الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون الكفاءات أو التفرغ العلمي

عدنان الظاهر

2008 / 7 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي


24.07.2008
حول قانون الكفاءات أو التفرغ العلمي
لها ... فقط لها ...
آليتُ على نفسي أن لا أكتب إلا لها ... لها وليس لسواها من بين المخلوقات الناطقة والصامتة ... الحية والجامدة ... فإنها هي وحدها التي تستحق كتابتي وخطابي . هل أصارحها بقراري هذا أم أكتمه في صدري حتى يحينَ أوانُ كشفه أو إنكشافه للملأ بالصدفة المحضة أو ربما عن طريق الخطأ ؟ (( دعْ كلَّ شيء للصدف )) كما درج صديقي المرحوم الدكتور جواد البدري أن يقولَ كلما إدلهمّت في وجهه الخطوب وضاقت بالجميع السًبلُ . أتذكر أواسط سبعينيات القرن الماضي وبعد شمول حَملة شهادتي الدكتوراه والماجستير غير العراقية المنشأ بقانون أصحاب الكفاءات حيث كنا وقتذاك نمارس التدريس في قسم الكيمياء / كلية العلوم التابعة لجامعة بغداد ... أجبر أعضاء الهيئات التدريسية على الدوام الكامل من الثامنة صباحاً حتى الساعة الخامسة عصراً فكانت ساعات مملة ثقيلة حيث لا من ماء بارد صيفاً ولا مكاتب مريحة للأساتذة مكيفة حرارياً ولا من مطعم لائق فنشط في هذه الأجواء مزاج التنكيت الساخر أو الباعث وحتى إستخدام بعض الألفاظ السوقية البذيئة تنفسياً عن هم ثقيل ومبزلاً لتصريف الشعور بالهوان حيث دأب بعض رؤساء الأقسام على ممارسة دور شرطي أمن على زملائه الأساتذة في قسمه يراقبون ساعة وصوله الكلية وساعة دخوله قاعة محاضرته وكيف أشرف أو قاد مختبره وما إلى ذلك من وسائل الرقابة والمتابعة البوليسية خاصة وكان بعض طلبة الإتحاد الوطني البعثيين هم أنفسهم شرطة أمن وعناصر مخابرات يلفقون التهم لمن لا يعجبهم من الأساتذة ويكتبون تقاريرَ زائفة يرفعونها لجهاتهم الأمنية والمخابراتية المختصة يرفعون نسخاً منها لرؤساء الأقسام أو لعميد الكلية مباشرةً أو لأحد معاونيه وخاصة المعاون للشؤون الإدارية أو المعاون لشؤون الطلبة. قلت نشط في هذه الأجواء الشاذة البعيدة كل البعد عن روح وتقاليد البحث والتعليم العالي وما يُسمى بحرمة الجامعات ... نشط مزاج التنكيت الساخر ورواية النكات بل وحتى نظم الشعر تزجية لوقت الفراغ القاتل . كان الصديق الدكتور جواد سلمان البدري هو العنصر الساخر الأكثر نشاطاً تحت هذه الظروف غير الطبيعية وكان جريئاً مندفعاً لا يحذر ولا يخشى أحداً وقد كنا جميعاً على يقين أنَّ [[ للحيطان آذانا ]] تسجل أو تنقل لرؤساء الأقسام ولعناصر أمن ومخابرات البعث كل كلمة ينطق بها هذا الأستاذ أو ذاك من غير البعثيين ولا سيما أؤلئك المحسوبين على اليسار العراقي وخريجي جامعات الأقطار الإشتراكية . كان المرحوم يتنقل ما بين مكاتب أصدقائه وزملائه في قسم الكيمياء يروي لهم آخر ما سمعه أو إبتدعه هو من نكات وسخريات لاذعة حول قانون ومهزلة أصحاب الكفاءات حيث حاول البعثيون شراء أساتذة الجامعات بسيارة ومضاعفة الراتب الشهري وقطعة أرض طال أمد إستلامها إذ ْ مرت ثلاثة أعوام ( 1975 ـ 1978 ) ولم نستلم قطعة الأرض هذه ، وما زال معي رقم القطعة التي خُصصت لي [ 542 / عامرية ] ولا أعرف مصيرها بعد أن صادرها البعثيون خلال فترة غيابي القسري عن العراق . أتذكر جيداً وقد زار كلية العلوم أحمد حسن البكر ليجتمعَ بأساتذة الكلية وفي ذاك الإجتماع سألهم عن أمورهم بعد تطبيق قانون الكفاءات وهل إستلموا قطع أراضيهم ... قام الصديق المرحوم أستاذ الفيزياء الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب معترضاً قائلا ً : عن أية قطعة أرض يتكلم السيد الرئيس ؟ أخرج من جيبه قطعة صغيرة دائرية سوداء من البلاستيك السميك محفوراً عليها رقماً معيناً كتلك التي ما زلتُ أحتفظ معي بها ... أخرجها من جيبه ورفعها بكف يده عالياً قائلاً : لم نستلم سيادة الرئيس إلا هذه ( الفيشة ) فضجت القاعة بالضحك !! من مظاهر السخرية بهذا القانون وبأصل فكرته أتذكر محاضرة ألقاها في قسم الكيمياء أستاذ بريطاني إبتدأ محاضرته بعرض سلايد تظهر فيه سيارة مرسيدس أشار إليها بيده بدون حياء قائلاً : هذه دكتوراه عراقي !!
This is an Iraqi Ph.D.
إستهجن جميع الحضور هذه النكتة البايخة إلا ذلك البعثي الخبيث الذي رتب له هذه الزيارة بدعوة خاصة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي .
أعود لصديقي الدكتور جواد سلمان البدري الرجل الشجاع . إذا اراد الذهاب لقضاء حاجة في بيوت الراحة قال هازئاً ساخراً إني (( ذاهب لأتفرّغ )) إشارةً لقانون الكفاءات الذي سميَّ كذلك بقانون التفرغ العلمي . ثم نظم عدة أبيات شعرية لا يحضرني منها إلا مطلعها حيث يقول :
هل تدري ما فعلت بنا الأبحاثُ
الجيبُ خالٍ والعشا كرّاثُ

الرحمة الواسعة لك يا صديقي جواد أبي مصطفى . لاحقه البعثيون حتى أبعدوه معي عن كلية العلوم في قائمة الإبعاد الكبيرة الأولى ربيع عام 1978 التي ضمت 76 أستاذاً من مختلف الجامعات العراقية . رأيته بعد إبعادنا ذات يوم جالساً أمام طاولة صغيرة جداً في أحد ممرات المديرية العامة للبحث والرقابة الصناعية كثير التدخين أمامه ستكان شاي ثقيل جداً ... سألته عن أحواله وكيف يقضي وقته في وظيفته الجديدة فقال : كما ترى عطّال بطّال صرت عرضحالجي ... في إشارة للطاولة الصغيرة أمامه تماماً مثل طاولات عرضحالجية المحاكم في العراق .
لقد أعدم صدام حسين المدير العام لهذه المديرية المرحوم غازي إبراهيم أيوب في مجزرة تموز 1979 مع باقي القياديين البعثيين محمد عايش ومحمد محجوب وعبد الخالق السامرائي وغيرهم . وكان غازي في عين الوقت رئيساً لنقابة الكيميائيين العراقيين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس