الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحددات الظرفية و الثوابت التاريخية لثورة الملك و الشعب في المغرب (1/2)

بنعيسى احسينات

2008 / 8 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مدخل:
أمام تعدد الملاحم المغربية، و تنوع البطولات و المواقف الحاسمة للشعب المغربي وملكه، ورغم رصيدنا الحضاري الثمين و الغنى و ثراء تاريخنا بالأمجاد و المفاخر، فإن ثورة الملك والشعب بكل المعايير الوطنية و المعايير التاريخية ستبقى على الدوام، معلمة متميزة، شديدة الخصوصية على طريق الكفاح الوطني قل نظيرها عند الشعوب و الأمم.

و حتى لا يكون الحديث عن ثورة الملك والشعب في المغرب (20 غشت 1953 ) خطابا وتكرارا لما قيل عن هذه المناسبة العظيمة، سأتحدث عن ثورة الملك والشعب لا من داخلها بكل جزئيتها وخصائصها، بقدر ما سأتحدث عن إطارها التاريخي العام، أي عن محدداتها الظرفية وثوابتها التاريخية، لأن ثورة الملك و الشعب أصبحت جزءا من تاريخنا، إنها تراثنا الحي الجدير بأن يكون حيا في ذاكرة الأجيال، الملتصق بالحاضر، المتمثل للماضي، و الملهم للمستقبل.

و دورنا اليوم، هو تخليد هذا التراث النضالي الذي يسجل كفاح أبناء الشعب المغربي ملكا و شعبا، من أجل الاستقلال و الكرامة و التقدم.

إن ثورة الملك والشعب، تتمثل، من جهة، في تحدي و تصدي المغفور له محمد الخامس، لغطرسة، و تهديدات " جوان" و " كيوم " و رفضه لكل تنازل أو مساومة لسلطات الحماية، مما أدى إلى خلعه و نفيه مع أسرته في 20 غشت 1953. و من جهة أخرى، انتفاضة الشعب المغربي، وقيام الثورة المقدسة الشاملة المنظمة و الموجهة سياسيا وايدولوجيا، المتمثلة في أعمال الحركة الوطنية السياسية و المقاومة المسلحة و حركة الفداء و جيش التحرير، التي انطلقت في خريف سنة 1953 بعد حوالي شهرين من نفي الملك الراحل محمد الخامس. و نعرف أن هذه الحركة قد انتهت عمليا في خريف سنة 1955 مع عودة محمد الخامس، و إعلانه الاستقلال إثر وصوله إلى المغرب بكلمته الشهيرة: " لقد انقضى عهد الحجر والحماية، و بزغ فجر الاستقلال و الحرية " .

لقد دامت حركة المقاومة إذن ثلاث سنوات فقط، إنها مدة قصيرة في حياة الشعب، ولكنها مع قصرها أنجزت مهمتها و حققت الأهداف المتوخاة منها، و هي: عودة محمد الخامس، رمز الوحدة و المشروعية الوطنية لدولة المغرب، و الاعتراف بالاستقلال.

و بذلك كان المغرب في مقدمة الدول الإفريقية، التي حققت استقلالها بقوة السلاح، وفي أسرع وقت و بأقل خسارة. و هذا الانجاز السريع، الهائل، هو نتيجة لتلاحم الملك والشعب، و نتيجة لفعالية تنظيمات المقاومة و بطولات رجالها و مؤازرة الشعب كله لها.

سأتحدث الآن عن ثورة الملك و الشعب ضمن إطار تاريخي عام، و هذا ليس مما يقلل من أهميتها. بل بالعكس، إن اندراجها ضمن إطار تاريخي مغربي عام، معناه أنها ليست ثورة يتيمة أو صرخة في فراغ و لا ثورة رد فعل مؤقت، بل معناه أنها ثورة أصيلة متأصلة تجد كل مقوماتها في تاريخ المغرب الأصيل، و ليست طارئة عليه، ولا مستوردة إليه.


I . المحددات التاريخية الظرفية لثورة الملك و الشعب في المغرب
و لكي أبرز أهمية هذا النوع من النظرة التاريخية العامة لثورة الملك و الشعب سأبدأ أولا، باستعراض أهم المحددات التاريخية الظرفية، الداخلية منها و الخارجية التي أسست وهيأت ثورة الملك و الشعب من أجل الاستقلال.

إن ثورة الملك والشعب التي انطلقت في خريف سنة 1953، كانت تتويجا للكفاح الوطني الذي قاده الملك محمد الخامس و الحركة الوطنية، و الشعب المغربي منذ الثلاثينات، انطلاقا من الظهير البربري الصادر في 16 مايو 1930.

و قد تكفي الإشارة هنا، إلى أن عملية عزل محمد الخامس و نفيه سنة 1953 قد أخرجتها سلطات الاحتلال إخراجا مسرحيا جعلت فيه من زعماء القبائل، العملاء للاستعمار، الشخصيات البارزة على خشبة المسرح.

إذن فمن الضروري بمكان اتخاذ الحدث التاريخي المعروف بالظهير البربري، رغم ما قيل ويقال عنه، محددا تاريخيا ظرفيا أساسيا، نقرأ على جهاته المختلفة الأحداث التاريخية التي عرفها المغرب قبل وبعد فرض الحماية عليه، إلى حين استقلاله. و في الموضوع الذي يهمنا هنا، يمكن التأكيد على أنه بدون اعتماد هذا المحدد، أي الظهير البربري، سيبقى الحديث عائما مقطوع الصلة بالواقع.

إن الظهير البربري كان يراد به، كم يفهم في حينه، فصل المغاربة الذين هم من أصل " بربري أمازيغي " عن الدين الإسلامي، و إخضاعهم لحكم العرف المسمى بالأمازيغية " إزرف " وللأحكام القضائية الفرنسية، و بالتالي محاولة فرنستهم.

من هنا فإن الأبعاد السياسية و الدينية و الثقافية و الحضارية لهذا الظهير، كانت واضحة الخطورة على المغرب؛ واضحة الخطورة على كيانه التشريعي، و كيانه كدولة واحدة، و كشعب واحد تتحدد هويته الثقافية و الحضارية بانتمائه إلى القارة الإفريقية وإلى الوطن العربي بأبعادهما الجغرافية التاريخية و البشرية والدينية والثقافية.. لخ.

إن عمل سلطات الحماية، من خلال سياستها " البربرية " تلك، القائمة على مبدأ " فرق تسد " لم يسر في الاتجاه الذي كانت تسير عليه الأمور في الواقع. كان عملها في الحقيقة يسير في اتجاه معاكس تماما. و لذلك وجدت سياستها " البربرية " نفسها أمام مقاومة صلبة، صامدة. ليس من العرب فحسب بل من " البربر " أيضا. إنهم المغاربة جميعا الذين هبوا للدفاع ضد الاستعمار و سياسته، مباشرة بمجرد الإعلان عن" الظهير البربري " و قد سجلت مقاومة " الظهير البربري " من طرف الشعب المغربي، الميلاد الرسمي للحركة الوطنية. تلك الحركة التي ارتكز دورها في إيقاد الوعي الوطني في المغرب الحديث و التهابه. و برنامج الحركة الوطنية، التي قامت كرد فعل مباشر ضد...الظهير البربري...سيتمحور حول الدفاع عن ما استهدف ذلك " الظهير " مسه و النيل منه، و هو الدفاع عن وحدة الكيان المغربي، و عن هويته العربية السلامية الإفريقية، و عن سيادة الملك و شرعيته، و بما أن معاهدة الحماية التي فرضها الاستعمار الفرنسي على المغرب تنص هي نفسها، من جهة " على إنشاء نظام جديد في المغرب قوامه إحداث إصلاحات في الميادين الإدارية و القضائية، و التعليمية، والاقتصادية، و المالية و العسكرية...الخ..." و تنص، من جهة أخرى، على أن " هذا النظام الجديد سيحافظ على الوضعية الدينية، و على حرية الملك و مكانته الشرعية المعتادة، و على تطبيق الدين الإسلامي، و صون المؤسسات الإسلامية " ( المادة الأولى من المعاهدة ).

و بما أن هذه المعاهدة تنص على هذا و ذاك، فقد انطلقت الحركة الوطنية، من كون سلطات الحماية قد أخلت بالتزاماتها، فعلاوة على أن سياستها البربرية تمس مسا خطيرا ب " الوضعية الدينية " و ب " مكانة الملك الشرعية " و نستهدف ضرب الكيان المغربي في الصميم، أي في وحدته الوطنية، فهي اعني سلطات الحماية لم تقم بما وعدت به من إصلاحات تحديثية.

من هنا ارتكزت الحركة الوطنية في مقاومتها ل " الظهير البربري " على ثلاثة مبادئ، و هي: وحدة الأمة المغربية، و هويتها العربية الإسلامية الإفريقية، و سيادة الملك محمد الخامس بوصفه ملك المغرب ككل و المجسم لوحدته. هذه المبادئ التي سيتأسس عليها الوعي الوطني في المغرب، خلال فترة الثلاثينات و الأربعينات و الخمسينات حتى عودة محمد الخامس، و الاعتراف للمغرب بالاستقلال سنة 1956.

فإلى جانب هذا، نجد أن ثورة الملك و الشعب لم تكن تتويجا للكفاح الوطني الذي قادته الحركة الوطنية منذ الثلاثينات، بل كان أيضا تتويجا للتطور الداخلي الذي عرفته هذه الحركة نفسها: إن الانتقال من " دفتر المطالب الإصلاحية " الذي قدمته الحركة الوطنية الفتية سنة 1934 باسم " مطالب الشعب المغربي " و هي مطالب تستهدف خلق وضعية متطورة تمهيدا للاستقلال، إن الانتقال من هذه " المطالب " إلى " عريضة الاستقلال " سنة 1944، التي ترفض المحاولات الإصلاحية الجزئية، و نطالب بالاستقلال، جاء نتيجة لنمو و تطور الحركة الوطنية و انتشارها، مما مكن تجدر الحركة الوطنية داخل صفوف الجماهير، و ظهور قيادات محلية و إطارات وسطى من أبناء الطبقات الشعبية، مما أعطى لقيادة الحركة الوطنية التي كانت في الأصل نخبة مثقفة، تنتمي إلى البرجوازية الحضرية المدينية(سكان المدن)، قاعدة صلبة يمكن الاعتماد عليها في مواجهة تصعيد القمع الذي تمارسه سلطات الاحتلال.

و بالمثل فإن الانتقال من عريضة الاستقلال سنة 1944 إلى الكفاح المسلح سنة 1953 كان نتيجة لتطور وعي هذه الأطر الشعبية الشابة داخل الحركة الوطنية التي ألقى بقيادتها السياسة في السجون خصوصا بعد أزمة 1951 بين القصر و الإقامة العامة حيث "صرح كيوم " بقوله: ( بعد أن قطعت الذنب، ما بقي إلا الرأس و يسهل قطعه ). بمعنى، كان " كيوم " يصور المغرب بالحية، ذنبها هو الوطنيون، و رأسها هو محمد الخامس. هذه الأزمة التي توجتها سلطات الاحتلال بحادث 20 غشت 1953 المشئوم، حادث نفي محمد الخامس مع أسرته، و تنصيب آخر غير شرعي مكانه ( ابن عرفة ).

إن هذه الأطر الوطنية الشابة قد وجدت نفسها مضطرة لحمل الأمانة: أمانة التسيير بعد اعتقال القيادة الفكرية، و في نفس الوقت، وجدت نفسها مضطرة كذاك إلى الرد على التحدي الذي قامت به سلطات الحماية بعزل محمد الخامس الملك الشرعي بعمل تاريخي في مستوى هذا التحدي.

إن ثورة الملك و الشعب، كانت في الواقع حلقة من سلسلة العمل الوطني، السلسلة المتصلة الحلقات انطلاقا من 1930. هذه السلسلة في الحقيقة تمتد جذورها في ما قبل الظهير البربري1930 إلى ما قبل الحركة الوطنية السياسية، إلى ما قبلها من أعمال تدخل في إطار مقاومة الاحتلال قبل معاهدة الحماية و بعدها، و قد خلد التاريخ أسماء لامعة لمجاهدين أبطال قادوا معارك المقاومة المسلحة ضد جيوش الاستعمار الفرنسي و الاسباني من سنة 1907 إلى 1934 نذكر من بينهم، بكل فخر و اعتزاز، على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ ماء العينين في الصحراء، و ابنه أحمد الهيبة بناحية مراكش، و محمد أمزيان بالشمال، و موحا احمو الزياني في الأطلس و خنيفرة، و البوعزاوي في الشاوية، و أبو قاسم النكادي في تافيلالت، و عسو باسلام بآيت عطا، و المدني الخصاصي في سوس...و على رأس القائمة البطل العظيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي قهر جيوش دولتين من أعظم الدول الاستعمارية في عصره، و هما: فرنسا و اسبانيا. و هو أول من ابتدع جيش التحرير و ابتكر حرب العصابات المنظمة في العصر الحاضر. و بعده ( هوشي منه ) و ( ماوتسي تونغ ) و ( تيتو ) و ( شي غفارة ) من تلامذته الذين اقتبسوا منه تحرير بلادهم، في الفيتنام، و الصين أو يوغوزلافيا أو بوليفيا وكوبا في أمريكا اللاتينية.

في هذا الصدد، نقدم شهادة تاريخية، في حق ابن عبد الكريم الخطابي، صرح بها " ماوتسي تونغ " لوفد " فتح " من منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1971، قال: " رفقائي الأعزاء، أتيتم تزورونني لكي أحدثكم عن حرب التحرير الشعبية. في حين أن في تاريخكم المعاصر، يوجد ابن عبد الكريم الخطابي الذي هو من المصادر الرئيسية الذي تعلمت عنه حرب التحرير الشعبية ".

هذا التصريح عن قيمة ابن عبد الكريم الخطابي، لا يحتاج إلى تعليق، لقد استطاع بواسطة وسائله القليلة أن يحرر أربعة أخماس منطقة الاحتلال الاسباني في الشمال، كما كاد أن يحرر فاس، و هزم المارشال " ليوطي " حتى اضطرت الحكومة الفرنسية إلى عزله واستبداله بالمارشال " بيتان " معززا بأكبر جنرالات فرنسا، كما هزم أو أهلك أعظم جنرالات اسبانيا، و ضباطها الكبار، خصوصا في معركة أنوال الشهيرة، التي خسر فيها الاسبانيون حوالي 20.000 جندي.

و لم تنته هذه الحرب لصالح فرنسا و اسبانيا، إلا بعد أن عبأتا مجتمعتين 800.000 جندي كما سخرتا أكثر ما لديهما من مدفعية و دبابات و طائرات، و فرضتا حصارا شديدا مكثفا بأسطوليهما على شواطئ المغرب الشمالي بمشاركة الأسطول الانجليزي حتى لا يتسرب السلاح إلى المنطقة التي أصبحت معزولة برا و بحرا، شمالا و جنوبا، شرقا و غربا. و قد كان الأسطول البريطاني يلعب آنذاك الدور الذي يلعبه حاليا الأسطول الأمريكي في شواطئ لبنان.

و هكذا بعد قتال شديد، و نضال مجيد، استمر من 1921 إلى 1926 و رغم شجاعة المجاهدين و استماتتهم وقع محمد بن عبد الكريم الخطابي في الأسر، و تم نفيه مع أسرته إلى جزيرة " الرونيون " في المحيط الهندي.

و هكذا، ظل المغرب يحارب، و يقاوم من سنة 1907 إلى 1934 تقريبا 28 سنة. وهي معركة متواصلة، لم يحتفل الفرنسيون بإنزال المغربة سلاحهم إلا سنة 1934.

و من سوء حظ الاستعمار أنه لم تكد المقاومة المسلحة تنتهي حتى كانت المقاومة الوطنية السياسية، و حركة الفداء في المدن قد خلفتها انطلاقا من الثلاثينات. أي انطلاقا من مقاومة " الظهير البربري ".

إن ثورة الملك و الشعب، لم تتحدد بمحددات ظرفية وطنية خارجية، هناك على سبيل المثال لا الحصر، ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية، و قيام الأمم المتحدة، و تأسيس الجامعة العربية سنة 1945، و استقلال معظم الدول الشرق العربي، و تأسيس " مكتب المغرب العربي " بالقاهرة سنة 1947، و " لجنة تحرير المغرب العربي " برئاسة محمد بن عبد الكريم الخطابي في نفس السنة. هذه السنة التي تصادف و تزامن خطاب طنجة للمغفور له محمد الخامس، في 7 أبريل 1947، الذي أكد فيه حق المغرب في الحرية، و الاستقلال، ورغبته في الانتماء إلى الجامعة العربية و الأمم المتحدة، و قد حقق هذا الخطاب مكاسب مهمة جدا لقضية الاستقلال في الداخل و الخارج:

ففي الخارج، ازداد اهتمام المحافل الدولية بكفاح بلادنا و تعاطفها مع قضيتنا العادلة.

و في الداخل، كان رد فعل فرنسا منطلقا لوثبة نوعية جديدة في مسيرة الاستقلال، إذ أن سياسة القمع و المضايقات التي ينهجها الجنرال " جوان " ضد كل من الملك و الوطنيين المناضلين، لم تزدهم جميعا إلا التحاما و ثباتا في الاستمرار على خطتهم، و لم تزدهم إلا عزيمة في التحدي استعدادا للمواجهة الفاصلة. هذا، بالإضافة إلى الثورة المصرية سنة 1952 و اتجاهها التحريري و توجهاتها العربية، و بالتالي دور مصر جمال عبد النصر الإعلامي والمادي ( السلاح )... خصوصا في بداية انطلاقها. و أخيرا هناك أيضا دور الأحرار الفرنسيين داخل المغرب و خارجه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -سأهزم دونالد ترامب مجددا في 2020-.. زلة لسان جديدة لبايدن |


.. في أول مقابلة بعد المناظرة.. بايدن: -واجهتني ليلة سيئة-




.. فوز مسعود بزشكيان بانتخابات الرئاسة الإيرانية بنحو 55% من أص


.. القسام تنفذ غارة على مقر قيادة عمليات لجيش الاحتلال بمدينة ر




.. -أرض فلسطين بتفتخر بشعبها-.. غارات الاحتلال لا تزال تحصد أرو