الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نتائج الثانوية العامة تحت المجهر ؟!

عبد الكريم عليان
(Abdelkarim Elyan)

2008 / 7 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي



قبل أسبوع عم الفرح والزغاريد لدى آلاف من سكان غزة ، وكذلك خيم الحزن واليأس عند الآلاف أيضا .. وهذا أمر طبيعي عندما تظهر نتيجة امتحانات الثانوية العامة لسنة كانت ظروفها بالنسبة لسكان غزة من أصعب وأقسى السنوات نتيجة الحصار والانقسام ! وما لحق بالسكان من أضرار بالغة لا يمكن حصرها هنا بقدر ما لها من تأثير شديد على تحصيل أبنائنا وتعليمهم . الملفت للنظر هو اهتمام الهيئات الرسمية وغير الرسمية ، وكذلك وسائل الإعلام المختلفة بالطلبة المتفوقين مثلما يحصل في كل عام .. هذا جميل ومرضي عنه ؛ لكن الأهم والذي لم ينتبه له أحد هو الفئة الراسبة والتي تخلفت عن النجاح ، أو كما يقولون : ( لم يحالفهم الحظ ! ) وكأن هؤلاء لم تشكلهم الظروف التي نعرفها ، ولم تتأثر بما يجري في محيطها .. وأن الجهاز التعليمي الذي يديره السياسيون المنقسمون غير مسئولين عن هذا الفشل الذريع ..؟ في الدول المتقدمة ، نعم ! يهتمون بالفئة المتقدمة لكنهم يهتمون أكثر بالفئة المتأخرة أيضا ، ويحكمون على نتيجة الامتحان بأن الجهاز التعليمي والجهاز الحكومي كله مسئولا عن النتيجة ! وإذا ما ظهرت النسبة بأن الناجحين كانوا 50 % مثلا ؛ فهذا يعني أن الجهاز التعليمي لم يقم بواجبه بقدر 50% أيضا ويجب تشديد الرقابة علية وزيادة ميزانيته بشكل يضمن تحسين قدرته على العمل .. ويبدو أن القائمين على الامتحانات لم يكن لديهم فلسفة التقويم لعملهم وكل همهم هو فرز أبنائنا وتصنيفهم بما يروق لهم ويتلذذون بخراب المجتمع وعدم الاكتراث بالنتائج المدمرة لعملهم .. وهنا نذكر : " بأن وظائف القياس (الامتحان) لم تعد مقصورة على تحديد الدرجات وتكوين الأحكام الخاصة بالترفيع والترسيب ، وإنما أصبحت بالإضافة لذلك وسيلة تهدف للحصول على المعلومات ومعالجتها بقصد تحسين عمليات التعلم والتعليم ، وهي تستند إلى أكبر قدر من البيانات يمكن توفيرها عن الأفراد ، وهي وسائل ضبط لنوعية العملية التربوية بحيث يتم الحكم في نهاية كل مرحلة على ما إذا كانت تلك فعالة ، ولا مانع من الاستمرار بها ، أو أنها تحتاج إلى إيقاف أو تعديل بالإضافة إلى أنها وسائل تساعد على التعرف على ما إذا كانت الأبدال المختلفة للممارسات التربوية فعالة أم لا في تحقيق الأهداف والغايات التربوية المنشودة .."
نحاول هنا إلقاء الضوء على نتيجة الثانوية العامة في غزة فقط ! وقبل عرض النتائج وتحليلها نود الإشارة إلى ما ورد في جريدة الأيام النشرة الخاصة بالنتائج والتي صدرت ظهر يوم الجمعة 18 من الشهر الجاري حيث تضمنت الجريدة كلمة الوكيل المساعد للمحافظات الشمالية مسئول ملف امتحان شهادة الدراسة الثانوية ، وما يهمنا من الكلمة هو : الأرقام التي وردت في البيان الوزاري والتي أذيعت أيضا عبر التلفزيون ووسائل الإعلام المختلفة يتضح مدى الإرباك والتخبط الذي تجلى واضحا في صعوبة الامتحانات وفي نتيجتها مما يدل على خلل كبير أصاب العملية التعليمية ؛ فورد في الكلمة أن مجموع الذين حضروا الامتحان في كافة الفروع بلغ 75147 مشتركا وعند تقسيم الحضور على الفروع فكان الحضور في العلوم الإنسانية ( الأدبي ) هو 49544 والقسم العلمي هو 15230 والفروع الأخرى بلغ الحضور فيها 3077 ولو جمعنا هذه الأرقام فسوف تساوي 67851 أي تنقص عن الرقم الرئيسي بـ 7296 مشاركا ، فماذا نسمي هذا الخطأ يا وزارة التربية والتعليم ؟ وإذا كان الخطأ واردا في رأس الهرم التعليمي هل يجوز لنا أن نخطئ الممتحنين ؟ وإذا قمنا بترسيبهم فمن سيقوم بترسيب المسئولين عن هذا الخطأ ؟ خطأ آخر ورد في الجريدة لم نجد له تفسيرا إلا نفس الخلل الذي ألم بالعملية التعليمية وفقدانها للمصداقية ، الخلل الثاني هو : عدد الناجحين من قطاع غزة كما ورد بالأسماء والدرجات في القسمين العلمي والأدبي هو : 14548 ناجحا بينما ما هو مسجل رسميا في وزارة التربية والتعليم بلغ 13360 ناجحا أي بفارق 1188 ناجحا ، وبينما قمت بتفحص النتائج حيث ظهرت في الجريدة بدء من الدرجات العليا وانتهاء بأدنى درجة وهي 50 درجة حيث انتهت في الصفحة 12 العمود 8 ليبدأ ملحق آخر من الأسماء قبل البدء بالناجحين في القسم العلمي ويبدو أنها تقارب الفارق الذي لم يسجل في بيانات الوزارة الرسمية مما يؤكد أنه تم إضافة عدد آخر قامت الوزارة بتنجيحهم وتبدأ درجات هؤلاء من 83.4 درجة لتنتهي عند 50 درجة ، وهذا يؤكد ما تنبأنا به في مقالة سابقة ، بأن الوزارة ستقوم برفع نسبة الناجحين بالطريقة التي يتبعونها في كل مرة مما تؤدي إلى خلل كبير في ميزان الدرجات العامة .. فما هو تفسير ذلك أيها المسئولين عن أبنائنا ؟ وكيف يمكن أن تخرج هذه النتائج بهذه المصداقية ؟؟
لنبدأ الآن بعرض النتائج وتحليلها كما وردت في جريدة الأيام حيث بلغ عدد الناجحين في القسم الأدبي 9949 طالبا من أصل 21685 كانوا قد قدموا الامتحان أي بنسبة تساوي 45.78 % ، أما القسم العلمي بلغ عدد الناجحين فيه 4599 من أصل 6189 الذين قدموا الامتحان أي بنسبة تساوي 74.3 % . من الواضح أن النسبة العامة للنجاح في قطاع غزة بلغت 52.19 % أي النصف تقريبا وهي نسبة متدنية جدا مقارنة مع العشرة سنوات السابقة وهذا يدل على أن الظروف التي مر بها سكان قطاع غزة كان لها العامل الأول في تدهور العملية التعليمية وخاصة الانقسام السياسي للمجتمع الفلسطيني بدء من الكادر التعليمي الذي تأثر سلبيا بما جرى وانتهاء بالطالب وأسرته التي أصابها الإحباط واليأس والخوف وتشتت الأفكار وانعدام الثقة بالقيادة السياسية وعدم الاهتمام بالتعليم من قبل الأسرة والمجتمع بالإضافة إلى عامل الحصار والاحتلال الإسرائيلي البغيض ..! ملاحظة مهمة خارج نطاق نتيجة الامتحان وهي عدد طلاب القسم العلمي مقارنة مع القسم الأدبي متدنية جدا ؛ فبينما كانت نسبتهم في السابق تزيد عن 30 % من إجمالي الطلبة انخفضت هذه السنة إلى 22 % ، وهذا يعني أن العملية التعليمية يشوبها الكثير من التشويه وأنها لا تسير وفق أهداف محددة يحتاجها المجتمع والدولة خصوصا أن الحياة العصرية تتطلب أن يكون عدد الطلبة في القسم العلمي يجب أن يكون أكثر منهم في قسم العلوم الإنسانية مما يستدعي منا إعادة النظر في برامج المدرسة وأنشطتها في كافة المراحل التعليمية ..
لو قمنا بتصنيف الناجحين في القسم العلمي إلى فئات ، فسوف تكون على النحو التالي : الفئة الضعيفة (من 50 ـ إلى أقل من 60 درجة ) جاءت بنسبة 7.52 % من عدد الناجحين ، أما الفئة المتوسطة (من60 ـ إلى أقل من 70 درجة ) جاءت نسبتهم 20 % من عدد الناجحين ، أما الفئة بتقدير جيد ( من 70 ـ إلى أقل من 80 درجة ) فكانت نسبتهم 26.5 % من الناجحين ، والفئة بتقدير جيد جدا ( من 80 ـ إلى أقل من 90 درجة ) جاءت نسبتهم 24.61 % من عدد الناجحين ، أما الفئة الممتازة أو يجب أن تكون العبقرية ( من 90 ـ إلى أقل من 100 ) فجاءت نسبتهم 17.5 % من عدد الناجحين .. تشير هذه النتائج أنها خارج إطار التوزيع الطبيعي وغير مألوفة في أدبيات القياس التربوي فقد جاءت الفئة الممتازة مرتفعة جدا فهؤلاء يجب أن لا تزيد نسبتهم عن 2.5 % في أي مجتمع فكيف صارت في مجتمعنا 17.5 % ، هذا أمر لا يصدق ! لا في مجتمعنا ولا في مجتمعات أخرى .. أما الفئات الأخرى ما عدا الفئة الضعيفة فجاءت متقاربة أو حتى متساوية ، وهذا أيضا غير منطقي ولا يمكن أن يكون صحيحا ، مما يؤكد مرة أخرى أن الامتحانات لم تتصف بالثبات أو الصدق أو الركون ، ولم توضع بطريقة علمية ولم تكن لقياس الأهداف التعليمية ..؟! أو أن التلاعب بالنتيجة العامة ، وخاصة ترفيع نسبة النجاح في مادة أو أكثر وبطريقة إضافة عدد من الدرجات للراسبين وجزء من الناجحين يتم تحديدها بناء على عدد الراسبين والذين يرغب بترفيعهم ، ولو افترضنا أن الراسبين في الفيزياء مثلا 50 % من الطلبة وترغب الوزارة بترفيع 20 % منهم ؛ فسوف تقيس أدنى درجة من الـ 20 % وتحسب كم درجة تحتاج للنجاح ونفرض أنها تحتاج إلى 15 درجة للنجاح فيتم إضافة 15 درجة لكل من هو أقل من خمسين وحتى من هو حاصل على 70 درجة مثلا وأحيانا لمن هو حاصل على 80 درجة ، هذا بالتأكيد سيخل بالميزان الطبيعي للدرجات وتصبح الفئات متقاربة كما سبق ..
أما القسم الأدبي ظهرت فيها الفئات على النحو التالي : الفئة الضعيف بنسبة 33.2% من عدد الناجحين ، والفئة المتوسطة بنسبة 32.09%من الناجحين ، والفئة بتقدير جيد كانت بنسبة 20.14% ، والفئة بتقدير جيد جدا كانت بنسبة 11.77% من الناجحين ، أما الفئة الممتازة فجاءت بنسبة 2.76% من الناجحين . من المفترض أن تظهر نتيجة هؤلاء بشكل طبيعي بمعنى أن تكون الفئة الوسيطة وهي فئة الجيد أكثر من باقي الفئات وتتساوى الفئة المتوسطة مع فئة الجيد جدا وكذلك الفئة الضعيفة مع الفئة الممتازة ، حينها يمكن لنا أن نقول أن النتيجة طبيعية أو سوية ، ويمكن أن نمنحها الثقة والمصداقية بدرجة كبيرة .. الشيء الوحيد الذي جاء منطقيا وطبيعيا هو : الفئة الممتازة والتي كانت بنسبة 2.76 % من الناجحين ، وهي قريبة من المعيار الدولي وهو : أن لا يزيد نسبة هؤلاء عن 2.5% . أما الفئة الضعيفة التي جاءت مرتفعة جدا ، هذا معناه أننا سنضيف 3306 من الناجحين إلى عدد الراسبين ليصبح عددهم 15042 من أصل 21685 طالبا على اعتبار عدم قبولهم في الجامعات المحلية التي تشترط معدل 60 درجة فما فوق ، فهل يعقل ذلك ؟ إذا كان كذلك ما هي البرامج التي وضعت لاستيعاب كل هذا العدد من الشباب والاستفادة منهم لصالح المجتمع بدلا من أن يصبحوا عالة إضافية لحجم البطالة الهائل لدينا وحتى في الظروف الطبيعية ؟ هل ندرك مدى خطورة ذلك ؟ يمكننا هنا إعادة النظر في قانون قبول الطلبة لجامعاتنا ، وبدلا من 60% يسمح بقبولهم من 55% ، أو حتى من 50% . لو فحصنا علامات الطلبة في الصفوف العاشر والحادي عشر فهل تتطابق هذه العلامات مع علامات الثانوية العامة ؟ لا نعتقد أنها تتطابق أو تتقارب إلا عند قلة قليلة من هؤلاء ، بدليل أنه كيف لهؤلاء أن ترفعوا للصف الثاني عشر ، وهنا يكمن الخلل إما في طرق التدريس وإدارة المدرسة ، أو في الامتحانات النهائية المعدة للثانوية العامة ! إذا كانت الامتحانات أداة لقياس مدى تحقق الأهداف التربوية ، فهل يمكن لهذه الأدوات أن تكون صادقة وقادرة على قياس ذلك ؟ يشير خبراء القياس التربوي أن هذه الأدوات مهما كانت دقيقة فلا يمكنها قياس أكثر من 70% من قدرات الطلبة ، ومن هنا لا يمكن لهذه الامتحانات أن تكون ( محكية المرجع ) ويمكن اعتبارها ( معيارية المرجع ) وراحت معظم الجامعات في الدول المتقدمة بعمل مقاييس قدرات خاصة بكل كلية أو تخصص ولا ينظر لشهادة الثانوية إلا خطوة أولى لدخول الجامعة ، ومن حاصل على علامات عليها فيها إذا لم يستطع عبور امتحان القدرات الذي حددته الجامعة فلن يدخل الجامعة ..!
مهما يكن ، فقد أصبح واضحا للجميع أن هذه السنة مختلفة تماما عن السنوات السابقة ، وأن الانقسام وحالة التشرذم السياسي كان لهما العامل الرئيسي في وصولنا إلى هذه الحالة المتردية ، كما هي الحالة في جميع مناحي الحياة المختلفة في محافظات غزة ، فهل أدرك السياسيون والقادة حجم الخلل والدمار الذي أنتجوه ، وبدلا من التباهي والاحتفال بالفئة المتفوقة يقوموا بعمل جلسات نقاش وإعادة حساباتهم ومدركاتهم ... لتكون بداية لإعادة اللحمة لشعبنا وتوحيد صفوفه لمواجهة التحديات المقبلة بدلا من حسابات فئوية ضيقة ..؟!











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط