الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسمى التهاني والتعازي

توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)

2008 / 7 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قبل أيام أحتفل أنصار الزعيم قاسم وعشاقه والموالون لثورته باروع ما يكون به الاحتفال على صعيد شعبي وحزبي عفوي ترجم لحد كبير مكانة ومحبة الزعيم في قلوب هؤلاء المحتفين ووهج حكاياته التي أختلط بها الحقيقي بالاسطوري .
كما كشفت تلك الاحتفالات عن التوق والحسرة لفقدان زعيم تفرد عن سواه من الزعماء والرؤساء بالنزاهة والعفة واللتين بقي مكانهما شاغرا بعد كل هذه السنوات.
وعلى مقربة من مسارح الاحتفال بثورة تموز وقائدها كان احفاد العائلة الملكية يتلقون التعازي والمواساة من قبل عراقيين اخرين يسكنهم الحنين لزمن الملكية العراقية وذكريات ايامها من الخير والامان والحياة البرلمانية وغياب السجون وحملات الابادة والتهجير التي شهدتها الجمهوريات اللاحقة وكذلك كشف هذا العزاء الشعور الجماعي بالذنب ازاء مليك يافع لم تتلطخ يديه بقرارت ضد مواطنيه والتفريط بتراث من الامان والحرية والتطور نقلها ابناء عمومة الملك القتيل لدول مجاورة سعدت بفترات حكمها الملكية في الوقت الذي كان فيه الوطن والامة العراقية تدفع ثمن تلك الخسارة بالارواح والثروات واعمار الشباب .
هذه الاحتفاليات المتناقضة وبطاقات التهاني والتعازي والحنين المتضاد لزمن القاتل والمقتول في قيظ تموز الحاد يكشف وجها من وجوه الشخصية العراقية وتطرفها في مواقفها ومستوى تقلباتها ومزاجيتها المتحولة وكل ذلك جدير بالتأمل والدراسة والتقصي من قبل الباحثين في اسرار هذه الشخصية وكشف نوازعها وتفسير مواقفها على صعيد الدولة او المجتمع .
ولربما بسب هذه المزاجية المتطرفة والتحيز الحاد لهذا الطرف او ذاك غاب عن تاريخنا الملطخ بالدم والاكاذيب ووثائق تزوير الحقيقة والموعظة والتامل الحيادي الموضوعي والذي يجعل التاريخ درسا لصناعة المستقبل بعيدا عن الظغائن والاحقاد والتزمت والكراهية ما بين الاجيال .
تلك التناقضات والاحتفالات المتضاد ة برموز التاريخ والذ ي فضحته لحظة الحرية المنتزعة من بين انياب العراق الجمهوري وعقوده السود تعد من الظوهر الاجتماعية الملفتة في تاريخ العراق المعاصر والتي انتجت مزيدا من بحار الدما ء وسنوات من الفاقة والتشرد واهدار للثروات .
صيف تموز الحارق هو الميدان المفضل لبروز التحولات وتجلي المزاجية المتقلبة لدى العراقي فطالما حفل هذا الشهر الساخن بوقائع الانقلابات والمؤمرات ..
وتحت اجوائه الساخنة يمكن لنا ان نسأل بعفوية :
كيف اسطاع العراقيون وفي لحظة من الحرية المتسللة من بين جدران الدكتاتوريات المتعاقبة الاحتفاء بالقاتل والعزاء بالقتيل في آن واحد ؟
كيف تقابل حنين العراقيين ونزوعهم نحو ملكية اعطتهم زمنا شاذا وعابرا بالامان ومشروع دولة وديمقراطية مبكرة وحريات لن تتكرر بعدها وبين زعيم ظل متشبثا بسحر صورته في مناديل الفقراء وصحون العائلة العراقية ؟.
كيف تسنى للعراقيين الجمع بين الحنين لحقبة الامان الملكية وايامها وبين البكاء على خسارة العفة والنزاهة في حياة قاسم؟.
ابلغ الدروس في هذه القصة وحكمة الاجابة عن تلك الاسئلة هو ان نعيد احكامنا وتقييماتنا للتاريخ وشخوصه ووقائعه من دون الوقوع في ورطة الانفعالات والامزجة والتطرف بالمواقف لكي نرى زعماءنا وملوكنا واحداث زمنهم كما هي وليست كما ترسمها عقدة ذنب او تهويل مخيلة او سحر كارزما وكلها من مكبلات الماضي والربط بسلاسله المقدسة التي تحول دون الانعتاق من اسره والشروع ببناء جديد لمستقبل آخر.
فالغربيون لم يتقدموا خطوة في عالم الانجاز والمدنية الا عندما نزعوا جلابيب التقديس عن شخوصهم ووقائع تواريخهم ورموزهم السياسية والدينية .
والدرس الاكثر بلاغة في ذلك هو ان لايستبد الساسة والملوك والجنرالات من الاحتفاء والسطوة على ذاكرتنا الجمعية وطقوس فرحنا الموسمية الشحيحة اكثر مما ينبغي على حساب مكانة وذكرى رموز الاصلاح الفكري والاجتماعي والثقافي أولئك الذين يتحملون مبااشرة مسؤولية بناء الدول وتنامي الحضارات مهما كانت حدة التقلبات السياسية .
ولذا تزخر رزنامات الشعوب والدول المتحضرة باحتفالات للحب والازهار والسلام والامهات والاطفال اكثر مما تحتفظ بكرنفالات تبجيلية لقادتهم السياسيين وجنرلات حروبهم الذين عطلوا مسيرة الحياة ودمروا منجزات علماءئهم وادبائهم وفنانيهم فصباح الخيرعندما نحذو حذوهم في ذلك نكون خرجنا من منطقة التطرف والتقلب وبطاقة الاسمى في التهاني والتعازي لحدث واحد وزمن واحد .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل