الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب البلطة والسنبلة - نقد النقد

مهدى بندق

2008 / 8 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بقلمه السيال المتدفق ، انطلق زميلنا وصديقنا العزيز الدكتور وائل غالي في رحلة نقد مباركة لكتابنا الصادر حديثا ً " البلطة والسنبلة – إطلالة على تحولات المصريين " بالتوازي مع ما أثاره هذا الكتاب من معارك علي موقع شفاف الشرق الأوسط ، و يمكن للقارئ متابعتها عبر الرابط الآتي :
http://www.middleeasttransparent.com/article.php3?id_article=4225

والحاصل أن فصول هذا الكتاب ، سبق وأن ُنشرت منجمة ً بجريدتي " التجمع " و" القاهرة"
وبمجلات "قضايا فكرية" و" الثقافة الجديدة " و" تحديات ثقافية " وموقع "الحوار المتمدن" وما من شك في أن الدكتور
وائل قد اطلع عليها فصلا ً بفصل ، مؤجلا ً التعليق – وهذا حقه – لحين صدور الكتاب كاملا ً مكتملا ً.
وهاهو ذا يخرج اليوم على قارئنا بدراسته المعنونة " الدلالة الألسنية للبلطة والسنبلة " ( ننشرها بهذا العدد ) وهي دراسة خليقة بأن يعتز بمثلها أي كاتب لتفردها وجديتها ، رغم ما فيها من تضاد واضح مع المنهج السوسيولوجي الذي ارتضاه الكتاب ملائما ً لقضيته ، وهو تضاد كان حريا ًبحرف موضوع الكتاب عن غايته ، بل والوصول به إلي نتائج غريبة حقا ً ، سوف نشير إليها في موضع تال .
ذلك أن اختيار وائل للألسنية منهاجا ً وحيدا ً لدراسة البلطة والسنبلة ربما استقام لو كانت اللغة موضوع كتابنا ، وقتها ما كانت ثمة مندوحة من الاشتغال على تحليل العلاقة بين الدال والمدلول ، فهما
معا – كما قال فردينان دى سوسير – أشبه بورقة ذات وجه وظهر ، فأية محاولة لفصل هذا عن ذاك لابد مؤدية لتمزيق الورقة جميعا ً. لكن الأمر لم يكن هكذا مع البلطة والسنبلة من حيث حددنا غايتنا ومنهجنا ( جدليا ً ) من العمل في هذا الكتاب بما أثبتناه في مقدمته على النحو التالي :

منهجيا ً تزودنا لهذا البحث عن الهوية بعدسة السوسيولوجيا ، في ربطها الجـدلي ما بـين الثقافـة والسياسة والاقتصاد ، وذلك بخلاف النظرة السطحية التقليديــة ، التي بتوجهها الأيديولوجي
الدوجمائي، تنسب شعباً بأسره إلى بيت كبير ( برعو=الفرعون ) أو إلى عرق إثنولوجي ( العروبـة ) أو إلى عائلة ( الطولونيين، الفاطميين، الأيوبيين ...الخ ) أو إلى فئة ذات ُبعدٍ طبقي(المماليك) أو حتى إلى دين (المسيحية، الإسلام) ذلك أنه حين ينسب الجذر إلى الفرع، والأقدم إلى الأحدث ، والطبيعي إلى المصنوع ، والثقافي ّ المحايث إلي الوافد المثاقف ؛ فإن الخلل الفكريَّ الناتج عن هذا " التنسيب " لا غرو حريّ بالغطرشة على أية رؤية " علمية " تتحدى السائد الموروث في هذا السياق ، وهو خلل كان من حصاده المر وقوع كل الإمكانيات العقلية في أحابيل الأيديولوجيات المتعاقبة ، تلك التي ألقت بالمصريين في دوامات الحيرة والاضطراب عبر تاريخهم الممتد من عصر الأسرات الفرعونية وحتى الآن .
هذا البحث إذن هو محاولة للإجابة ( النسبية ) علي أسئلة المستجدات التي حرضت المصرييـن أن
يستبدلوا بوداعتهم الأصيلة (رمزها السنبلة ) العنفً الحاليّ ( وعلامته البلطة ) في إطار الأسئلة الأعم: من
نكون نحن المصريين ؟ وكيف صرنا إلي ما نحن فيه الآن ؟ وماذا نريد من عصرنا ؟ وهل ترانا قادريـن
علي تحقيق ما نريد ؟ وما هي العقبات الداخلية والخارجية التي تواجهنا وتحول بيننا وبين مرادنا ؟..الخ
أما الإجابة الأكثر دقة ً فرهينة ٌ بما سوف يفعله المصريـون بأنفسهم ، وبوطنـهم ، وبما يؤسسون
لمستقبل أبنائهم وأحفادهم في قادم الأيام ( إ.هـ )

في هذا المقطع حددنا الغاية بأنها " إطلالة – علمية – على تحولات المصريين " ،
و أردنا بالمنهج – واضحين تماما – " المنهجَ المادي التاريخي" ، بيد أن الدكتور وائل غالي
يبدي تشككه في قدرتنا علي المضي في طريق العلم لأننا ننكر الحتمية والسببية ، والعلم – من وجهة نظره – لا ينهض لغرضه بدونهما .. تلك رؤية بنيوية لا غش فيها ، وفي نفس الوقت هي خاطئة - من وجهة نظرنا - حيث تعتمد النسق System آلية ً وحيدة لفهم الكون والحياة والمجتمع .فالبنيوية قد تنجح في درس اللغة ( وليس الكلام ) باعتبارها نسقا ً متزامنا ً Synchronic محايثا ًلذاته ، لكنها تخفق حين تحاول درس " المتكلمين " : شعراء وفلاسفة وسياسيين ، متدينين وملحدين ، أبراراً وفجارا ً، قتلة ومقتولين، لصوصا ً ومسروقين ، علماء وجهلاء ....الخ ، بغض النظر عن العلاقة السيميائية بين الدال والمدلول التي تظل بمنأى عن سر الفكر ذاته ، والذي يبقى دائما ً كائنا ً مفترضا ًفوق لغوىّ، Meta-Linguistic نتصوره
ولا نراه ،وربما مثـّـل حوار ابن فارس مع أبي هاشم الجبائيّ مقاربة ً أولى لهذا السر في الثقافة العربية الإسلامية. هكذا يمكننا أن نفهم كيف يتكلم المصرين في حياتهم اليومية بلغتهم العامية المصرية Mother tongue ، مستندين إلى فكر لغة ثانية ، وافدة ٍ إليهم من الصحراء ، مكرسين بذلك ازدواجية غير مرفوضة ، بل مرحبٍ بها منهم ، مبرهنين بذلك على أن البشر ليسوا أحجار شطرنج يمكن التنبؤ بأفعالهم بنفس الدقة " العلمية " التي نعاينها في هندسة إقليدس أو في ميكانيكا نيوتن أو في قياسات " لا فوازيه " الكمية للكيمياء . في عالم البشر ثمة هامش للحرية ( وللتخلي الإرادي عنها أيضا ً ) ، يضيق أو يتسع تبعا ً لأفعالهم، المرتبطة بالطبع بأنماط وعلاقات إنتاجهم ، وهو هامش تؤكد وجوده في عالمنا البشرى انتفاءُ الحتمية في عالم ما تحت الميكرو, وأما السببية فهي تعمل أحيانا وتتوقف عن العمل أحيانا أخرى ( ما سبب خروج الإلكترون عن مداره داخل الذرة؟ ) هنا تتجلى السوسيولوجيا بكل غناها الديالكتيكي عملا تعاقبيا ً Diachronic وتلك هي وجهة النظر التاريخية .. كما تصبح هي – السوسيولوجيا أعني - العدسة َ التي راح بها صاحب البلطة والسنبلة يحدق إلي شعبه المصري في تحولاته وتبدلاته منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى يومنا هذا ، مؤكدا ً على حقيقة أن المصريين لم ينتجوا ثقافة إنسانية راقية إلا في المرحلة السابقة على تأسيس الدولة ، أما بعدها فلقد درجوا على استهلاك ثقافة أولي الأمر منهم سواء كانوا فراعنة أم إغريق أم رومان أم عربا ً ؛ وكيف للمحكوم المجبر أن يبدع ثقافته الخاصة التي بها يحقق ذاته ، وينمي ملكاته ، ويخطط مصيره ؟!
لكن شيئا ً من هذا لم يلفت الدكتور وائل غالي بقدر ما عناه أن ُيعارضنا بالمنهج البنيوي في نطاق اللغويات ، ومن هنا جاءت النتائج الغريبة التي احتوتها دراسته الشائقة ، فلقد أورد آراء في الأيديولوجيا ما من شك في أنها تعيدنا إلي زمن نابليون بونابرت حيث صك " ستوت دي تراسى " هذا المصطلح لأول مرة ، أو تذكرنا بالعصر الفلورنسي، حين طور "نيقولا ماكيافيللي" ذات المصطلح ، مشددا ً على أن "الحاكم المجدد هو من ينشر بين رعاياه وهما ً نسقيا ً كي يتمكن من الاحتفاظ بالسلطة " , ذلك ما حدا بوائل إلى القول :
الأيديولوجيا ليست وعيا ً زائفا ً بالنسبة لأصحابها ، لكنها تزيف وعي المجتمع ( أ. هـ )
طبعا ً الدكتور وائل يعتمد كذلك على هيجل ، لكنه يتجاهل ماركس ، من رأى في الأيديولوجيا وعيا ً زائفا ً يشمل الجميع دون فصل بين الذات والموضوع ، وفي رأينا نحن أن أحدا ً لا يصنع الأيديولوجيا كما لو كان ترزيا ً يفصل للزبائن سراويل أو قمصان ، وإنما
تنغرس الأيديولوجيا بين الناس بحكم الظرف التاريخي الذي يحتويهم ، وحين يأتي دور الشرط الذاتي فإنها تنبثق حية بفضل الصياغة ، لتؤطر ما استقر من مفاهيم وأعراف وسلوكيات في جملة "لغوية " واضحة ومقبولة، ومع ذلك وبفرض أن للأيديولوجيا أصحابا ً( = مؤلفين) فمن المحال عقلا ً أن يعمدوا إلى تزييف وعي المجتمع من دون أن يكونوا هم أنفسهم زائفين ،لسبب هيكلي هو أن صاحب الوعي الحقيقي والأصيل genuine يستحيل عليه أن ينشر الزيف بله أن يخترعه . ولو صح هذا لكان علينا اعتبار شخص مثل هتلر إنسانيا ً في أعماقه ، فاشيا ً مجنونا ً ونازيا ً قاتلا ً علي السطح حسب ُ ، إذن لوقعنا في أحجية من طراز القول بأن رجلا ً من مدينة كورنثة قال : كل مواطني كورنثة كذابون . فهو لو كان صادقا ً لكان كاذبا ً ( بحسبانه من مواطني المدينة الكذبة ) ولصارت عبارته كاذبة ، فيترتب على ذلك أن مواطني كورنثة قد يكونون صادقين ، بما فيهم الكاذب صاحب العبارة الصادقة ! وهذا كله هراء لا يعول عليه حتى وإن قال به جوبيتر نفسه ,
يشترط صاحب الدراسة النقدية لكتاب " البلطة والسنبلة " التسليم بالحتمية والثبات لضمان التفكير العلمي , ولأن هذه الدراسة " الوائلية الغاليّة " علمية ٌ حقا ً وصدقا ً فلا غرو أن تقبل الخضوع لمبدأ قابلية الدحض Falsifiability criterion عندها سوف نقول للدكتور وائل إنك اعتمدت على رياضيات وفلسفة القرن التاسع عشر ، بتأكيدك على صحة مبدأي السببية و الحتمية ، وهي رؤية تقليدية نقدها كارل بوبر و بول فيرابند في المجال الإبستيمولوجي ، وفي حقل الفيزياء الما بعد النيوتونية Post - Newtonism تم تجاوزها علي يدى أينشتين وديراك وماكس بلانك ودى بور . وأما في الفلسفة المعاصرة فلقد حمل سؤال َالحرية والإرادة الإنسانية كلا الفيلسوفين سير جيمس جونز ، وجون سيرل إلى مدارات العلم الأرحب حيث يركز الأول على ضرورة إعادة تعريف المادية ( فكريا ً ) بما يتلاءم وما كشفته الفيزياء الحديثة من تطابق في الهوية بين الكتلة والطاقة، وحيث يريد الثاني أن يكون المُدخل لفهم عمل العقل هو النيورولوجيا [ علم العصبويات ] في علاقتها الدياليكتيكية مع بيئة المرء الثقافية . وفي هذه الدراسات المعمقة ، والمعتمدة ليس على مجرد التأمل ، بل على آلية عبر التخصصية Inter- disciplinary في مجالات العلوم الحديثة والفلسفة المعاصرة ؛ يتراجع ديكارت وكانط و هيجل خطوات للوراء ، ويعاد اكتشاف ماركس وجان بول سارتر مجددا ً.
لست من المتخصصين في الرياضيات العليا ، وعليه فأنا لم أفهم بالضبط المقاطع التي أورد فيها د. وائل علاماته ورموزه عندما كان يتحدث عن العلاقات الخطية وغير الخطية في كتابنا، ومن ثم لجأتُ إلى "أهل الذكر " صديقنا وزميلنا في أسرة التحرير: المهندس الأستاذ الدكتور محمود رشدي ، الذي لفت إلي أن رموز د. وائل تظل معلقة في الفضاء ما لم ُ تطبق إمبريقيا ً على نص الكتاب .

ولا يزال الحوار متصلا ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تتطلّب اللياقة والقوة.. شاهد كيف تتدرّب لاعبة غولف في صالة ر


.. بلينكن: واشنطن تعارض معركة كبرى في رفح




.. مقتل أكثر من 300 شخص وإصابة مئات وتدمير أكثر من 700 منزل جرا


.. طالبة تهدي علم فلسطين لعميد كلية بيتزر الرافض لمقاطعة إسرائي




.. ناشط ياباني ينظم فعاليات غنائية وثقافية للتعريف بالقضية الفل