الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق البلد اكثر تعاسة

طلال احمد سعيد

2008 / 8 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كشفت احدث دراسة دولية اجريت حول اوضاع الدول عن ان الدانمارك هي اكثر الدول سعادة , وان زيمبابوي والعراق هما الدولتان الاكثر تعاسة في العالم , وبالرغم من عدم الوثوق من دقة تلك الدراسة , الا انها مؤشر اكيد وقريب من الحقيقة , ونحن كعراقيين نلمس هذا الوضع كل يوم .
العراق لم يتعرض الى كوارث طبيعيه مثل الزلازل والفيضانات والاعاصير , انما تعرض الى فاجعة سياسيه عندما انقض على السلطة حزب البعث المغامر , واقام ابشع نظام دكتاتوري سلطوي عرفة تاريخ العراق الحديث , وبلغت الفاجعة قمتها عندما تسلم صدام حسين مقاليد الحكم كاملة عام 1979 .
لقد كان للسياسة الهوجاء المتسمه بالرعونه والتحدي اكبر الاثر في تراجع البلاد على كل المستويات السياسيه والاقتصاديه و الاجتماعيه و الثقافية , وتسببت تلك السياسه في قيام الامم المتحدة باستصدار اكثر من 62 قرارا ضد العراق , منها 12 قرار شديد ومدمر وكل تلك القرارات صدرت قبل الانسحاب من الكويت , وهذا الكم لم يصدر ضد اي دولة في تاريخ المنظمة العالمية , والملفت للنظر ان قرارات مجلس الامن لم تتوقف عند انسحاب العراق من الكويت , انما استمرت وكان اسواؤها القرار رقم 687 الصادر في 3-4-1991 , الذي تضمن 34 بندا تضع العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة , ويعني ذلك ان العراق وضع تحت الوصاية الدولية واضحى ناقص السيادة , الامر الذي جر البلاد نحو المهالك , واصبح الوضع اكثر صعوبة وتعقيدا وهو مازال كذلك اذ نحن نعاني حتى الان من اثار هذا القرار المجحف .
ان الذي يراجع قرارات الامم المتحدة الصادرة ضد العراق منذ احتلالة الكويت , لايمكن ان يتصور ان هنالك بلد في العالم يقوى على الوقوف امام تلك القرارات , وبسبب الظروف المدمرة التي مرت فقد ظهر العراق بعد سقوط النظام وكأنه البلد الاكثر تعاسه والبلدالفاقد لمقومات الحياة الاجتماعيه والاقتصاديه , وهو يبحث عمن يأخذ بيده للنهوض من جديد من الكبوة التي اصابته جراء الحكم الدكتاتوري والحروب المتواصلة وقرارات الحصار . وعندما بدأت العمليات العسكرية لاسقاط النظام في شهر اذار 2003 , كان الجميع يتطلع الى رياح التغيير القادمة متوقعين ان تاخذ بيد البلاد نحو الحرية والديموقراطية والحداثة .
نحن نكتب هذا المقال وقد مر على السقوط اكثر من خمس سنوات , والسؤال هل تحققت امنيات هذا الشعب في الخلاص من مآسي الماضي وبناء عراق ديموقراطي جديد . فالعراقيون عندما استيقظوا يوم 9-4-2003 توقعوا ان يشاهدوا ملامح عراق جديد ينهض لبناء مستقبل واعد , غير ان الذي حصل كان حالة من الفوضى العارمة اعقبتها اعمال سلب ونهب وحرق اشرفت عليها وشجعتها قوات الاحتلال . وقيل في حينه ان هذه الاعمال هي ردة فعل طبيعيه لحالة الكبت التي عاشها الشعب طيلة عقود , وهذا التفسير سرعان ما ثبت خطأوه عندما تحولت الفوضى الى عصابات للجريمه المنظمة وميليشيات تمارس الارهاب ضدالمواطنين . وبدلا من انتشار الفكر الديموقراطي ومباديء الحداثة , فقد انتشرت ثقافة الرايات السود , وحل الفكر الرجعي والخرافة محل الفكر العلماني التقدمي الحر , وكأننا عدنا الى عهود الدولة البويهيه , والدولة الصفوية , ودولة الخلافة العثمانيه , وتفاقم الاحتقان الطائفي ووصل الى حد تهجير المواطنين وسفك دمائهم , شهد العراق لاول مرة نزوح اربع ملايين مواطن بين الخارج والداخل , هربا من الصراعات الطائفية التي اوصلت البلاد الى مايشبه الحرب الاهليه ,ومازالت تهدد الاستقرار , وقد صار العراق مضرب الامثال في التشظي و الانقسام فأنتشر في العالم تعبير العرقنه وهو مرادف للصوملة والسودنه و اللبننه وغيرها .
كل ذلك كان ثمرة تأسيس دولة الطوائف , حيث قسمت المناصب وفق مشروع المحاصصة الطائفية و القوميه , بشكل لم يشهد له مثيلا من قبل , وانطلق العراق الجديد في هذا الطريق الشائك المحفوف بألمخاطر , وهو يحصد كل يوم تداعيات ذلك النهج . ولعل اهم مافي الموضوع ان الدستور الذي صدر اعد من قبل نفس العناصر التي تسلمت مراكز المسؤولية في الدولة طبقا لمبدا المحاصصة , وقد جاء الدستور ليعبر عن طموحات وافكار جهات معروفة , واتصف بألتناقض و الضبابيه وبذلك صار كالحقل الملغوم .
بأمكاننا التأكيد ان الاخوة الاكراد حصدوا مكاسب عظيمه لم يحلموا بها يوما ما , في ظل اي حكم مضى فكردستان اصبحت ذات سيادة كاملة وحكم كونفدرالي واصبح من المحرم على مواطني بغداد و الوسط و الجنوب ان تطأ اقدامهم ارض كردستان , ومن دواعي الدهشة ان الاكراد لا يفوتوا فرصة الا واشادو بالدستور (العظيم) الذي حقق المعجزات , وهم يتمسكون بالمواد التي تخدم اهدافهم مثل الاقاليم و الفيدرالية والمادة 140 وغيرها , لكنهم ضربوا عرض الحائط كل مادة في الدستور لاتخدم اهدافهم وكأنها غير موجودة فالمادة(44-اولا) تقول ( للعراقي حرية التنقل و السفر داخل العراق وخارجه ) . ان الاكراد يمنعون المواطن العراقي من الدخول الى جزء من وطنه ضمن اجراءات تعسفية غريبة لم يشهدها العراق في احلك الظروف .
لقد تباهى الماسكين على ناصية الحكم في البلاد انهم يعملون ضمن حكومة وحدة وطنيه ,وهي في جوهرها حكومة محاصصة طائفية سرعان ما انفرط عقدها , وضلت البلاد تدار بما يقرب من السنه بنصف وزارة , ثم عادت حكومة الوحدة الوطنيه الى الساحة , وهي بلا شك صورة لنفس النهج السابق لاتحمل في طياتها اي جديد .
ان الضجة التي اثارها الكرد حول المادة (24) من قانون انتخابات المحافظات ومارافق ذلك من تهديدات , كان اخرها صدور قرار من مجموعة التأخي (كرد) في مجلس محافظة كركوك بضم المدينه الى كردستان وكأن العملية يمكن ان تحسم بهذه الطريقة وهي مدعاة للشجب . وقد بادرت الحكومة العراقية الى اصدار بيان بتاريخ 1-8-2008 اكدت فيه معارضتها لاي تصرف انفرادي لتغير الوضع الحالي في مدينه كركوك . ان تداعيات مسألة كركوك وموقف الاكراد المتصلب منها تعكس بلاشك هشاشه الحكم وفشل العملية السياسيه التي مضى عليها اكثر من 5 سنوات .
لو استعرضنا وضع العراق من منظور الربح والخسارة لوجدنا ان الشعب خسر كثيرا ولم يكسب نتيجة التغيير , ولعل اخطر ماتعرضت له البلاد تلك الانقسامات الطائفية الدموية , حيث خسر الكثير من العراقيين بيوتهم ومصادر رزقهم التي امضوا سنوات في بناءها . هذا فضلا عن عمليات القتل التي شملت النساء و الاطفال الكبار و الصغار دون تمييز وتركت في نفوس الناس احزان عميقة لايمكن نسيانها او تجاوزها . ولايفوتنا التطرق الى عمليات الهجرة واللجوء الى دول الجوار وغيرها التي اصبحت مشكلة تقلق العالم بأجمعه لما لها من تداعيات خطيرة في الحاظر و المستقبل , ويخيل الي ان الحكومة العراقية لاتملك خططا جدية لاعادة هؤلاء المهاجرين الى ارض الوطن .
على صعيد انجازات الحكومات العراقية المتعاقبة , فأن الشعب لم يلمس اي تقدم , فالخدمات مازالت متدهورة او غير موجودة اساسا , الكهرباء مثلا تاخر ولم يتقدم على الرغم من كثرة تصريحات المسؤولين , وكذلك مشاريع الماء وهذا الامر ينسحب على كل الخدمات وكل مايخص المواطن في عيشه اليومي .
المشاكل الاقتصاديه تفاقت فمعامل البلاد ومزارعها معطلة او متوقفة والبطالة منتشرة , وقد تحول العراق الى اكبر مستورد للبضائع الاجنبيه بدءا (بالطماطة) و انتهاءا (بالسيارات) . بنفس الوقت صرنا نسمع عن اختلاسات تحصل في هذا المرفق او ذاك او في هذه الوزارة او تلك , بأرقام فلكيه وبالدولار وهي على مايبدو اصبحت ظاهرة (حضاريه) , فكل يوم نقرا عن فضيحة جديدة حول شكل جديد من اشكال الاختلاس , ولم نسمع اطلاقا ان شخص ما احيل الى القضاء ونال الجزاء العادل واعاد المال المختلس , الشي الغريب هو هروب المختلسين مع الاموال التي اخذوها الى الولايات المتحدة بلد القانون و النظام و الحضارة ومبادىء حقوق الانسان .
كل مايجري على ارض العراق يجعل ملايين العراقيين ينتظرون مشروعا وطنيا للخلاص بعد ان اكتشفوا ان كل ما اشيع من شعارات كاذبه ومضللة انما هي مجرد سراب خادع .
ان مشروع اقامه الحكم المدني العلماني في العراق هو مفتاح الحلول , لان الدولة المدنيه لاتمثل طائفة ولاقومية ولامذهب , فهي دولة الجميع , تجمع كل العراقيين تحت خيمه واحدة اسمها العراق , بعيدا عن مشاريع الاقاليم والفيدرالية المشبوهة والمشكوك في نتائجها . ان مشروع الحكم المدني هو المشروع الوطني لكل عراقي , والذي يحكم بعيدا عن المحاصصات الطائفية والعرقية , ان اقامه المشروع الوطني المدني يحتاج الى تجمع كل العراقيين المؤمنين به ضمن اطار ووعي جماهيري , يشخص بجرأه الاخطاء التي ارتكبت بحق الوطن منذ عملية التغير حتى الان . لقد صرنا نسمع ونقرأ لبرامج احزاب جديدة تتشكل في البلاد , كلها تنبذ الطائفية والعرقية وتشجب طريق المحاصصة , هذا يعني اننا بدأنا نسلك الطريق الصحيح لنبذ ذلك النهج الذي جرنا الى التعاسه .
ان على العراقيين ان يرفضوا وبشدة تدخل الدين بالسياسه و ان يطالبوا بألغاء شعارات الدين السياسي التي كانت سببا في الكوارث . ان المشروع المدني الوطني ينادي كل القوى السياسيه الناشطة في الساحة العراقية بان تعيد النظر في رؤيتها للعراق ليكونوا مع عراق جديد مدني وطني علماني وليس مع اي مشروع اخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسارع وتيرة الترشح للرئاسة في إيران، انتظار لترشح الرئيس الا


.. نبض أوروبا: ما أسباب صعود اليمين المتشدد وما حظوظه في الانتخ




.. سبعة عشر مرشحا لانتخابات الرئاسة في إيران والحسم لمجلس الصيا


.. المغرب.. مظاهرة في مدينة الدار البيضاء دعما لغزة




.. مظاهرات في تل أبيب ومدن أخرى تطالب بالإطاحة بنتنياهو