الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إصبع يشير إليك ويرميك في خانة التصنيف

كريم الهزاع

2008 / 7 / 31
المجتمع المدني


هناك دائماً إصبع يشير إليك لكي يضعك في زاوية ما. ماذا تفعل لهذا الإصبع؟ هل تبتره؟ بالطبع لا، لأنك ستفعل العنف المضاد ولاشيء آخر سواه. لذا علينا أن نتحاور مع عقل وذهن صاحبه لكي يقوم بثني الإصبع وإعادته الى إخوته الأصابع الأربعة، وبشكل يحتضن بعضهم بعضاً، بدلاً من أن يظل نافراً مثل فوهة مسدس في اتجاه أحدهم.. إنها فكرة قصيدة، أو قصة قصيرة بانتظار من يأخذها ويمطّها طويلاً لكي يحولها الى قصة طويلة، مثلما فعل أحدهم ذات مرة بقصة قصيرة جداً لي تحكي حكاية طفل ضجر من الدراسة وظل يتابع الذبابة الى أن اصطادها وماتت، وماتت رغبته في الدراسة، فتلقفها أخونا «المطاطي» وكالعادة، ليكتبها من جديد وبشكل مطوّل، ثم تكون النهاية بأن فتح النافذة للذبابة لكي تطير، وقاتل كثيراً من أجل خروجها من الحبس (يا عيني على الإنسانية!).. ما علينا .. لنعد إلى حكاية الإصبع، نقول حينما نتحاور مع أحد «المثقفين» فيما يخص الديمقراطية والليبرالية والسياسة، وتكون هناك وجهة نظر مغايرة لوجهة نظره، يندفع ويسألك: هل أنت وهابي..؟ وفي حالة أخرى تسترسل معه بالحديث يسألك: هل أنت بعثي..؟ ثم في حالة ثالثة يسألك: هل أنت شيعي..؟ وتكون إجابتك في الحالات الثلاث بالنفي.. فمثلاً يقول لك في الحالة الثالثة: إذاً أنت لم تعرف ماذا قالت زينب بنت الحسين (عليه السلام ورضي الله عنه) في واقعة الطف في الليلة الأولى وفي الساعة الثانية. وحينما يسرد لك كل الحواديت، تجد أن كل ذلك لاعلاقة له بحديثي مع هذا المثقف والمبدع الحداثي جداً.. وفي الجهة الأخرى يشتم أحدهم بصوت عال: الله يلعن الشيعة، دون وضع أي اعتبار لأحد من الحضور. وحينما يعاتبه أحدهم يقول وبشكل غبي وساذج: لا، أنا قصدت الشيعة الصفويين، الفرس، لأنهم شيعة مو أصليين. اليهود أرحم منهم!!
وحينما تأتي سيرة صدام حسين الذي قام بغزو بلاده، يقول لا فضّ فوه: والله بطل، حتى أميركا ما قدرت عليه. ثم يتساءل بحسره: لماذا شنقوه؟.. لأنه ديكتاتور، هل تريد أن يرموه بالورود؟.. وحينما تفتش وفي حالة «تبئير» لهذه الشخصية المريضة والتي تحتاج الى طبيب نفساني تجدها تشبه صدام حسين تماماً، عانت من اليتم والاضطهاد في الطفولة ونبذ من المجتمع. ومهما حاولت أن تعيدها الى المجتمع وتحاورها، تظل هناك الرواسب التي لم تستطع الحوارات ولا تفريغ حالات الاحتقان الجنسي ولا القراءة تطهيرها بشكل نهائي، لكنك تظل تتعاطف معها –لربما هي ضحية مجتمع– ولكي لا تقوم بفعل مضاد، إذ يقول نيتشه: «لا تحدق في الظلمة كثيراً لكي لا تغرز أنيابها فيك».
أقول، جاءني هذا الاسترسال وأنا أتذكّر مناقشة كتاب «الهويات القاتلة» لأمين معلوف في ورشة قراءة لمجموعة «أوراق» في الجمعية الثقافية النسائية، وبسبب إعادة قراءتي لهذا الكتاب مرة أخرى، والذي جعلني أقتنع بأن عالمنا الإسلامي والعربي يعيش أزمة هوية، وهذا يحدث أيضاً في الكويت، حيث يعاني الكويتيون هنا من أزمة تصنيف، بمعنى أنه دائماً يكون هناك إصبع يشير إلى الآخر ويضعه في خانة خاصة من تصنيف الهوية تنطلق من شخصانية ونظرة هذا الفرد إلى الآخر، وثقافتنا العربية الإسلامية في بعض جوانبها تمارس فعل نفي الآخر.
وأمين معلوف تعرض في كتابه «الهويات القاتلة» إلى الأقليات الموجودة في المجتمع اللبناني، ومؤثرات البيئة على تلك الأقليات والمسألة الشائكة في تشكيل أو تكوين هوية مرنة تتقبل الآخر، وأن هناك أقليات ترفض الحداثة، ومازالت مصرّة على أنساقها الثقافية القديمة التي ترفض كل جديد.. وكتاب «الهويات القاتلة» ركّز على تأثير الدين في البشر، ومن ثم في الطائفية التي فسرها معلوف بأنها هي ذاتها الهويات القاتلة.
ولنا أن نقول إن الاقتصاد أو القوة هي المحرك الأول في التاريخ، وهي التي وراء الكثير من الأفكار أو الأديان، وهي السبب فيما نراه من حروب وتوسع القوي على حساب الضعيف. وأن هناك فجوة كبيرة بين التقدم العلمي السريع والتقدم الاجتماعي البطيء للغاية. وأن فكرة الهوية تأخذ بعدا أكبر من ذلك، وهو تقرير «المصائر»، وأن الفرد يتم تغييبه في ظل صراع السلطة والأفكار والأنظمة التي تعلن لها عن «مسطرة» خاصة لا يسمح بالخروج عن مقاساتها.. ولكي يكون هناك مكان للفرد يجب أن نتبنى مشروعا مدنيا يسمح لكل أطياف المجتمع والأقليات بأن تمارس حريتها من دون وصاية من الآخر. وعلينا أن نفهم حقوق الإنسان ونسعى لتحقيق العدالة، ونتعرف جيداً إلى ماهية الأفكار والدين، ذلك الفهم الذي سبقنا له سبينوزا وفيورباخ، وبناء عليه نفهم المعطى الروحاني الذي يحتاج إليه الإنسان الآن في ظل العولمة، إذ إن العولمة سلاح ذو حدين، أحدهما يعطي للإنسان حرية الاختيار عبر تلاقح الأفكار والخلاص من البيروقراطية، والحد الآخر هو نفي الإنسان ومصادرة هويته عبر الاستلاب.. وأننا في عالمنا العربي والإسلامي نعاني حالة من الفوبيا أو الخوف من السلطة في وجوهها الكثيرة. وهذا مؤشر خطير لغياب الحريات في الوطن العربي والإسلامي، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى ظاهرة ثقافة العنف، وأن الفرد وحده يدفع الثمن باهظاً في ظل وجود «مسطرة» الخطاب الواحد، إذ كل خطاب بعد أن يكبر ويتضخم، يحمل في داخله بذرة نفي الآخر.. وعلينا أن ننتبه إلى شخصية المكان، إذ كل مكان له رؤيته الخاصة، وبانتباهنا هذا ستتم صيانة الهوية.
وفي رأي معلوف، أن الافراد الذين سيضطلعون بهذه المهمة، مهمة صيانة الهويات المختلفة والدعوة الى احترام تأثيراتها، هم القادرون على تشكيل عالم جديد أكثر تسامحا وعطاء.
ويرى معلوف أن كل فرد منا مؤتمن على ميراثين، أحدهما عمودي ورثه عن أجداده وتقاليد شعبه وجماعته الدينية، والآخر أفقي اكتسبه من زمانه ومعاصريه.. ويؤكد على ان الميراث الثاني هو الاكثر تأثيرا وتحديدا لهوية الشخص وانتماءاته. وهذا التأثير يتعاظم، بحسب ما يقول، في ظل العولمة وثورة الاتصالات التي تشكل ما يسميه بثقافتنا المشتركة، والعولمة في رأيه تمنح فرصا لإثبات الخصوصية وتأكيد الهوية. أما الاحتماء بعنصر ما من عناصر الهوية تلتف حوله الجماعة كالدين أو اللغة. فهو أمر يحدث –كما يقول– حين يتهدد هذا العنصر وتتهدد الجماعة ذاتها في وجودها، فإذا ما نعمت الجماعة بالهدوء والسلام، وإذا ما عاش الأفراد في داخلها متساوين في حقوق المواطنة، فإن كل دعاوى التعصب والتوترات الإثنية والعرقية والدينية واللغوية ستزول.. هذا، وللجميع محبتي البهيّة.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة اعتقالات إسرائيلية خلال اقتحام بلدة برقة شمال غربي نابل


.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين




.. مبادرة شبابية لتخفيف الحر على النازحين في الشمال السوري


.. رغم النزوح والا?عاقة.. فلسطيني في غزة يعلم الأطفال النازحين




.. ألمانيا.. تشديد في سياسة الهجرة وإجراءات لتنفير المهاجرين!