جانبا من النتائج الممكنة لطريقة إدارتها للشأن السياسي هذا من جهة , ومن جهة أخرى فإن عملية الرفض الواسع للقرار وخصوصا من قبل النساء أنفسهن, ناهيك عن الرجال, يعتبر مدرسة يتعلم فيها العراقيون أهمية صوتهم ودورهم كأفراد ومجموعات في تقرير مصيرهم, بدلا من الانتظار حتى صدور قرار تصحيحي من الأعلى.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah