الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتورة والشيطان (1 من 2)

ابراهيم علاء الدين

2008 / 7 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تلقيت رسالة من مجهول عبر البريد الالكتروني عنوانها "تحدى الشيطان" ولما فتحت الرسالة وجدت عبارة تقول "هل تستطيع تحدي الشيطان" وجملة اخرى تحتها تقول "اذا وزعت هذا الدعاء على مائة بريد الكتروني ستنال مليون حسنة ، فهل تستطيع تحدي الشيطان؟.
توقفت مليا امام السؤال فانا خير من يتحدى الشيطان بل والشياطين ، ولكن طبيعة الرسالة والمهمة التي وجدت نفسي امامها جعلتني اشك بانني قادر على تحدي الشيطان، لانني لا اؤمن بان ارسال دعاء ديني فيه تحد للشيطان.
فكتبت ردا على الرسالة قلت فيها انني اتحدى الشيطان بطريقتي كما انني لا اعترف بشيطانك.
فجائني الرد يقول " الشيطان ورد ذكره بالقران واذا لم تعترف به فانت لست مسلما"
وتكررت الرسائل البريدية خلال يومين حتى كشف الطرف الاخر عن شخصيته فاذ بها دكتورة متخصصة في علم الكيمياء، في احدى الجامعات العربية. واستحضر ذهني السؤال التقليدي الذي يساور الجميع تقريبا حول اسباب انحطاط امة العرب، حيث البعض لا يزال يرمي المسؤولية على الاعداء ، وعلى دول الغرب "الكافر" وعلى الحكومات العربية "العميلة" فيما يذهب البعض الى تفسير سبب الانحطاط والتخلف والفقر والجهل الى غضب الله لان الامة ابتعدت عن ممارسة طقوس الاولين.
وارسلت لها رسالة ابديت فيها استغرابي كيف تكون عالمة في ميدان علم الكيمياء وتؤمن بالخرافات ، وتعتقد بالشيطان كما يعتقد البسطاء من الناس، وانها تقبل ان يقودها رجل دين شبه امي في تنفيذ امر يتعارض مع العقل خصوصا اذا كان صاحب العقل متخصص في مجال الكيمياء؟
ردت دكتورة الكيمياء برسالة قالت فيها " انني اشعر فعلا بانني اتحدى الشيطان من خلال هذا العمل، فانا اؤمن ان الشيطان يلازم الانسان ويسكن في داخله، وانه يمارس دوره هذا في اطار تحدي "الله" لافساد الانسان الذي فضله الله على الشيطان الذي عصى الله ورفض السجود له".
وتابعت في رسالتها قائلة " هل تؤمن بوجود الشيطان ؟؟ لانك اذا تكن مؤمنا بوجوده فلن تكون مسلما، لان من لا يؤمن بوجود الشيطان لا يؤمن بوجود الله".
ما ان انتهيت من قراءة الرسالة حتى شعرت باستفزاز ممزوج بالدهشة ، فانا اتوقع وقد حصل كثيرا ان يتم رمي البعض بالكفر ،والخروج من الملة والالحاد الى اخر الاوصاف من التكفيريين المتعصبين ، لكن ان ياتي من سيدة تحمل اعلى الدرجات العلمية ومتخصصة باحد العلوم الرئيسية فهذا عصي على الفهم ، فكتبت لها الرسالة التالية:
الاخت الدكتورة (..........) المحترمة

تحية طيبة وبعد

تشرفت بحضرتك وللعلم فانا مسلم سني شافعي وبهذه المناسبة اود ان انقل لك استغرابي من اضطراري للتاكيد على انني مسلم سني شافعي مرات ومرات خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الثلاثة اشهر، اي فقط منذ ان بدأت التعامل مع بعض الناس بالاردن وفلسطين .
و كما يبدو ان الناس في هذان البلدان يستسهلون وصف معارضيهم بالكفر والخروج عن ملة الاسلام والتشكيك باسلامهم لمجرد الاختلاف بالراي حول أي قضية مهما كانت صغيرة.
وهذا مناف للدين ومناف للعقيدة التي تقوم على ان الايمان قلبي ولا يعلم بما في القلوب الا الله.

اما قولك بان عدم الاقرار بوجود الشيطان يعني من ضمن الاحتمالات الا اكون مسلما وبذلك تشكيك بايماني بالله وكتبه ورسله ففي ذلك بعض التسرع واستسهال رمي الناس بالكفر
فاذا كان فهمك للشيطان كما كان يفهمه الاولين ممن تقدسهم بعض الجماعات والاحزاب الاسلامية من مفكري العصور الغابرة، فان فهمي يختلف كثيرا عن ذاك الفهم، فمن واقع فهمي لما جاء في القران الكريم ان الشيطان هو "سمة" رمزلكل ما هو سيء ولما كان كل ما هو سيء موجود في نفوس واذهان البشر فيكون الشيطان اذن هو جزء من الكينونة البشرية.
كما ان الشيطان بسمته واوصافه موجود قبل ظهورالاسلام بالاف السنين وقد ذكرت هذه السمات والصفات في جميع الديانات السابقة على الاسلام سواء السماوية منها (المسيحية او اليهودية) اوغير السماوية كالزرادشتية والهندوسية والبوذية وغيرها من الديانات بما فيها الوثنية البدائية.
وكلمة الشيطان كمفردة لفظية هي كلمة ارامية الاصل "سيتانا" وعند الاغريق "سيتاناس" وعند العبرانيين "سيتن" وقد حملت هذه المفردات نفس السمات التي جاءت في القران الكريم ، فالاراميون يعرفون "سيتانا" بانه أحد كبار الجن المقربين من الله إلى أن داخله الغرور فلُعن وطرد من السماء. وفي الديانتان اليهودية والمسيحية "سيتن" هو مخلوق شرير كان أحد المقربين من الله ثم تمرد عليه، فطرد من رحمته إلى يوم القيامة.
والشيطان بالاسلام يحمل نفس التعريف الذي ورد بالثقافات السابقة فهو رمز للشر وهو من فصيلة الجن طرد من الجنة لانه عصى امر الله برفضه السجود لآدم.
اذا يا دكتورة فان الشيطان ليس حكرا على ثقافة المسلمين بل استخدمته جميع الشعوب في كل مراحل التاريخ الانساني للدلالة على دوافع الشر في التكوين النفسي للانسان ، وهو تعبير عن حرص الانسانية على كل ما خير وايجابي ورفض لكل ما هو شر وسلبي .
ووفق هذا المفهوم فان نكراني للشيطان هو نكران للمفهوم التقليدي السائد عند العامة وبسطاء الناس للشيطان الذي يستند الى فهم مفكري القرون الاولى للاسلام من امثال ابو هريرة ومسلم والبخاري والاشعري و ابن تيمية وغيرهما من كتاب الحديث ومفسري القران الكريم ، وهو انكار للمفهوم الذي ساد عند الشعوب البدائية.
ففي عصر العلوم (وانت استاذه وخبيرة باحد اهم هذه العلوم وهو علم الكيمياء) واستنارة العقل بالاف مؤلفة من الاكتشافات العلمية لم يعد التوجيه وبناء الانسان وحثه على عمل كل ما هو خير وايجابي يتم من خلال التخويف والترهيب من الشيطان بل هناك قيم عليا واعراف ومفاهيم علمية حديثة تقوم على تعظيم قيمة العقل الانساني وتعظيم الفكر وتعزيز الوعي الشامل لدى الانسان من خلال حثه على اكتساب المزيد من العلم والمعرفة في كافة الميادين، مما يهذب النفس البشرية ويقوم سلوكها ويدفعها لعمل الخير ويبعدها عن القيام باعمال شريرة.
وان التخويف بالشيطان لم يعد سائدا الا في المجتمعات المتخلفة التي تنتشر فيها الامية والجهل والمرض، وفي الاوساط الشعبية حيث تنتشر الاوهام و"التطير" والشعوذة والكهن.
واظن ان الشيطان هو الشر، والشر لا يتحقق في الواقع الا اذا قام شخص ما (الانسان) بعمل شرير ، وبذلك يوجد في الدنيا 5ر7 مليار مشروع شيطان هم عدد سكان الارض.
فاي شيطان اذا يمكنني ان اتحدي من بين هذه المليارات من الشياطين؟ اعتقد ان الله سبحانه وتعالى طالب كل انسان ان يتحدى شيطان نفسه اي بمعنى اخر حث الانسان على عدم القيام باعمال شريرة.
واكاد اجزم ان الشيطان يختفي كلما ارتقت الشعوب ونمت خيراتها وازدادت حياتها رفاهية ، وهذا لن يتحقق الا بانتشار العلوم وارتقاء الثقافة وازدهار الاقتصاد والارتقاء بمناهج التعليم لتنتج علماء ومفكرين ومبدعين في كافة الميادين وليس متعلمين حملة شهادات فقط كما هي الحال في بلادنا العربية.
واعتقد انه من خلال احترام العلم واحترام العقل وحث الناس على الايمان بجوهر الدين الاسلامي والمتمثل بالتغيير والتطوير ونقل المجتمع البشري الى افاق اكثر رحابة من التطور والتحضر يكون الانسان المسلم الحقيقي يقوم بدوره في ارضاء خالقه والقضاء على الشياطين كلها ، وليس من خلال توزيع دعاء من هنا او هناك بالبريد الالكتروني.

فالدعوة للدين وحث الناس على التمسك بالقيم العليا يتطلب وبشدة ان ينتقل الناس في سلوكهم وافكارهم من تلك الافكار القائمة على الترهيب الى افكار قائمة على التحفيز والايمان بالعلم والعلوم وسنن التطور البشري.
فمع احترامي الشديد لكل ما تعتقدي به لكني اظن ان علم الكيمياء الذي تحملين شهادة عليا فيه يحث على احترام العقل واحترام السبب والنتيجة، فلو مزجتي بين ذرتين من الهيدروجين مع ذرة من الاوكسجين فلن ينتج شيئا الا الماء مهما حاولتي.
واود ان اشير بهذه المناسبة الى انك يا دكتورة (كافرة وخارجة من الملة ) وفق فتوى لابن تيمية لانك تعلمتي الكيمياء وتشتغلي بها. فهل توافقي على مثل هذه الفتاوي وهذا ابن تيمية الذي يوصف بانه شيخ الاسلام.
اذن با دكتورة (..........) من الخطا ان نرمي الناس بالكفر او ان نعتقد بان ما جاء به الاولين كله صحيحا ويجب التمسك به، فانت تعتبري عالمة في مجالك العلمي وانت متفوقة بما لا يقاس على اعظم عالم في الكيمياء ظهر في العصور القديمة، لان في عقلك اليوم عصارة علم الكيمياء وليس مجرد بعض الصور الناتجة عن محدودية المعرفة في تلك الازمان.
واذا اردت ان اقول لك ما هو الشيطان فاليك هذه القصة الصغيرة:
قبل سنوات كنت امتلك شقة بالقاهرة ، انزل فيها كلما زرت القاهرة، وكان مفتاحها مع الحارس علي الذي يقوم بتنظيفها والمحافظة عليها.
وفي احدى الزيارات ما ان فتحت باب الشقة حتى قفز رجل وامراة يبدوا انهما كانا في حالة شبه انسجام عاطفي وارتبكا ارتباكا شديدا.
فسالت الرجل من يكون؟
فقال: انا مستاجر الشقة انا من السعودية
قلت : ومن تكون هذه (واشرت الى المراة)؟
قال : انها زوجتي ومعي عقد زواج عرفي
قلت : ومن اجرك الشقة
قال : حارس البناية علي
اثناء ذلك كانت المراة ترتجف من الخوف ، يبدو انها ظنت اني من مباحث الاداب
قلت: الم يقل لك علي ان هذه الشقة مسكونة (كنت اقصد ان بها سكان) ، عندها صرخت الست وقالت مسكونة يا ويلي يا ويلي مسكونة.
هنا انا انتبهت انهم فهموا انها مسكونة بالجن والشياطين
وقال الرجل "مسكونة لا اله الا الله لا اله الا الله اعوذ بالله"
فتماديت بالتاكيد على انها فعلا مسكونة، فازداد رعبهم وكادت عيونهم تقفز من راسيهما وتكورت المراة على احد المقاعد تحاول لملمة اطراف ردائها البلدي
وقلت انا صاحب هذه الشقة وانا ساكنها، فابتعد الرجل خطوة للخلف وتسمرت عينا السيدة تتفحصني وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
جلست على المقعد وقلت لهم نعم انا الجن الذي يسكن هذه الشقة ، انا الشيطان براهام .
فازداد اضطرابهما ووقفت المراة مشدوهة لا تعرف ماذا تفعل فيما قال الرجل :"آمرني سيدي انا حاضر ماذا تريد ؟
قلت : لا تخافا انا سامحكما اذا غادرتما الشقة فورا لان اصدقائي الشياطين سيقومون بزيارتي بعد قليل واخشى ان تتعرضا للاذى .
قالت المراة : "لا يا خويا لا يا خويا احنا ماشيين ، احنا ماشيين، الله يخرب بيتك يا علي الله يخرب بيتك"
ولملما اغراضهما وغادرا الشقة والفزع يحيط بهما من كل اتجاه.
وحمدت الله ان كلمة مسكونة جعلتهما يخليا الشقة والا لكنت امضيت زيارتي في الفندق ؟
فما رايك يا دكتورة بالشيطان براهام ، الم اكن فعلا شيطان في تلك الليلة، وشيطان محترف كمان.
هذا هو مفهومي للشيطان يا دكتورة ، وذاك هو الفهم الشعبي للشيطان.
وبناء على ذلك فاعتقد انك لو قمت بتوزيع رسائل تتضمن اخر الاكتشافات والابداعات في مجال الكيمياء لكنت تساهمي فعلا بطرد الشياطين ، شياطين الجهل والخرافة.
(في الحلقة القادمة رد الدكتورة على هذه الرسالة)
ابراهيم علاء الدين
[email protected]











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس