الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن العدالة.. والتنمية

هشام أبو شهلا

2008 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يكن الحكم الذي نطق به هاشم كيليتش رئيس المحكمة الدستورية التركية إلا نصراً للنظام الجمهوري التركي الذي أرسى قواعده الزعيم مصطفى كمال أتاتورك في عشرينات القرن الماضي. فهذا الحكم الذي لم يبرئ ساحة حزب العدالة والتنمية من تهمة المساس بالمبادئ العلمانية للجمهورية من جهة، تجنب حظر الحزب الحاكم وما يعنيه هذا من تبعات خطيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي من جهة أخرى.

لقد كان القرار الحكومي في آذار/مارس الماضي بالسماح للمحجبات بدخول الحرم الجامعي بغطاء الرأس بمثابة البوابة التي سمحت للإدعاء العام بمراجعة سياسات وتصريحات قادة ومؤسسي هذا الحزب الذين أعلنوا توبتهم التامة عن ماضيهم "الإسلامي" في حزبي الفضيلة وقبله الرفاه والذيّن تم حلهم بقرار من المحكمة ذاتها، إضافة إلى بعض التصريحات والتفسيرات التي أطلقها رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء حول فهمه للعلمانية والتي بدت ضحلة جداً ومتناقضة، والتي استغلها المدعي العام أيضاً كأدلة ضد الحزب وبرنامجه. هذا كله أوحى بأن حزب العدالة والتنمية لم يصحُ بعد من نشوة النصر في انتخابات الصيف الماضي، وطرح تساؤلات عدة في المجتمع والمؤسسات التركية حول الطريق التي يقود الحزب البلاد إليها.

هذا وغيره أقلق القائمين على حماية النظام الجمهوري والمسئولين عن حراسة مباديء العلمانية في تركيا – المحكمة الدستورية، ومجلس الأمن القومي (الجيش) – واستدعى تدخل الإدعاء العام لرفع قضية ضد العدالة والتنمية كان سقفها مرتفعاً حين نادت بضرورة حل الحزب ومنع أكثر من سبعين قيادياً فيه من ممارسة العمل السياسي.

وكان حكم المحكمة عادلاً جداً حين حرم الحزب من نصف المخصصات المالية، فبهذا وجهت إنذاراً قوياً ورسالة يجب على الحزب أن يفهم مغزاها بحسب تعبير رئيس المحكمة الدستورية نفسه، فإما الإلتزام بالدستور العلماني للجمهورية كما ترسخ خلال العقود الماضية، أو المصير ذاته الذي ذهب إليه أكثر من عشرين حزباً تم حلهم بقرارات قضائية. فالوضع الداخلي في تركيا لا يحتمل أية مغامرات فردية.

تركيا اليوم تقف على بوابة النادي الأوروبي ليس بفضل حزب العدالة والتنمية كما يحلو للبعض أن يصور الأمر، بل بفضل التطور الذي قادته دولة المؤسسات التي أنشأها أتاتورك، وبفضل الإلتزام بمبادئ الجمهورية العلمانية، فهذا الجهد التراكمي هو الذي أوصل الجمهورية التركية إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم على صعيد كافة المجالات السياسية والاقتصادية.

وليس فقط من باب الانتقاد لحزب العدالة والتنمية، أن ننوه إلى أن الحزب لم يكن معارضاً للتعاون مع القوات الأمريكية إبان غزو العراق بقدر حلفائه في الحكومة من أحزاب اليسار الذين كان لهم الدور الأبرز في منع استخدام الأجواء والأراضي التركية لمرور القوات الأمريكية، ولذا لم يكن ترحيب واشنطن بالقرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية بعدم حظر الحزب من قبيل المستغرب، وما التعاون والتنسيق بين الحكومة التركية وقيادة الجيش الأمريكي في العراق بخصوص العمليات التي يقوم بها الجيش التركي ضد مواقع كردية شمالي العراق إلا تعبيرٌ عن مدى العلاقة المميزة التي تربط الحزب بالإدارة الأمريكية، هذا ما لم يضف إليه الرعاية التركية للمفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة التي تدور في أنقرة والتي لا يصدق أحد أنها تجري بعيداً عن أعين ومباركة الإدارة الأمريكية.

أما المستغرب حقيقةً هو تمسّح الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي بحزب العدالة والتنمية التركي ومحاولة تصويره وكأنه النموذج لما يسمونه "المشروع الإسلامي" في الوقت الذي يتنكر فيه قادة ومؤسسي هذا الحزب لماضيهم، ويعلنون صبح مساء ولاءهم للمبادئ العلمانية.
أليس من العدالة أن نكف عن الدفاع المستميت عن هذا الحزب ولا نحمّله ما لا يريده، ونلتفت إلى تقييم تجارب من يدعون أنهم حملة وحماة هذا المشروع على أكتافهم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال