الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب ووهم الخطر الشيعي

يوسف هريمة

2008 / 8 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الوقت الذي ينادي فيه العالم العربي والإسلامي عموما، والمغرب على وجه الخصوص بحوار الأديان والثقافات يرفع الإعلام الرسمي المكتوب صوته، وتجهز كل الآليات الدينية وغيرها للوقوف ضد ما تسميه الصحافة بالخطر الشيعي في المغرب. كل هذا السياق المتناقض إلى حدود عدم فهم كل هذا التلاقي مع الأديان والثقافات في ندوات ومؤتمرات عالمية، والتطبيع مع الإيديولوجيات العدوانية في تأسيسها والبعد عن بني الجلدة شيعة كانوا أو غيرهم، ينبئ بأن ثمة شيئا ما يحرك لعبة الخطر الشيعي المتوهم داخل سياق سياسي متناقض مع نفسه وأهدافه ومراميه.
شكلت صفقة التبادل الأخيرة التي أبرمها الكيان الصهيوني مع حزب الله اللبناني نقطة تحول تاريخية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، الذي دام أكثر من ستين سنة أحرج العالم العربي بإسره ووضعه على المحك، بحيث أصبح الوعي العربي مؤمنا بأن استراتيجية المقاومة والدفاع والذود عن الأرض والعباد من أجل الحصول إما عن الكرامة أو الموت في سبيل الوطن هي الخيار الوحيد ضمن صراع الأقوياء والتحالفات الكبرى بين الدول الإمبريالية على حد سواء. هذا السياق التاريخي أربك كل الحسابات وأعاد النظر في مجموعة من الأشياء كانت تختفي وسطها البلدان العربية عن قصد أو غير قصد بسيادة روح انهزامية وتبعية كلية لمقررات القوي، دون أن تسمح لنفسها بقراءة واعية لشروط التاريخ كسرها حزب صغير لا يتعدى الآلاف من المقاتلين، استطاع لوحده أن يكسر كل هيبة أو هالة مصطنعة أحيطت بالجيش الذي لا يقهر، محركا بآلياته الإعلامية والاجتماعية والاقتصادية ماء راكدا في الوحل العربي.
من هذه النقطة بالذات وبدل أن يتم الاستفادة من هذه التراكمات أخطاء كانت أو إيجابيات، والبناء عليها للسير قدما إلى ما يحقق كرامة الوطن وعزته، سارت الحكومات العربية وفق منظار آخر، مجندة كل إمكاناتها للفت الانتباه عن هذا المعطى الهام في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، الذي تعيش من جرائه إسرائيل أحلك أيامها كما يصرح مسؤولوها أنفسهم، وبدأت الآلة الإعلامية العربية مكتوبة ومرئية تسوق لخطر قادم اسمه الخطر الشيعي. كان لزاما أن يكون المغرب داخل هذا السياق الباعث على خطر قادم من الشرق والمتأثر أساسا بحركة حزبية تتعاطف معها شعوب العالم العربي بأسره، بل تهتز لكل نبضة من نبضات قضيتها. ولكي ينجح الأمر في مثل هذه القضايا لن يكون هناك أفضل في التعاطي مع هذا المعطى من سلاح العقيدة، فسلاح العقيدة سلاح ذو حدين تكون نتائجه سلبية إذا ما ارتبط الجانب العقدي بسلطة الإكراه والقوة القسرية وإجبار الناس على مسبقات وتحيزات معينة. لم يكن هذا الأمر واردا في مخيلة المغاربة بشكل عام إلا بعد الانتصارات التي حققها حزب الله في الجنوب اللبناني، ووضع كل المعطيات العربية على محك التساؤل في جدواها وفائدتها خلال مسار تاريخي عمره يتجاوز الستون السنة من الإخفاقات والنكسات. لا بد أن تحريك هذا البعبع القادم من جنوب لبنان بغطاء مذهبي سيكشف عن خبايا وأسرار لم تكن على الحسبان، حين تجند الأقلام وتزيف الحقائق وتنشر البيانات الدينية الواحدة تلو الأخرى منددة بالعقيدة الشيعية في خطة محكمة هدفها الأول والأخير ضرب المقاومة اللبنانية وكسر شوكتها بغطاء الطائفية والمذهبية، كي لا تتحول الانتصارات إلى إخفاقات في الجانب الآخر المهادن والمسالم طوعا أو كرها.
إنني هنا لا أنطلق من منطلق عقدي في تقييم هذه الحركة الإعلامية ذات الأبعاد الدولية من جهة والمحلية من جهة أخرى، فلا يجمعني بالشيعة أي رابط عقدي إلا رابط الأخوة الإنسانية المتجاوزة لحدود الدين وإكراهاته، ولا أعتقد أن هناك فرق بين السنة والشيعة إلا الاختلاف السياسي الناجم عن حروب حكاها التاريخ، ومواقف لا زالت تجر خيبتها حتى وقتنا المعاصر بين فئات من الناس لم يفهموا بأن العقيدة شأن شخصي ما لم تتحول إلى سلطة إكراه. فلا العصمة ولا الإمامة ولا عدالة الصحابة ولا ولاية الفقيه ولا المهدوية هي من تحرك هذه اللعبة، بقدر ما هو الحدث التاريخي وانتصار الثلة المقاومة من أجل أرضها مهما كانت نظرة البعض إلى هذه التجربة. ومن هنا يأتي التناقض:
*- حوار الأديان والثقافات إلا الشيعة:
يبدو المنظر غريبا نوعا ما والمملكة العربية السعودية راعية السنة في العالم العربي والإسلامي تدعو إلى التطبيع مع الكيان المعتدي، وتقدم مبادرة تدرج فيها كل العالم العربي بقيام علاقات طبيعية مع إسرائيل وتتعهد بالاعتراف بها، كما وتقوم بالترويج إلى مؤتمر حوار الأديان المنعقد مؤخرا في مدريد، دون أن تستطيع محاورة حزب سياسي له رؤيته للصراع مهما كانت نظرتها إليه سلبا أو إيجابا. فكل المؤشرات والتصريحات أثناء حرب تموز أو بعدها أو خلال اتفاق الدوحة أو قبله تنبئ على عمق عقدي خطير امتزج فيه السياسي بالديني، مع إمكانية التلاقي على قواسم مشتركة نابعة من الدين الواحد والمصير الواحد. نعم للحوار والتطبيع مع المعتدي وغير المعترف بالشرعية العربية والأغيار عموما كما تؤسس لها العقيدة الصهيونية، ولا للحوار مع ثقافة ورؤية دينية لها ما لها وعليها ما عليها ما دامت ثلة من المستضعفين تحملها برؤية استراتيجية وقراءة واعية للمشهد اللبناني المتنوع والمختلف. يبدو أن التناقض صارخا بين النظرية والتطبيق حين تؤسس المؤتمرات والندوات لمصافحة العدو وتزيين الصورة للعالم الغربي، وبين التنكر لبني الجلدة مهما اختلفنا معهم في تقييمهم للمرحلة وإكراهاتها.
هذا المسار نفسه هو مسار المغرب الذي نظم ندوة دولية في سنة 2003 حول:" حوار الثقافات هل هو ممكن؟ " أعرب الكثير من المتدخلين فيه على أن هذا الحوار ممكن، ويجب أن تكثف الجهود من أجل إنجاحه مع ثلة من المفكرين العالميين جورج لايبكا، ألان جوكس، جون برايماس، نصر حامد أبو زيد، برنار لويس وغيرهم كثير... ممن أثتوا فضاءات أكاديمية المملكة المغربية. كل هذه الندوات والحوارات المغلقة لا تجد مصداقيتها حينما تمتزج الثقافة بالسياسة أو الدين بالتوجه السياسي، فبالرغم من هذه الدعوات تفتح المؤسسات الرسمية بخطاب ازدواجي حربا على ثقافة الآخر، حين تكون المعايير الدولية لا تسمح بالتخاطب مع ثقافة معينة ولو انتسبت إلى الأصل الواحد، أو كان من يعتنقها له توجه معين لإسقاط المشاريع الكبرى في المنطقة العربية.
حزب الله ليس حزبا عقائديا:
إن الحزب العقائدي هو كل حزب يجعل من عقيدته ميزانا للحكم على الآخر، ويتسلط بقوة الإكراه على المخالف لإجباره على قبول مسبقاته، وما دامت العقيدة هي فقط ما يعقد عليه القلب أو العقل في مرحلة من المراحل فلا ضرر من ذلك، لأن الحرية العقدية جزء لا يتجزأ من كينونة الإنسان وعبثا يحاول التخلص من الجانب العقدي الفكري. ومن هنا فليست العقيدة بعبعا سواء كانت يمينية أو يسارية دينية أو لا دينية، ما دامت في حدود الذات والفعل الشخصي ولم تمتزج بسلطة الإكراه، وإن تجاوزت ذلك فهذا هو الحد الفاصل بين الدين كشروط ومبادئ وقيم وبين التسلط والتستر خلفه.
إن الناظر في أدبيات حزب الله اللبناني لا يجد البعد العقائدي بمعناه السلبي الذي شرحناه سابقا، وإن كانت كل المؤشرات تشير إلى تبعيته الدينية إلى ولاية الفقيه والتدين بالمذهب الشيعي الإمامي كاختيار شخصي له ولمن والاه، دون فرضه على الناس بمنطق القوة. يؤكد هذا الأمر هذا التحالف الكبير بين تيارات المعارضة اللبنانية المشكلة من كل الطوائف بما فيهم السنة والمسيحيين والدروز. وليس من المنطق أن يكون هذا الالتفاف الجماهيري والشعبي على حزب من مختلف الطوائف ببعد عقدي معين، فالقضية أكبر من عقيدة حينما تصبح قضية خيارات مطروحة بين فريق منهزم نفسيا قبل أن ينهزم في الميدان، ويبن فريق آخر يرى أن القوة تتجاوز الآلة الحربية حين تصبح قوة قضية ومبادئ وشرف. قلت هذا لأن السياق الذي تأت فيه الحملة على بعبع الشيعة داخل ضمنا في هذه القضية الكبيرة والمتصارعة في العالم العربي بين الرؤيتين السالفتي الذكر، وإلا فالشيعة والسنة كما اليهود أو الأمازيغ أو الثقافات الأخرى هم جزء من النسيج المغربي المنسجم داخل إطار الوطن الواحد، القادر على تذويب الفوارق بين طبقاته الاجتماعية خاصة الفكرية أو الإيديولوجية منها على وجه الخصوص.
*- المغرب وخطر موت الإنسان:
إن الخطر الحقيقي الذي يتهدد المغرب هو الجهل والأمية التي تفتك ب 60 في المائة من ساكنته، وبقلة الموارد البشرية والمائية والجفاف أمام سياسات ترقيعية لا تفي بالغرض المطلوب. إنه خطر العطالة والبطالة وعدم قدرة الدولة على إدماج معطليها وحاملي الشواهد العليا منهم في الوظائف والمهن والأعمال المختلفة، وتكتفي بمقاربات أمنية تصعيدية تهز من الصورة الحقيقية لدولة الحق والقانون والمشروع الاجتماعي الذي يبنى على سواعد المواطن العادي. إنه خطر قمع الحريات بمختلف أنواعها ومنها حريات التظاهر والصحافة والتعبير، والتضييق الذي ينتهي بفقدان الثقة بين المؤسسات الرسمية والشعب في سابقة لم تعرف لها البلاد مثيل رسمتها أحداث سيدي إيفني الأخيرة. إن المغاربة لن يتهددهم إلا لقمة العيش الغالية والمرتفعة السعر في ظل تدني الأجور وضعف القدرة الشرائية للمواطن العادي والمعدوم، ولن يتهددهم الجانب العقدي بشيء ما داموا مسالمين فكرا وروحا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال