الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية العلاقة بين العلماني والطائفي في لبنان

عاصم بدرالدين

2008 / 7 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نستطيع أن نحدد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها العلمانية، كإحترام حقوق الإنسان، والحرية، العقلانية النقدية، الديمقراطية، المدنية..إلخ، ويكون هذا بديلاً عن عملية تصنيف الأحزاب والشخصيات، بين أنها تركت علمانيتها أو حافظت عليها. كذلك الأمر، فإن استمرار النقاش حول مفهوم العلمانية بين العلمانيين أنفسهم يؤدي إلى جدال لا متناهي، وفارغ من حيث المضمون، ولا يشي إلا بتصدع البيت الداخلي العلماني في أكثر اللحظات حرجاً. فيما المواجهة الحقيقية -أو الحوار الحقيقي- يجب أن تكون مع القوى المعادية للعلمانية (القوى الطائفية والعشائرية والقبلية) والمشوهة لها بشتى الوسائل. لا فائدة في خضم هذا الكم الهائل من العصبية التلهي بشرح العلمانية والعلمنة، الواضحة أصلاً، بينما تتآكل مجتمعاتنا وتتفتت بأيادي الطائفيين القبليين.

بيد أن هذا لا يعني توقف النقاش والحوار بين العلمانيين، بل يجب أن يتفاعل بالانتقال إلى موضوعات أكثر أهمية وحساسية، تؤثر سلباً على مواضع العلمانيين اللبنانيين. إن الحوار الحقيقي، وهو لب المشكلة اللبنانية، يجب أن يتمحور حول علاقة العلماني بالطائفي في هذا البلد. فالعلمانيين، كما أراهم اليوم، منقسمون كحال الوطن كله إلى شطرين. بينما يشكل هذين القسمين في جوهرهما قطبيين طائفيين يسعيان، كل من موقعه، إلى السيطرة والتسلط على الآخر. فمن المستغرب حقاً أن يقف العلماني مع هذا الفريق أو ذاك، متجاهلاً المشاريع الطائفية-المذهبية التي يحملها كلًّ منهما. ونلحظ في هذا الصدد "التناقض العلماني"، بحيث أن جميع العلمانيين، يعتبرون أنفسهم فوق الطوائف ورجالها وأفكارها وغاياتها، وينددون بها بأشد وأقسى العبارات، حتى حدود السباب والنهر، بينما هم يصطفون إلى جانب هذا التكتل المغمس حتى عظامه بطائفيته وتطرفه وكرهه للآخر في شكل جلي وواضح، وأنا أقصد هنا طرفي المواجهة "علمانيي 8 آذار" و"علمانيي 14 آذار" على حد سواء.

علمانيي 8 آذار
لا يزال حتى الساعة، وبعد مضي ثلاث سنوات ونيف على تظاهرة الثامن من آذار الشهيرة، يعترض الحزب الشيوعي اللبناني على تصنيفه ضمن هذه الفئة "السياسية"، بينما هو يتماثل معها في كل المواقف والآراء والقرارات، ويجتمع بأحزابها، بينما يستنكف عن الالتقاء بالطرف الآخر، ويتهمه بالعمالة والتأمر والاستتباع للمشاريع الأميركية (والصهيونية ضمناً). في المقابل، يدافع عن تأييده لهذا الفريق، ولو عن بعد كما يدعي، بسبب الدور المقاوم الذي يضطلع به الطرف الأساس في هذه المجموعة، أي حزب الله، كذا فإن ممانعة هذه القوى، وتحالفها مع الممانعة الدولية، يعتبر بالنسبة لقيادة الشيوعي عامل مهم للتضامن معها والوقوف إلى جانبها في هذه المعركة العالمية ذات الطابع المبدإي.

وقد يحمل هذا الكلام الكثير من الحقيقة والصواب، لكنه منقوص حتماً، إذ أنه يتجاهل التناقض الفاضح لهذه القوى، مع العنوانين والشعارات الرئيسية التي يحملها الحزب الشيوعي ومريديه. فمن المستحيل بمكان، تجاهل مذهبية حزب الله و"رجعيته" لأجل مقاومته وتضحياته الجسيمة. فحزب الله منظومة شاملة، تقاوم وتحرض في الآن معاً والأولى تخدم الثانية والعكس صحيح، ومهما سعينا بنية حسنة، للفصل بين البنى الحزبية المقاومة فيه والأخرى التجييشية المذهبية المتطرفة سنفشل بلا أدنى شك.

كما أن حزب الله يعد من المعرقلين الأساسيين لتطور العملية الديمقراطية والحزبية في لبنان، ليس بفضل طائفيته قولاً وممارسة فحسب، إنما أيضاً من خلال قدرته الفائقة على شراء الانتماءات والتأييد اعتماداً على سياسته الاجتماعية القوية النفوذ. هي سياسة كاملة متكاملة، تعتمدها قيادة حزب الله، والتغاضي عن أحد عناصرها يستحيل إلى تعام مقصود. زد على ذلك قدرة الحزب الشيوعي المميزة عبر قيادته على تجاهل كثير من الأحداث التي يشارك فيها حزب الله-الأصح التي يقودها-، والتي من البديهي وصفها بالطائفية والقمعية وغير المفهومة! ومنها أحداث بيروت الأخيرة أو ما عرف لاحقاً بـ"غزوة بيروت". ويشارك تقريباً الحزب الشيوعي في هذه التصرفات الغريبة، إلى حدٍ ما، الحزب السوري القومي الاجتماعي.

علمانيي 14 آذار
من جهة أخرى، جذبت الشعارات اللافتة التي حملتها "انتفاضة الاستقلال" الكثير من العلمانيين، كأحزاب أو شخصيات، للانضمام إليها. وترافق هذا الانضمام المسحور ببريق الحرية والسيادة والاستقلال، مع تجاهل مثير للقوى والأحزاب المُشَكِلة لهذه الثورة "المدنية". فالناظر في التشكيلات الحزبية المؤلفة منها يلحظ سيطرة التكوين الطائفي عليها، وهي بمعنى أخر مجموعة طوائف إلتمت على بعضها البعض، وتوحدت في ظل شعارات وأفكار واسعة الحدود وفضفاضة. فالحزب التقدمي الاشتراكي يمثل الدروز وتيار المستقبل يمثل السنة، والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وقرنة شهوان (والتيار الوطني الحر قبل انسحابه) يمثلون المسيحيين.

إن هذا الإبراز لهوية كل مجموعة حزبية، لا إلتباس فيه، وتبدى في شكل علني مع تطور الأحداث السياسية في لبنان، فمنذ الانتخابات النيابية الأولى 2005، بعد الخروج العسكري السوري، استخدم الكثير من قادة هذه الأحزاب الخطاب المذهبي لتجيير أصوات الناخبين من أبناء مللهم لصالحهم، وقد يكون في مكان ما قد استفادت بعض الفرق العلمانية من هذا التصرف، وهذه لطامة كارثية. فضلاً عن تبني بعض العلمانيين للمواصفات الخطابية الطائفية، فرأينا بعضهم في معركة المتن الفرعية لانتخاب بديل عن الشهيد بيار الجميل، يطلق العنان للمبادئ الطائفية في مواقفه، المبنية أساساً على التوارث السياسي بدلاً عن الاختيار والتصويت الديمقراطيين.

ويتغاضى هؤلاء العلمانيون عن الخطاب الأصلي لقوى الرابع عشر من آذار، إذ أنهم يصورون ثورتهم هذه على أنها بكل بساطة إتحاد للطوائف، وهذا مناف للمبادئ العلمانية التي نعتنقها فالوحدة الطائفية تختلف تماماً مع الاندماج في المجتمع. إضافة إلى ذلك السكوت الفاضح حول التقاسم السخيف للدوائر الانتخابية والحقائب الوزارية، والخطاب التحريضي الذي أستخدم بشكل سافر مؤخراً في بيروت.

علمانيين خارج الاصطفاف
ليست المقاومة حجة مقنعة للتعامي والسكوت، والأمر نفسه بالنسبة لشعارات الحرية والسيادة والاستقلال. نستطيع أن نبني خطاً خاصاً بنا، يقوم على مفاهيم السيادة الوطنية، دون أي إلتباس مثير وغامض ويجعلنا في الخندق نفسه مع القوى الطائفية التدميرية التسلطية الاستتباعية. مما يتيح لنا، ولو بقليل من الأمل، إخراج وطننا من النفق الذي يعيش فيه آنياً. هناك مفارقة أساسية في تشكيل كل مكون حزبي طائفي تتناساه هذه القوى العلمانية التائهة، فمن حيث المبدأ والأصل، لا يمكن للقوى الطائفية أن تقوم دون أي داعم أو راع خارجي، يكون بمثابة الممول أو الملقن، وهذا الأمر يتعارض مع مفهومي المقاومة والسيادة. ولا ضرورة هنا للدخول في عمق السياسة اللبنانية، العقيمة، لتبيان حقيقة هذه النظرية.. إلا أنه في المنظور المللي لا فرق بين السيادة الوطنية والاستباحة الخارجية المنتقاة-بمعنى الموافقة على التدخل الخارجي المؤيد "لنا"- بحيث يكون الخارج-الداعم-القوي، بالنسبة لها أباً روحياً، ووطناً أصيلاً وأولياً يفوق بأهميته المساحة الجغرافية التي تشغلها هذه الجماعة القبلية أو تلك في لبنان.

إن استمرار عملية التغاضي، واختراع الأعذار ومحاولة التبرير لا طائل منها واقعياً، وهي ليست إلا مشاركة فعالة ونافذة في تدمير ما تبقى من هذا الهيكل الذي يسمى الدولة اللبنانية، وعرقلة نافرة لجهود قيام الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية والعادلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القوى السياسية الشيعية تماطل في تحديد جلسة اختيار رئيس للبرل


.. 106-Al-Baqarah




.. 107-Al-Baqarah


.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان




.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_