الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردي على الأستاذ النمري

عدنان الظاهر

2008 / 8 / 5
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


سبق وأنْ أثرتُ في رسالة خاصة للأستاذ فؤاد النمري عدة موضوعات كأسئلة أو تعليقات فتجاوب معي على الفور مشكوراً إذْ وعد بالكتابة عما سألتُ وعما إستفسرتُ وها هو ينفذ ُ وعده كأحسن ما يكون التنفيذ
( الحوار المتمدن / في 04.08.2009 ) .
إبتداء ً لا بدَّ من الإعتراف أنَّ على مَن يود أنْ يناقش الأستاذ النمري أو يتصدى لمناقشة الطريف أو الخطير من أطروحاته الفكرية حول الماركسية والشيوعية ومتفرعاتهما ... لا بدَّ لمثل هذا الشخص أن ْ يكونَ في مستوى علم وثقافة وتجربة هذا الأستاذ النمري فضلاً عن حماسه فيما يكتب ويناقش وعنفه في بعض ردوده . قرأتُ مقاله الأخير الذي خصّني بنسخة منه فتأكد لي رأيي السابق أن َّ من يناقش ويحاور هذا الرجل لا بدَّ له من أنْ يكون في مستواه أو قريباً من هذا المستوى وهو أمر عسير كما أرى . لذلك وجدتُ أنَّْ من الأفضل والأنسب لي [ ولأمثالي ! ] أنْ أتبّع َ أسلوب المناورة الخفيفة والمناوشة عن بعد وبأكثر الوسائل تواضعاً . وهكذا قنعت أو أقنعت ُ نفسي بالإكتفاء بإقتطاع جُمل ٍ مما كتب النمري وتوجيه بعض الأسئلة حولها وأن ْ أضع أمامه ما أراه مخالفاً لقناعاته وما يرى .
1 ـ أخطر أطروحات الأستاذ فؤاد النمري وأكثرها غرابة هي قوله (( ... النظام الرأسمالي قد إنهارَ في سبعينيات القرن الماضي وإندثرت معه الإمبريالية إلى الأبد ... الطبقة الوسطى تسود العالم اليوم سواء في البلدان الإشتراكية سابقاً أو في البلدان الرأسمالية سابقاً وتسود في بلدان العالم الثالث )) .
ماذا يقول علماء الإقتصاد في هذه الأطروحة وهل هناك بينهم مَن سبق الأستاذ النمري إلى قولها أو طرحها ؟ كيف ينهار صرح النظام الرأسمالي ليرتد َّ راجعاً القهقرى إلى الوراء لتحل َّ الطبقة الوسطى محله وكان هو من قضى عليها وأزاحها من مسرح التأريخ ؟ بم َ نفسر العولمة اليوم والقطب الأوحد وظاهرة الأمبراطورية الأمريكية إذا قلنا إنَّ الإمبريالية قد إندثرت وإلى الأبد ؟ ماذا سنسمي الظاهرة الأمريكية إذاً ؟ أليس في مثل هذه الأطروحة الكثير من الخطر على مجمل حركات التحرر والتوق للإنعتاق من قبضة أمريكا بالذات والعديد من حلفائها ؟ إني أجد فيها مخدراً قوياً { مورفين } لإنامة الشعوب المغلوبة على أمرها وإغرائها بالميل للراحة والدعة إذ ْ إندثرت الإمبريالية وهي أعدى أعداء الشعوب.
إذا ما كان النظام الرأسمالي قد إنهار منذ سبعينيات القرن الماضي فما هو نمط الإنتاج السائد اليوم وما هي طبيعة علاقات الإنتاج في كل ٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا على سبيل المثال ؟ لكي نقتنع أنَّ الإمبريالية قد إندثرت يتوجب علينا أن ْ نسأل : ما هي الإمبريالية وكيف إندثرت وتحت أية عوامل وظروف وما الذي طرأ على أمريكا مثلاً حتى تبدِّل َ طبيعتها وجوهرها السياسي ـ الإقتصادي فتتخلى عن كونها زعيمة وقائدة الإمبريالية في عالم اليوم ؟
2 ـ النقطة الأخرى التي وجدتها جديرة بإهتمامي هي تلك المتعلقة بمسألة العدالة في المجتمع الشيوعي . كتب الأستاذ النمري [[ إنَّ الحياة الشيوعية لا تتسم بالعدالة حيثُ أنَّ نصف َ الشعب الذي لا يعمل ولا يُنتج يأخذ مع ذلك نصف الإنتاج وهذا ليس من العدالة في شئ ]] .
يحيرني تقسيم الأستاذ فؤاد للمجتمع الشيوعي إلى نصفين متساويين أو غير متساويين بالعدد نصف يعمل وينتج ونصف آخر عاطل عن العمل لكنه يعتاش على ما ينتجه النصف الآخر . كيف لا يعمل نصف المجتمع الشيوعي وما سبب بطالة هذا النصف ؟ كنتُ في موسكو خلال الأعوام 1962 / 1968 ولم أرَ مواطناً سوفياتياً أو مواطنة ً عاطلين عن العمل علماً أنْ ما كان المجتمع يومذاك شيوعياً إنما إشتراكياً . هل نسيَ الأستاذ فؤاد المقولتين الشهيرتين ( من كلٍ حسب قوته ولكل حسب عمله ) ثم
( من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته ) ؟ الكل يعملون ولا من مجال للتفكير في بطالة . ولعل من المُجدي أنْ أتطرقَ إلى موضوع الضمان الإجتماعي السائد في العديد من البلدان الأوربية في يومنا هذا وهي كما يعلم الجميع ليست شيوعية . من لا يجد له عملاً يتقاضى مخصصات ٍ وسكن وعناية طبية فهل هذا عدالة أم ليس فيه أي وجه ٍ لها ؟ الأمر الصحيح سواء في الرأسمالية أو الشيوعية هو أنْ يعمل الجميع حسب طاقاتهم ومواهبهم وتأهيلهم الدراسي أو المهني وغير ذلك من الشروط . وهذا هو الأمر العادل وهنا تتجلى العدالة فعلام يفترض الأستاذ فؤاد أنَّ نصف المجتمع الشيوعي لا يعمل أي إنه (( عطّال بطّال )) يعتاش طفيلياً عالة ً على جهد النصف الآخر . أي ُّ مجتمع ٍ هذا الذي يعاني نصفه من البطالة وكيف يكون حال الإنتاج الوطني أو القومي الإجمالي تحت مثل هذه الظروف ؟ لا أطعن في عدالة المجتمع الشيوعي الذي لم ترَ البشرية له نموذجاً حتى اليوم ولكن ، أرفع شكّا ً في أصل أطروحة أو فرضية الأستاذ فؤاد النمري . طبيعي أن يعتمدَ الطفل والشيخ الطاعن في سنه والمريض والعاجز بدنياً أو نفسياً ... طبيعي أن تعتمدَ هذه الشرائح على الدولة مهما كانت طبيعة النظام السائد .
3 ـ نقطة إعتراضي الثالثة حول ما قال الأستاذ فؤاد في الجُمل التالية
[[ إنهارَ الإتحاد السوفياتي بفعل الضربات القوية المتوالية من الطبقة الوسطى بشريحتيها ، العسكر والفلاحين ، بغياب دكتاتورية البروليتاريا فعليا ً ثم رسمياً في المؤتمر الحادي والعشرين للحزب 1959 ]] .
لَعَمري ويا لعجبي !! وجد الأستاذ النمري في المجتمع السوفياتي طبقتين قويتين هما طبقة العسكر والفلاحين اللتين تسببتا في إنهيار الإتحاد السوفياتي !! هل نمت ثم سادت هاتان الطبقتان في غضون ستة أعوام فقط وهي الفترة الفاصلة ما بين وفاة ستالين عام 1953 وإنعقاد المؤتمر الحادي والعشرين في عام 1959 ؟ كيف تنمو وتسود طبقة مهما كان إسمها في مجتمع إشتراكي قديم عريق ؟ كيف يكون العسكر طبقة والمفهوم الماركسي للطبقة معروف ومحدد بدقة ومرتبط بنوع وطبيعة علاقات الإنتاج والجيش مؤسسة غير منتجة ؟ كذلك الأمر بالنسبة للفلاحين . لم يكن الفلاحون في الإتحاد السوفياتي السابق طبقة ً أبداً . كانوا كما هو معروف إما فلاحي سوفخوزات ( جمعيات الدولة الفلاحية ) أو كولخوزات ( جمعيات تعاونية مستقلة عن الدولة ) . ثم ما أسباب وظروف تحالف العسكر والفلاحين ونجاح تآمرهم لتدمير الإتحاد السوفياتي وقد أفلحوا حسب نظرية الأستاذ النمري ؟ كيف يجتمع عسكري وفلاح وما هي المصلحة واللغة المشتركة التي تجمعهما ؟ أطروحة الأستاذ فؤاد السابقة التي ذكرها في أكثر من مقال له حول أنَّ العناصر البرجوازية الصغيرة ( الوضيعة ) (*) في أعلى قيادات الحزب والدولة هي التي إنحرفت ثم تسببت في إنهيار الإتحاد السوفياتي ... خالفها في مقال اليوم فعزا أسباب هذا الإنهيار المدوي إلى طبقتين إفتراضيتين إتفقتا صدفة ً أو تخطيطاً على إزالة دولة الإشتراكية . سؤالي في هذا المقام : إذا سلمنا أنَّ كبار ضباط الجيش الأحمر ربما قد تبرجزوا أسوة ً بكبار الساسة والقادة المدنيين من غير العسكريين ( الناس ُ على دين ملوكهم ) فما الذي جعل الفلاحين أن يتبرجزوا وهل في جذورهم العائلية ثمة من أصول أو تقاليد أو نزعات برجوازية والفلاح هو الفلاح إبن الفلاح إبن إبن الفلاح ؟
4 ـ الوقفة الأخيرة مع أخي الأستاذ فؤاد النمري / رأيه في كل من ماركس وإنجلز ولينين ثم ستالين .
من مجمل ما قرأت للأستاذ فؤاد وما إستنتجتُ فيما يخص هؤلاء الأشخاص الأربعة ... لا أحسبه يخدم أهدافه إذ إنه أقفل الأبواب من حيث لا يريد أمام البشرية لكأنه يصمها بالعقم ، أو هكذا خيّل لي ، لأنها عجزت حتى اليوم أنْ تُنجبَ رجالاً مثل هؤلاء الأربعة فما السر ؟ كيف عجز الإتحاد السوفياتي طوال فترة بقائه عن أن يربي او ينجب قادة بوزن هؤلاء أتقياءَ أنقياءَ لا وصمة عار برجوازية فيهم وقد إنحازوا بمطلقهم لجانب البروليتاريا إنحيازاً لا رجعة َ فيه ؟؟ إذا كان ذلك مستحيلاً وعجزت البشرية عن إنجاب مثل هؤلاء الرجال الأفذاذ فمن ترى سيبني الشيوعية والبرجوازية الوضيعة أو غير الوضيعة لا تبنيها بل وتعاديها ؟ أم إنها ستبقى ولزمن طويل مجرد حلم وأمنيات تراود أذهان بعضنا ؟
كلمة أخيرة / حول تبرجز بعض قادة الكرملين . لدي مثالان الأول منهما يخص خروتشوف . في زيارته لموسكو { عام 1964 ؟ } أشيع أنَّ كاسترو قال في الكرملين لخروتشوف : أراك قيصراً جديداً هنا !! معلقاً على مظاهر الفخامة والأبهة التي رآها هناك وفي بيوت القادة . المثال الثاني يتعلق ببريجنيف وقد عاصرته أربعة أعوام في موسكو . ما كانت حياته المنفلتة الباذخة سراً على مواطني الإتحاد السوفياتي . كان يقضي جل َّ أوقاته بين الصيد صباحاً والقمار ليلاً وحيازة أفخر وأغلى السيارات وخاصة سيارات السباق . وفي زمن حكمه شًهُرت إبنته بالفضائح الجنسية والأخلاقية وسرقتها لبعض ذخائر متحف الكرملين . فضلاً عن حادث إنتحار ضابط كبير لعله كان وزيراً للأمن أو الداخلية كان من المقربين جداً لبريجنيف . إذا كانت هذه برجوازية فإنَّ الأستاذ فؤاد النمري على حق ، لكني لا أراها كذلك بل أراها تفسخاً أخلاقياً يأتيه البرجوازي وغير البرجوازي .
لا بدَّ أخيراً من الإعتراف بتميز الأستاذ فؤاد في فكره وإجتهاداته وفي كل ما يكتب وفي الكثير مما يكتب وينشر وجهات نظر وأطروحات جديدة تستأثر بإهتمام المثقفين وتحفزهم لمناقشته فيها والرد عليها ولا سيما المختصين بالإقتصاد السياسي والفلسفة ... وليس بالضرورة أن يكونوا متفقين معه في كل ما يكتب ويقول ، فبعض ما يقول مثير حقا ً للجدل وتعوزه الأدلة والبراهين وإلا فإنها مجرد إجتهادات نظرية له فضل السبق في طرحها على القارئ .
(*) يفضل الأستاذ فؤاد النمري أن يسمي البرجوازية الصغيرة [ بتي برجوا ] بالبرجوازية الوضيعة معتمداً على كلمة ربما فرنسية . لم أجد في كل ما قرأتُ في حياتي تسميةً كهذه التي يطلقها الأستاذ فؤاد على البرجوازية . الكلمة الإنجليزية التي شاعت في العراق هي
Pity
ومنها على ما يبدو جاءت كلمة صغيرة ـ برجوازية صغيرة . وهي لا تدل بأي حال من الأحوال على معنى الوضاعة . إنها تعني العطف أو التعاطف أو الشعور بالتضامن مع شخص يستحق العطف والتضامن ، لذا لا علاقة لها بالسياسة ولا بالتعابير السياسية . في القاموس الإنجليزي كلمة أخرى تعني ( قليل أو واطئ ) فلعل الأخ فؤاد أراد هذه الكلمة لا تلك ولا أعرف ما الذي جعله يعتقد أنَّ هذه هي الكلمة المقصودة أو الأكثر دقة ً ومناسبة ً لإطلاقها على البرجوازية الصغيرة . الكلمة التي أعني هي
Pittance
لكنها تستخدم للدلالة على قلة الدخل المالي أو الراتب الشهري ولا من علاقة لها بعالم السياسة .
رابط مقالة الأستاذ النمري المنشورة في موقع الحوار المتمدن في
4.08.2008 هو :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID
=1781&aid=142951








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا