الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحولات الاجتماعية القروية في ضوء تطور الأنشطة غير الفلاحية

عبد الغني بقاس

2008 / 8 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تتوفر البادية المغربية على موارد بشرية مهمة؛ تمثل بالفعل طاقة يمكن استغلالها في الإنتاج والإستهلاك. ومن أهم ما تتميز به قبل ذلك؛ قدرتها على الصمود أمام التقلبات الطبيعية والهفوات الإدارية، فهي بذلك تمثل قوة حقيقية، يجب تداركها من خلال استراتيجية جدية للتنمية القروية، لتكون طاقة صانعة ومستفيدة من العملية التنموية.
عرفت البادية المغربية سيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية، القائمة على احتكار فئة لوسائل الإنتاج، واضطرار فئة أخرى إلى بيع قوة العمل للحصول على أجر نقدي، ارتباطا بالتغيرات الطارئة على كيان المجتمع القروي. وفي ظل الظروف الإستغلالية التي تشوب هذه العلاقات، لجأت فئات قروية إلى إحداث علاقات جديدة بأنشطة أخرى، بحثا عن شيء من التحرر المادي والتحسن المعيشي. لذلك إنتعشت بعض الأنشطة القروية التقليدية، واستجدت أنشطة أخرى في إطار حدة علاقة البوادي بالمدن المجاورة. كما تأثرت هذه الأنشطة بمؤثرات مجالية مرئية؛ كالطرق والأودية والأسواق. وأخرى غير مرئية متمثلة في المؤثرات الثقافية والاجتماعية.
ساهمت الأنشطة غير الفلاحية في التأثير على البنية الديموغرافية للأسر، وعلى مختلف العلاقات الاجتماعية فيما بين الأسر وداخل الأسرة الواحدة. كما أثرت على بنيتها السوسيوثقافية وعلى عاداتها الإستهلاكية وحتى عقليات أفرادها.
1- تحولات البنية الديمغرافية للأسر:
كان الفلاح القروي يسعى في تكثير نسله لاعتبارين :
- لمواجهة إنجاز العمليات الفلاحية المتعددة و المتعبة.
- للحفاظ على المكانة الاجتماعية.
هذا المسعى لم يعد يهم كل القرويين، و خاصة غير الفلاحيين منهم، مما أدى إلى انخفاض نسبي في النمو الديموغرافي لأسرهم، من 1.9% إلى 1.4%.
ويرجع هذا الإنخفاض إلى التأثير في الخصوبة بفعل تأخر سن الزواج الأول.
1 - 1 - الخصوبة وسن الزواج بالبادية المغربية:
تعتمد الجغرافيا على الدراسات الديموغرافية للتعامل مع ظاهرة الخصوبة، ومن تم نقل George.P عن إحدى القواميس الديموغرافية بأن الخصوبة تعني في علم السكان مختلف الظواهر الإحصائية الكمية المرتبطة بإنجاب الأطفال داخل مجتمع معين، كما أكد أن معدل الولادات الخام لا يمكن من الإحاطة الدقيقة بهذه الظاهرة، لذلك يلجأ إلى معدلات أدق، منها :
- معدل الخصوبة العام : وهو عدد المواليد الأحياء من الجنسين منسوبا إلى مجموع عدد النساء في سن الإنجاب أي بين 15 و 49 سنة.
- معدل الخصوبة الكلية : وهو متوسط عدد المواليد الأحياء لكل امرأة في نهاية حياتها الإنجابية .
وترتبط معدلات الخصوبة بسن الزواج ارتباطا عضويا.
1 - 1 -1 - مستوى الخصوبة بالبادية المغربية:
بلغ متوسط معدل الخصوبة العام بالبادية المغربية6.4، أي أن كل امرأة أنجبت أكثر من ستة أطفال، وهو مع ذلك معدل منخفض؛ أثرت فيه مجموعة من العوامل، أهمها طول فترة العزوبة بسبب تأخر سن الزواج وانتشار موانع الحمل لدى المتزوجين. والتفصيل في الجدول التالي :
الحالة العائلية بالبادية المغربية
% الحالة العائلية
39,6 عزاب
54,2 متزوجون
6,2 مطلقون أو أرامل
100 المجموع
1 - 1 - 2 - متوسط السن عند الزواج الأول :
يؤثر السن عند الزواج الأول في معدل الخصوبة تأثيرا مباشرا؛ فكلما انخفض سن الزواج كلما ارتفعت الخصوبة و العكس صحيح.
بلغ متوسط السن عند الزواج الأول بالبادية المغربية27.1 سنة.
متوسط السن عند الزواج الأول بالبادية المغربية
المعدل الجنس
29.5 الذكور
24.8 الإناث
27.1 المعدل
يعرف متوسط السن عند الزواج الأول تأخرا على مستوى الجنسين، و هذا هو ما جعل العزوبة تصل نسبة 3 9,5 %، يشكل منها الذكور نسبة 60,7% والإناث نسبة 39,2 %.
و لا يمكن أن نسمي ارتفاع نسبة العزوبة عزوفا عن الزواج، لأن أعدادا مهمة من العزاب هم في الواقع محرومون من الزواج أكثر مما هم عازفون عنه.
و عموما فإن العزوبة بالمنطقة ترتبط بعاملين مرتبين حسب درجة تأثيرهما:
أ - التفاوت بين عدد أفراد الأسرة و الغرف التي تتوفر عليها:
بلغ معدل الأفراد 2,1 للحجرة الواحدة حسب إحصاء 1994؛ معنى هذا أن زواج أحد عزاب الأسرة يحرم الآخر من المأوى إذا كان ذكرا، أو يرفع من معدل الأفراد بالحجرة إذا كانت أنثى .
و مما يكرس هذه الوضعية، المنع التام الذي تفرضه السلطة المحلية أمام بناء المساكن الجديدة، و غياب مسطرة واضحة للبناء. لذلك تبقى فترة الحملات الإنتخابية الفرص الرئيسة لتشييد بعض المساكن، بينما تتخللها فرص ثانوية لا تخلو من تواطؤات و مغامرات.
ب - بداية تأثر الشباب بالاختيار الحضاري الغربي للخصوبة:
يحصل هذا التأثير عن طريق مختلف وسائل الإعلام، حيث تعتبر العزوبة الحل الوحيد للإستمتاع بالذات فرارا من أعباء الزواج.
1- 2 - تحولات معدل أفراد الأسرة :
يتراوح معدل أفراد الأسر بين 7.9 و 5,5، وهو تفاوت يجد تبريره فيما يلي :
أ - يتدخل عنصر الأصل الجغرافي للأسر في عدد أفرادها.
ب - تدخل عنصر التوفر على الحيازة الفلاحية، لاعتماد أعضاءها على العنصر البشري في مختلف خدماتها.
ج - تدخل المستوى الدراسي لأرباب الأسر في عدد أفرادها.
غالبا ما تربط الدراسات الديموغرافية بين الخصوبة والمستوى المعيشي للسكان، بدعوى أنه كلما تحسنت الظروف المعيشية للأسر، كلما تحكمت في خصوبتها، فتتحول من طبيعية إلى موجهة بفعل سلوكات تحديد النسل. إلا أنه ربط يتغافل كثيرا من الحقائق المتعلقة بالخصوبة، إذ هي ظاهرة ليست بسيطة، وإنما هي معقدة، تتداخل فيها عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية - دينية يطلق عليها اسم : الإختيار الحضاري للمجتمع أو النموذج الاجتماعي والثقافي للخصوبة.
لذلك فإن الخصوبة تعرف تفاعلات بين مختلف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – الدينية التي تتشكل ضمن الإختيار الحضاري الإسلامي.
غير أنه في العقود الأخيرة حل الإهتمام بتحسين المستوى المعيشي للأسر محل الإهتمام بتكثير أفرادها، كمعيار جديد تصنف على أساسه مكانتها الاجتماعية.
2 - تحولات البنية السوسيوثقافية :
أحدثت الأنشطة غير الفلاحية تحولات على الدينامية السوسيوثقافية للأسر القروية، سواء على مستوى تمدرس أفرادها، أوعلى العلاقات الاجتماعية بين الأسر من جهة؛ وبين أفراد الأسرة الواحدة من جهة ثانية، أو على مستوى عاداتها الإستهلاكية.
2 - 1 - التحولات على مستوى التمدرس :
إذا كانت العمليات الفلاحية تفرض على الفلاح ألا يتمدرس كل أبنائه؛ فإن الأنشطة غير الفلاحية شجعت مزاوليها على تمدرس أبنائهم. كما عرفت تحسنا كبيرا في تعليم الإناث، إلى درجة أنه لايبتعد كثيرا عن النسبة المسجلة بالوسط الحضري.
2 - 2 - التحولات على مستوى العلاقات الاجتماعية لأفراد الأسر :
عملت الأنشطة غير الفلاحية على إحداث بعض التفكك الاجتماعي، سواء فيما بين الأسر، أو داخل الأسرة الواحدة :
2 - 2 - 1 - التفكك على مستوى الأسر :
نظرا لارتباط الأنشطة غير الفلاحية بالتوزيع المجالي لمجموعة من المؤثرات : طرق، أودية، مراكز سكنية، ضيعات عصرية،...الخ، فإن انتشارها أحدث خللا في الانغلاق القبلي القديم، حينما التحق كل نشيط بنشاطه غير الفلاحي المفضل، مما أدى إلى تشكيل دواوير مختلطة قبليا، فكان لهذا الإختلاط أثرين بارزين :
- أثر إيجابي : يتمثل في تجاوز كثير من العادات والتقاليد الخرافية، لضرورة التمكن من معاشرة الآخر، كما يتمثل في بداية تلاشي النزعات القبلية وتعويضها بالمصالح المشتركة.
- أثر سلبي : إن تنوع أنشطة أفراد كل دوار جعل كل فرد منشغلا بهمومه اليومية، عكس ما كانت عليه الأحوال حينما كان النشاط الفلاحي هو السائد لدى أغلب أرباب الأسر بالدوار. الأمر الذي يجمع مشاكلهم وقضاياهم، وبالتالي توحيد كلمتهم في ما يسمى ( اجُماعة )، لذلك كثيرا ما يعبر القرويون عن بعض التغييرات السلبية التي همت ( اجُماعة ). من أهم مؤشرات ذلك أن جل النزاعات لم تعد تحل داخل ( اجُماعة )، وإنما ترفع إلى السلطة المحلية، إن لم تصل المحكمة.
كما تبرز هذه السلبية من خلال التفكك الاجتماعي الذي غزى البادية، و سلبيته تكمن في الأخطار التي يسببها : كتفشي الجرائم و الإنحرافات الأخلاقية كالسرقة و البغاء. مما يجعل المجتمع فريسة سهلة أمام كل خطر أجنبي.
2 - 2 - 2 - التفكك على مستوى الأسرة الواحدة :
كانت تمثل الحيازة فيما قبل تطور الأنشطة غير الفلاحية، نقطة ذهاب و إياب كل أفراد الاسرة؛ فيها يشتغلون و من مداخيلها الرئيسة يعيشون. أما الآن فإن ممارسة أنشطة غير فلاحية من شأنها أن تفرض سلوكات متعددة بتعدد أفراد الأسرة أحيانا، و تجعل كل واحد منهم يجتهد في العثور على أسهل الوسائل و الطرق التي تضمن له الإستمرارية في نشاطه المفضل، و لو أدى به ذلك إلى مغادرة الأسرة فيما يسمى ( لعـْزِيلْ)، أو مغادرة المنطقة( الهجرة) و هكذا بدأت الأسرة في التفكك، بعدما كانت تحتضن الأولاد والأحفاد، و أصبحت الأسرة النووية تحل محل الأسرة الكبرى.
2 - 3 - التحولات على مستوى العادات الاستهلاكية للأسر :
إن تطور كثير من الأنشطة غير الفلاحية أحدث تغيرات مست العادات الإستهلاكية للأسر القروية، في المأكل و المشرب و الملبس و المسكن و التداوي. تغيرات استهلاكية لم تعد تقتصر على ما وفرته الحيازة أو السوق الأسبوعية، و إنما اتسعت لتشمل خارج البادية، بل و خارج المدينة المجاورة، إن لم تكن خارج المغرب أحيانا. ساهمت فيها سرعة الإتصال الاقتصادي و التواصل الاجتماعي؛ عن طريق وسائل النقل و وسائل البث. فأصبح أسبوع القروي كله سوقا بعدما كانت سوقه أسبوعية، مستفيدا من انتشار دكاكين البقالة و باقي مرافق الأنشطة غير الفلاحية الأخرى.
غير أنه لا بد من الإشارة هنا إلى التعميم الذي يجعل المستوى الإستهلاكي للأسرة مرتبطا بمستوى مداخيلها المادية فقط. فهو ربط إحصائي لا يأخذ بعين الإعتبار ما تنفرد به بعض الأسر القروية من تناقضات تفـند صحة هذا الربط، يمكن اختصارها في حالتين :
- حالة يكون فيها المستوى المادي للأسرة مرتفعا دون اهتمامها بتحسين عاداتها الإستهلاكية.
- حالة يكون فيها المستوى المادي للأسرة منخفضا مقابل اهتمامها بتحسين ملبسها و تأثيث مسكنها و لو على حساب مأكلها.
إن العوامل الحقيقية التي تربط بين مستوى الدخل المادي و العادات الإستهلاكية للأسر القروية، عوامل تتعدى التفسيرات المادية لتجد ما يبررها في قناعات اجتماعية– فكرية متضاربة بين هذه الأسر.
كما عملت الأنشطة غير الفلاحية على بث شعور خاص لدى مزاوليها، وخاصة الشباب، شعور أصبح يعتبر النشاط الفلاحي نشاطا متخلفا. لذلك اعتبر هذا الشعور جسرا للتنقل من مرحلة التفكير بالعقلية الفلاحية البدوية، إلى بداية مرحلة التفكير بالعقلية الحضرية. وتقمص شخصية الحضري ولو في الملبس والحلاقة والنطق. مما فرض التشكيك في كثير من المسلمات والقناعات الاجتماعية المحلية؛ كتلك التي تعتبر الحفاظ على الحيازة من أهم عناصر المفاخرة بين الأسر القروية. (انتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. … • مونت كارلو الدولية / MCD كان 2024- ميغالوبوليس


.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح




.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با


.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على




.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف