الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جحيم الطائفية من حيث تدرون أو لا تدرون

وهيب أيوب

2008 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جحيم الطائفية من حيث تدرون أو لا تدرون
قد تُنتج الطائفية إمارة، لكنها لا تبني أوطاناً

البعض في المعارضة السورية والعربية يستسهلون مهاجمة النظام بوصفه نظاماً طائفياً، وهذا الطريق الأسهل والأكثر سذاجة للتحريض على النظام، من حيث قدرته على التأثير السريع في العامة والغوغاء، لكن نتائجه المستقبلية ستكون كارثية على جميع الطوائف وأبناء الوطن في سوريا والعالم العربي دون استثناء. عدا عن كون المسألة غير صحيحة، لو أدركنا تحليلها في العمق وليس مجرد تحليل سطحي ظاهري.
إن سلوك النُظم الديكتاتورية والاستبداد تاريخياً كانت تستخدم كل الأساليب والطرق للمحافظة على سلطتها واستمرارها، وشعارها الأمثل الغاية تبرّر الوسيلة، ولعل معظم حكام الديكتاتوريات في العصر الحديث قرؤوا واستفادوا من كتاب "الأمير" لمكيافيللي... من موسوليني الذي قدّم له. ثم إلى هتلر وسواهما.
سلطة الاستبداد لا تعرف ديناً ولا رباً ولا ناموساً. فكل من والاها كان من "طائفتها"، وكل من عارضها وخرج عليها ناصبته العداء، حتى ولو كان مرشداً روحياً في دين حاكمها.
فتاريخ الأمويين والعباسيين والمماليك يشهد على ذلك. وتاريخ السلطنة العثمانية غير البعيد، مليء بقتل الأخ لأخوته والأب لأبنائه والعم لأبناء شقيقه، فقط من أجل السلطة.
المعيار الوحيد لدى المستبد الديكتاتور هو الولاء أو عدمه، والباقي مجرد تفاصيل قد تطفي على المشهد الخارجي صوراً قد لا تعكس حقيقة وجوهر السلطة. ولا ينخدع بتلك الصور سوى بعض السُّذج وأصحاب الغايات والنفوس الضعيفة الذين يعانون عصبية من لونٍ أو نوعٍ آخر، وشهوة جامحة للسلطة قد يتمخض عنه نقل المجتمع من استبدادٍ إلى آخر. وكم علّمنا التاريخ دروساً من هذا النوع.
وفي نظرة فاحصة دقيقة لكل الأنظمة الشمولية الاستبدادية والأحزاب الأصولية المتطرفة التي تستخدم الشعارات الدينية والطائفية والمذهبية في سبيل خدمة سلطتها، قد تلجأ لتكفير أو سجن أو نفي أو قتل معارضيها من ذات اللون الطائفي والمذهبي، ولن يشفع لهم سوى ولائهم وطاعتهم.
وقد تتحالف مع مريديها والممالئين لها حتى ولو كانوا من الشياطين الزرق. ويستطيع كُلٌ منا إلقاء نظرة على الصراعات السياسية والطائفية وتحالفاتها التي تدور في منطقتنا والعالم العربي والإسلامي منذ تحالف الأميركيين مع بن لادن في أفغانستان، وصولاً إلى إضافة كلمتي ألله أكبر على العَلَم العراقي من قبل صدام ونظامه، ليكتشف مدى خداع واستغلال وإجرام تلك الأنظمة والأحزاب في حق أوطانها وشعوبها.
هل نجافي الحقيقة ونغالي في القول، إن معظم الديكتاتوريات والأحزاب التي تسترت خلف الشعارات الدينية والطائفية والقومجية في سبيل ترسيخ زعامتهم وسلطتهم، أنهم نكّلوا وقتلوا من أبناء طوائفهم وجلدتهم أكثر مما قتلوا من الأعداء المُفترَضين أضعافاً مضاعفة.
إن أخطر ما يحمله هذا التحريض الطائفي المذهبي من قِبلِ البعض في سبيل تحقيق مكاسب سياسية آنية، أنه لا يمكن التحكّم به لاحقاً لردعه أو إيقافه، لِما له من تأثير جارف على العامة من الناس الذين يعانون الفقر والجهل والظلم والانكسارات المتتالية التي سبّبتها لهم أنظمة الفساد والاستبداد، وباتوا قابلين لأي دعوة تستثير عواطفهم وانتماءاتهم الطائفية، بحيث يسهل قيادتهم للجحيم خلف عناوين ويافطات خادعة يأكلون بها ويؤكلون.
لا ينبغي في أي حالٍ من الأحوال مُجارات تلك الأنظمة والأحزاب، والانجرار إلى لعبتها القذرة في استخدام نفس الشعارات والسلوكيات المُدمِّرة للمجتمع والدولة. بل على العكس من ذلك، يجب المُدارات ما أمكن في الرد عليهم بوسائل أُخرى ونهج يختلف تماماً عن نهجهم المدّمر والمشظّي لوحدة المجتمع وكيان الدولة.
إن النضال دائماً في سبيل الدولة العلمانية المدنية، دولة القانون والمواطنة الكاملة لكل فرد من أفراد المجتمع وفئاته، وأن يطمئن الجميع لممارسة حرياتهم ومعتقداتهم دون تمييز، هو السبيل الوحيد للرد على الاستبداد والفساد والتطرف الديني الطائفي بجميع أشكاله وتلاوينه واستخداماته.
ليس من الحكمة أو العفة استسهال تناول الشعارات التي تُغري وتثير غرائز الناس وعواطفهم واستغلال مِحنِ الأوطان على النحو الذي يفعله البعض للكسب السياسي السريع.
شعبنا العربي يئنُّ بتراث تاريخي هائلٍ من الانتماءات القبلية والطائفية والمذهبية، وعلى من يدّعي النضال في سبيل تحرير الوطن والأمة، العمل على انتشالها من هذه الأزمة، لا إلى المزيد من إغراقها بها.
يقولون في المَثل العامي البسيط، "لم تَمُت، ولكن أما رأيت من مات؟!" فالتجارب أمامنا في طول الوطن العربي والإسلامي وعرضه... سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة، وقتل دون تمييز، واستغلال للنساء والأطفال في عمليات انتحارية، من قِبل أولئك الذين يقنعونهم أنهم يرسلونهم للجنّة، بينما هم واثقون أنهم دفعوهم للموت في سبيل ذهابهم هم إلى السلطة.
هذا لمن يريد أن يتّعظ ويتعلّم ويحرص على مصير شعبه ووطنه وأمته. أما الذين يصرّون على نهجهم وتحريضهم الدائم والنفخ في بوق الطائفية المقيتة فنقول: إن كنتم تعلمون فتلك مصيبة وإن كنتم لا تعلمون فالمصيبة أعظم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah


.. 178--Al-Baqarah




.. 170-Al-Baqarah