الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هل تذكرون ناجي العلي ؟
طارق قديس
2008 / 7 / 25المجتمع المدني
في الثاني والعشرين من تموز / يوليو من عام 1987 – أي قبل عشرين عاماً بالتمام والكمال - تمكنت طلقات الرصاص من أن تجد طريقها إلى جسد ناجي العلي ، واستطاع القاتل المجهول أن يهتدي إلى فريسته ، و يصوب فوهة سلاحه إلى الطريدة ، إلى ناجي ، ليقع في النهاية على أحد أرصفة شوارع لندن ، وتختلط دماؤه العطره بحبر ريشته الأسود ، والقابع فوق رسوماته ، وقد سقطت من يده على الرصيف ، كما يسقط المطر على الصحارى العطشى بعد طول انتظار ، لينقل بعدها في حالة حرجة إلى المستشفى راقداً في غيبوبة عميقة ، لا يعلم أحد متى تنتهي فصولها.
جهاتٌ كثيرة وجهت إليها أصابع الاتهام ، هنا وهناك ، أما الحقيقة فهي أن القضية قد قيدت ضد مجهول ، وأن كل الأدلة الجنائية المتوفرة لم تستطع أن تقود محققي الشرطة الإنجليزية إلى معرفة القاتل ومن هم وارءه.
جهاتٌ كثيرة ، وشخصيات كثيرة شهدت لعبقرية هذا الرسام النادر قبل وفاته وبعده في التاسع والعشرين من آب / أغسطس من عام 1987 ، حتى وإن اختلفت معه في بعض المواقف والآراء ، وكان منها : الأديب الفلسطيني غسان كنفاني الذي قال ذات مرة بأن الحدة التي تتسم بها خطوطه – أي ناجي - تدل على كل ما يجيش في صدره بشكلٍ أكثر من كافٍ ، وكذلك الشاعر المصري صلاح جاهين إذ قال بأن ناجي قد جاء ليعلمنا فن الكاريكاتير بعد أن أصبحنا ( أساتذة ) ! ، والشاعر محمود درويش حين قال بأنه لم يكن سهلاً أن تناقش ناجي العلي الذي يقول : " لا أفهم هذه المناورات ، لا أفهم السياسة ، لفلسطين طريق واحد هو البندقية " . والأديب إلياس خوري إذ صرح بأنه في موته قد قدَّم شهادة الشاهد، وأعلن مجد الثقافة التي لا يستطيع أحد أن يغتالها .. لناجي البعيد كعيوننا ، الصامت كمدننا ،الغائب كأحلامنا ، له نروي ، عنه نروي ، نروي حكاية الشاهد الذي لم يسقط إلا ليعلن أن شهادته كانت أكبر من موته !
كثيرون آخرون من أدباء ، وشعراء ، ومحبين صرحوا وقالوا فيه ما يعكس مدى تعلقهم به ، ومدى تأثيره فيهم ، وفي من هم بعيدين عنه ، وهو الذي استطاع بخطوطه الطولية والعرضية أن يجذبهم إليه بجاذبية تضاهي جاذبية الأرض للقمر آلاف المرات.
لقد ضبط كثير من الناس إيقاعات حياتهم على إيقاع ناجي العلي ، على نبض قلبه حتى أضحى هو البوصلة التي يستطيع من خلالها الإنسان العربي أن يحدد بها موقفه من قضية ما.
لقد ضبط الكثيرون في الماضي صباحهم على رسوماته الساخرة ، على نقده للواقع العربي الهزيل بشكل حاد رغبة منهم في تحقيق الأمل المنشود، وكانوا ينتظرون بلهفة صدور الصحف التي ينشر فيها رسوماته ليمتعوا عيونهم بمشاهدتها ، وقراءة تعليقاته الناقدة ، ويتنفسوا الصعداء ، لأنه مازال هنالك شخصٌ يعبر عما يدور في أذهانهم من أفكار وعبارات على قيد الحياة !
وأنا هنا أكتب هذه السطور لا لأذكر الناس بهذه الشخصية الفذة ، فهو أكبر من أن ينسى ، وأحبابه أكبر من أن ينسوه ، وإنما أكتب هذه الكلمات لأشاطرهم الذكريات ، وأمرن ذاكرتي على استدعاء قبسات الماضي الجميل من بين ركام الأحزان اللامتناهي ، وتجاوز الدفاتر القديمة بكل ما لها وما عليها حتى نتمكن من التحليق عالياً في فضاءٍ حرٍّ ، ونتقدم لو مجرد خطوةً إلى الأمام ، في زمنٍ لم يعد بإمكاننا فيه سوى أن ننظر للوراء ، بحثاً عن بطلٍ من كتب التاريخ لينتشلنا من مرارة الواقع المثقل بالهزائم.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. قوات الاحتلال تدمر مقر الأونروا في جباليا شمالي قطاع غزة
.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإطلاق سراح ا
.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة
.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين
.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت