الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة بين النسق الفكري واللغوي

صاحب الربيعي

2008 / 7 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفكر سلسلة من الرؤى والاجتهادات حول أمر ما يخص الإنسان ومحيطه، ويعتبر وسيلة لتحقيق هدف ما أو مبادئ يسترشد بها لتفسير ظاهرة ما أو آلية لإحكام السيطرة على فعل ما. الفكر أساسه مجموعة أفكار مبعثرة حول مفاصل عقدية في الحياة العامة تؤطر على شكل مبادئ منهجية موجزة التحليل بمفردات لغوية غاية في الدقة. وطالما هو كذلك فمن المفترض أن لايتصف بالجمود وإنما يتغذى بالرؤى الجديدة لتحديث مبادئه ليكون صالحاً لكل الأزمنة والأجيال، وبخلافه فإن الفكر الجامد يعاني من الثبات ويتأطر بمرحلة زمنية وبجيل محدد. فضلاً عن أن الفكر سلسلة تراكمية من الأفكار الإنسانية عبر العصور طالها التحديث والتشذيب بشكل مستمر، وخاضت كل مراحل الولادة من رحم التاريخ على شكل كائن حي يسعى للحراك والتنافس مع أقرانه لدفع المجتمعات البشرية خطوات نحو الأمام من خلال الارتقاء بالوعي الإنساني لمراتب أسمى.
يقول ((أيف لاكسول))"إن الأفكار بما تعني من رؤى إبداعية هي التي تقود العالم، وهي التي تحول التصورات المجردة عن الكون إلى حقائق".
ويمكن إعتبار الفكر صدى لأفكار سابقة بحاجة لصياغة منهجية، يشتغل المفكرون عليها لتصبح ملائمة وصالحة للتداول في إطارها الزمني فكلما طالها التحديث، كلما عبرت عن أزمانها ومراحلها ومخاضها وحجم تداولها من جيل لآخر نتيجة صدقها. كما يعتبر الفكر أحد مصادر المعرفة الإنسانية، تنهل البشرية منه لإبتكار أو تحديث الرؤى للإجابة على تساؤلات الحاضر وتعيين مسارات المستقبل، فبالرغم من إنتمائه وهويته وجغرافيته وخصويته وولادته في مجتمع ما فإنه يعد ملكاً للحضارة الإنسانية. أما المفكر فيعد إبناً باراً لمجتمعه وأفكاره للبشرية جمعاء لذلك لايجوز تأطير الفكر بهوية وجغرافية ما، لأنه ينتمي لهويات متعددة تعكس رؤى مجتمعية لبقاع شتى من العالم. وبذلك فإنه يمثل الهويات المجتمعية والجغرافية لكافة الكائنات الحية العاقلة على أرض المعمورة.
يعتقد ((إلياس مرقص))"أن الفكر ليس إنعكاساً للفكرة وحسب، بل هو إنعكاس نوعي، هو إنفكار، هو (إنعكاس إستباقي) أداته الكلمة. والفكر-المفهوم وسيلته، الفعل الفكري لا المادي إنعكاسيته، طبيعته كصورة لاتحسم ذرة واحدة في مسألة الحقيقة وقضية المعرفة، وفي صواب وخطأ هذه الفكرة".
الأفكار كائنات حية لاتموت، لكنها تشيخ بفعل الزمن لتعبر عن الماضي في صيغة الحاضر، وحين يطالها التحديث والإشتغال الفكري بآليات الحاضر تعود لشبابها لتعبر عن الحاضر بكل تجلياته. ويعد الفكر ثمرة جهود لأفكار سابقة، وبذور لاحقة إن وجدت البيئة الملائمة لنموها ترعرت وأنتجت ثماراً جديدة وبذوراً لرؤى وأفكار تعبر عن واقعها وبيئتها وزمانها. بتعبير أكثر دقة أن الفكر يحمل سر حياته ومماته في بذوره فإن وجدت البيئة الملائمة والرعاية المناسبة نمت وأنتجت ثماراً وبذوراً جديدة، وإن غابت البيئة وطالها الأهمال ماتت وأصبحت جزءً من حيثيات الماضي.
هناك علاقة متلازمة بين الفكر واللغة التي تعتبر أداة تعبير عنه حيث يمكن تدوينه في إطار منهجي...لذلك لابد من تحديد الصلة بين ماهية الأفكار ومفهومها وما يقابلها من دلالات لغوية. فضلاً عن أن تحديد العلاقة بين المفردات اللغوية ذاتها لتكون منسجمة في نسقها العام لتعبر عن المعنى الأشمل للفكرة بمفردات لغوية محددة ومنتقاة لصياغة دلالالة النص اللغوي المعبر عن الفكرة، فكلما كانت اللغة حية وغنية بمفرداتها كلما أشتغلت كآلية تقنية فعالة لنقل مدلول-مفهوم الفكرة بشكل بالغ الدقة حينها تنتفي الحاجة للتفسير السردي للتعبير عنها.
يرى ((إلياس مرقص))"أن اليونانيون (أخترعوا) الهوة بين الكلمات والأشياء، بين الكلام والواقع، وأعلنوا أن هذه الهوة كبيرة، مليئة، يملؤها الفكر، مع فكرة المفهوم وفكرة الشكل. الفكر (الفكرة) وطلب الفهم، الذهن...بتعبير آخر أقاموا هذا الجسر، هذه الوساطة: الفكر علم الكلمات، وعلم الفكر هو المنطق بمعنى أشمل، هو الديالكتيك".
الفكر ومفاهيمه، صلاته، صياغته، ومنهجه....سلسلة مكملة لبعضها بعض للتعبير عن ماهيته، وحلقات هذه السلسلة هي اللغة الجامعة بين كافة حلقات الأفكار المبعثرة وتمريرها عبر نسق يستمد من عمق التاريخ غذاءه ويخترق المراحل الزمنية وأجيالها لينتج ثماراً للحاضر تحمل في رحمها بذور جديدة لبيئة فكرية للمستقبل.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدبابات الإسرائيلية تتوغل في حي الشجاعية وسط معارك عنيفة مع


.. إسرائيل تطلق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة وعشرات السجناء الآ




.. الديمقراطيون يدعمون بايدن رغم أدائه السيئ في المناظرة أمام ت


.. الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده بمعارك جنوب قطاع غزة




.. مستشفى فريد من نوعه لكبار السن بمصر| #برنامج_التشخيص