الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إذا سكت المثقف ، فمن الذي سيدافع عن المجتمع ؟

كريم الهزاع

2008 / 8 / 4
المجتمع المدني


فعل المكاشفة ، الكتابة فوق الكتابة على حد قول رولان بارت ، فن صعب للغاية ، لذا هناك من يجوس النص ويغوص في معانيه ، من يبحث عن درجاته أو تدرجاته التراكمية ، إلى أن يصل إلى درجة الصفر صعوداً نحو فيوض النص ، لهذا السبب يظل فعل المثاقفة – القراءة الكتابة والمتابعة للمشهد السسيولوجي والسسيوثقافي – صعب للغاية على من لم يكن مهووساً لدرجة الجنون ، لأن في داخل كل مجنون ما ينهشه من الداخل – دودة - كما قال ماريو فارغاس يوسا ، وعلى من يمارس فعل المثاقفة - أن يقف ولو لمرة واحدة ضد نفسه - بعد مشروع طويل من النبش والحفر والتبئير، ليتخلص من هواجسه ولينصص ذاته بعد كل مرحلة ، لربما يقف يوماً ما في المنتصف ما بين الإيدلوجيا – كل خطاب لا يخلو من أيدلوجيا حتى خطاب الأنا – وما بين الفن .

إن المبدع الحقيقي أو المثقف المريض بهكذا هواجس له في فعل الإزاحة والإنزياح طاقة ، ومن يؤمن بفعل الاشتباك والمشاكسة وتتلبسه روح التمرد ، يشتغل عنده المتخيل ، باحثاً عن إرهاصات جديدة ، تحولات للفكرة منذ تاريخها الأول – الأسطورة – من هنا يظل يتتبع أحافيرها ، أنساقها ، وزعزعة الأساسات لقناعات تكاد تتحول إلى جدران إسمنتية وإلا سيظل دائماً محكوماً بالأسلبة ، مستلبا لسقف أو حفرة عميقة خائر القوى ، لا يستطيع أن يحمل صخرة سيزيف ولا حتى محاولة الخلاص .

ودائماً في كل مشهد ثقافي هناك حالات ثلاث ، لأصناف ثلاثة من البشر : المثقفون ، أنصاف المثقفين ، أشباه المثقفين ، وهناك بشر من الفئة الثانية والفئة الثالثة لا تكرمنا بسكوتها فقط ، بل تطلب منا أن نصمت ، وإذا قلنا لهم " لا " ، أمطرونا في نصائحهم التي لاتسمن ولاتغني من جوع ، ويحاول هذا البعض أن يستكثر علينا الحيادية في الطرح ، ويستكثر علينا نبش هذا المشهد الثقافي من جديد ، لأنه فقط لايتوافق مع مسطرته ومصالحه الخاصة ، ولأننا لم ندخل في " الشلة " التي يريدنا أن نكون من أعضائها ، ويظل دائماً ساقطا في فخ " الوهم " بأننا نقف ضده ، أو أننا نقف مع من يقف ضده .

وعن هذه الأوهام يقول علي حرب : " إنها أوهام تستوطن الذهن وتعرقل عمل الفكر ونشاط الفهم ، الأول هو الوهم الثقافي ويرتبط بمفهوم النخبة ، والثاني هو الوهم الأيديولوجي ويرتبط بمفهوم الحرية ، والثالث هو الوهم الأناسي ويرتبط بمفهوم الهوية ، والرابع هو الوهم الماورائي ويرتبط بمفهوم المطابقة ، والخامس هو الوهم الحداثي ويرتبط بمفهوم التنوير " .

لذا نحن مشغولون بكل تلك الأوهام ، ونحاول نبشها وتفكيكها ، ولسنا وحدنا في ذلك ، وسنظل نحاول قدر المستطاع أشراك الآخر معنا من خلال فعل طرح الأسئلة ، وجمع الإجابات من كل الأطراف ، لنخلق نوعا من الجدلية ، والتي تعطينا في نهاية الأمر نوعا من الحراك ، وفي ذلك النوع من الطرح لا نتعامل بقلوبنا ، بمعنى آخر ليس في دواخلنا ضد أي أحد شيء من أوهامه .

لكننا مازلنا مصابين بالدهشة تجاه ما يحدث من خلال قراءتنا لهذا المشهد ، إذ نجد الشللية ، ونجد سعي المثقف لنفي المثقف آخر ، كما أن جمعيات النفع العام في حالة من الجزر المعزولة إذ تغيب عنها حالة التناغم ، وأيضاً حالة التفاعل مع ما يحدث في العالم أو في البلاد من أحداث ، وهذا يحدث أيضاً مابين المثقفين حملة الأقلام والمبدعين بكل أطياف المشهد ، والذي يصيبنا بحرقة أكثر عدم تجاوب البعض مع الهواجس التي تشغل هويته الثقافية أو الإبداعية وكأنه غير معني بها تماماً ، ولتلك الأسباب وغيرها تواجه الأفكار إشكالياتها ، مما يسبب فيما بعد ضعفا في الديمقراطية وتراجعا في التنوير وتشظيا للحالة العقلانية ، و المفكر أو المثقف الذي لايستطيع تغيير العالم أو محيطه ، فكرياً ، بتجديد أفكاره أو بتغيير طريقته في التفكير أو بابتداع ممارسة فكرية جديدة ، لن يغير شيئاً ، ذلك أن المفكر فاعل اجتماعي لكونه فاعلاً فكرياً قبل أي فعل آخر .

والمثقف والمبدع الحقيقي لا يكتفي بالفن فقط ، إذ يجب أن تشغله قضية الحقوق والحريات ، أو تهمّه سياسة الحقيقة ، أو يلتزم بالدفاع عن القيم الثقافية ، المجتمعية أو الكونية ، بفكره وسجالاته وكتاباته ومواقفه ومشاركته في الإحداث والمحاور الجدلية ، فهذه صفته ومهمته ، بل مشروعيته ومسئوليته ، بهذا المعنى ، فالمثقف هو الوجه الآخر للسياسي ، والمشروع البديل عنه ، وعلى عاتقه تقع مسئولية " الدفاع عن المجتمع " على حد قول ميشال فوكو .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة اعتقالات إسرائيلية خلال اقتحام بلدة برقة شمال غربي نابل


.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين




.. مبادرة شبابية لتخفيف الحر على النازحين في الشمال السوري


.. رغم النزوح والا?عاقة.. فلسطيني في غزة يعلم الأطفال النازحين




.. ألمانيا.. تشديد في سياسة الهجرة وإجراءات لتنفير المهاجرين!