الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام السياسي ضد الدولة الوطنية (1)

نجاح بدران

2008 / 8 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"دون ان يكون الاسلام على قمة السلطة لن يصلح حال الامة" هذا ما يقوله الدكتور زغلول النجار الذي مدعى الاعجاز العلمي في القران، وهو قول يعبر بوضوح وجلاء عن الاهداف الحقيقية لجماعات الاسلام السياسي في المنطقة العربية والدول الاسلامية الاخرى. ولكن تباين وجهات النظر بين هذه الجماعات في نوعية السبل والطريقة التي باتباعها يتحقق هدف الوصول الى السلطة تمهيدا لتدمير الدولة الوطنية واقامة نظام الحكم الاسلامي الشامل.
وقد بينا في مقال سابق " نشر تحت عنوان " هل يحق للاحزاب الاسلامية المشاركة بالعملية الديمقراطية" كيف انه لا يجوز اتاحة الفرصة للاحزاب الدينية التي لا تؤمن بالديمقراطية المعاصرة الاستفادة مما تتيحه هذه الديمقراطية من حريات ،وذلك لان هدفها النهائي هو تقويض النظام الديمقراطيي واستبداله بنظام ثيوقراطي مستبد، وهو نظام حكم فردي وراثي تسلطي يستمد الحاكم فيها سلطته وشرعيته مباشرة من الإله.ويحيط به طبقة حاكمة من الكهنة أو رجال الدين. و لا يجوز لأحد مخالفة الحاكم في هذا النظام باعتباره خليفة الله على الارض ، ومن يخالفه كمن يخالف الله . ويحرم شرعا كما نقل المحدثين القيام عليه او نقده او تنحيته او معارضته.
وهذا النظام الذي تدعو اليه الاحزاب والتيارات والجماعات الاسلامية كما بينا يتعارض معارضة مطلقة مع النظام الديمقراطي . فجماعات الاسلام السياسي تسوغ لنفسها التحدث باسم الامة ، وتنصب من نفسها محامية عن الهوية الاسلامية نفسها ، وتمنح نفسها حق الاجمال والشمول والعموم، حتى في مواجهة غيرها من الفرق والجماعات الاسلامية، وتدعي انها تمثل الجماعة وانها مخولة بالانابة عنها ، وهي مفوضا ام التفويض صلاحيتها مطلقة وغير مقيدة وليس لها حدود.
واي جماعة هذه منطلقاتها العقيدية تكون هي المجتمع والدولة معا (الشعب – الامة – الارض – الوطن) وهي صاحبة الحق بالتشريع (سلطة تشريعية) وهي المنفذ الوحيد (السلطة التنفيذية) وهي قوة المحاسبة واصدار الاحكام (السلطة القضائية) وهي المخولة بتحديد علاقات الوطن بالخارج وهي المعنية بالقيام بعمال الدفاع عن الوطن واعمال الشرطة (توفير الامن الداخلي)
وهي في كل ذلك تستمد هذا التفويض من الله.
ولما كان الاسلام دينا كونيا يجب ان يعم كل بلاد وشعوب الدنيا فيجب ان يكون للبلاد المسلمة حاكما واحدا (خليفة ، امير مؤمنين، سلطان الخ) له الولاية السياسية والقانونية على كل بلاد المسلمين مما يعني نفيا تاما للدولة الوطنية ، فكل اقاليم بلاد المسلمين تخضع لحاكمية واحدة مطلقة السيادة.
وتنشط احزاب الاسلام السياسي في الكثير من بلاد العرب والمسلمين لاقامة هذا النظام الكوني" والغاء الدولة الوطنية سواء بالقوة ان استطاعت لذلك سبيلا او عن طريق الحوا "على المعنى الذي يحمله عليه أحد الفقهاء اللبنانيين الإماميين، وهو المفاصلة، والحصار الصبور، واصطناع قواعد علاقة تسند ميزان القوى المائل، والإكراء المتقنع بقناع الإلزام، والاستيلاء المراوغ على مراحل، على ما نصحت به وأشارت كتب الحرب «الإسلامية». (وضاح شرارة – الحياة ).
ومنذ اكثر من قرنين وهذه الجماعات تجتهد في ايجاد وسيلة لتكييف معتقداتها لتتناسب مع مفهوم الحوار بعد ان نمت الدول الوطنية وامتلكت من القوة ما يحول دون هذه الجماعات ودون استيلائها على السلطة بالقوة. وامام اندحار نظام الحكم الثيوقراطي الاسلامي امام تفوق الدولة الوطنية الاوروبية ، فحاول بعض المفكرين الاصلاحيين امثال (رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده) اصلاح نظام الحكم الاسلامي ممثلة بالسلطنة العثمانية. فانتقدوا بشدة الاستبداد ودعوا الى الحرية واكد الطهطاوي والتونسي انه لا يمكن تحقيق العدل والحرية الا من خلال الدولة الوطنية. ودعا الافغاني في سعيه لاصلاح السلطنة العثمانية الى الشورى واللامركزية ورفض الاستبداد.
وذهب محمد عبده مذهبا ابعد من استاذه الافغاني فركزعلى ان الاصلاح لا يحقق الا من خلال اقامة نظام مدني يفصل بين الدين والسلطان، مؤكدا على ان الاسلام نظام مدني وليس سياسي.
واشاع هؤلاء المصلحون اجواء من المرد على السلطان المستبد في الاستانة، وتصاعدت الدعوة الى فك العلاقة بين السلطة السياسية والدين وتخليص النشاط السياسي من استبداد رجال البلاط من "الكهنة" رجال الدين واقامة نظام دستوري ونشر ثقافة الحرية.

لكن رشيد رضا تلميذ محمد عبده انقلب على استاذه وعاد ليؤكد على مبدأ الخلافة وكان كتابه (الخلافة او الامامة العظمى) هو النص المؤسس لدعوة العودة للخلافة .
وقد استرجع رضا نصوص الماوردي وابن تيمية وابن القيم لينتج خطابا تقاطع بشكل تام مع الدعوة الاصلاحية وكان خطابه هو الاساس لفكرة الدولة الاسلامية التي صاغها حسن البنا ومن بعده منظروا ومفكروا جماعة الاخوان المسلمين.
وبذلك عادت المنظومة الفكرية الاسلامية لتخلى عن الدولة الوطنية ، وتضعها هدفا معاديا يجب القضاء عليها. وتخلت عن منظومة المفاهيم السياسية الليبرالية الحديثة الي دعا اليها شيوخ الاصلاح وابرزهم محمد عبده لتتحول إلى منظومة السياسة الشرعية.
لكن افكار رضا وجدت من يعارضها بشدة ومن ابرزهم الشيخ الازهري علي عبد الرازق الذي راى ان لاسلام بريء من فكرة الخلافة .
وقال ان الخلافة نظام يقوم على سلطة مطلقة لا شرعية لها من وجهة نظر الاسلام ، والحكومة هي ذات طابع سياسي مدني، والخلافة والقضاء وغيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة ليس لها علاقة بالجانب الديني وانما هي خطط سياسية صرفة تم بالاستناد الى احكام العقل وتجارب الامم وقواعد السياسة.
وتلتقي وجهة نظر عبد الرازق مع ابن خلدون الذي يميز بين ثلاثة انماط للحكم هي " الملك الطبيعي، والملك السياسي، والخلافة. وعرف الخلافة بأنها حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها"، ولم تتحقق الخلافة إلا في عهد الخلفاء الراشدين ثم تحولت إلى ملك".
وفي ذات الوقت ظهر تيار الاخوان المسلمين بزعامة حسن البنا الذي خاض معركة ضارية في عشرينات القرن الماضي في مواجهة دعوة الفصل بين الدين والدولة.
ويقول البنا في رسائله" إن الإخوان المسلمين يعتقدون أن الخلافة من الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام ، وإنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها والاهتمام بشأنها. والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، والأحاديث الواردة في وجوب نصب الإمام وبيان حكم الإمامة وتفصيل ما يتعلق بها لا تدع مجالا للشك في أن واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم منذ حورت عن مناهجها ثم ألغيت،
ولكن حسن البنا لم يحث على اقامة الخلافة على الفور وانها مسالة مؤجلة ، لذا فالإخوان المسلمون يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن الأمر يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لا بد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لا بد أن تسبقها خطوات. فلا بد من تعاون عام ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد. ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا تم ذلك للمسلمين نتج عنه الاجتماع على "الإمام" الذي هو واسطة العقد.
ويحرص الإسلاميون المعاصرون - وبخاصة الذين يستندون إلى فكر حسن البنا وتراث الإخوان المسلمين- على التشديد على الفواصل والتمايزات بين مفهوم الدولة الإسلامية ومفهوم الدولة الدينية، فالثانية غريبة عن تعاليم الإسلام وتجربته السياسية.
بل ونجد نصوصا للبنا ذات موقف إيجابي من الدستور كوثيقة وعلاقة سياسية، وإن كان يقدم ملاحظات انتقادية على الدستور المصري فيقول "إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة وعلى مسؤولية الحكام أمام الشعوب ومحاسبتهم على ما يفعلون، وبيان حدود كل سلطة من السلطات. هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم. ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاما آخر".
وأصل مفهوم الدولة لدى البنا يرجع إلى الإسلام ذاته، فطبقاً لما سماه الفهم الشامل للإسلام أو ما أطلق عليه إسلام الإخوان المسلمين، يصبح تصور الدولة ركناً من أركان فهم الإسلام. "والحكومة في الإسلام تقوم على قواعد معروفة مقررة، هي الهيكل الأساسي لنظام الحكم الإسلامي ... فهي تقوم على مسؤولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها". و"النظام الإسلامي في هذا لا يعنيه الأشكال ولا الأسماء متى تحققت هذه القواعد الأساسية التي لا يكون الحكم صالحاً بدونها، ومتى طبقت تطبيقاً يحفظ التوازن بينها ولا يجعل بعضها يطغى على بعض. ولا يمكن أن يحفظ هذا التوازن بغير الوجدان الحي والشعور الحقيقي بقدسية هذه التعاليم".
وفق هذا المنطق الذي يرى بالتدرج وسيلة للوصول الى اقامة الدولة الاسلامية يسعى الاخوان المسلمين للمشاركة بالسلطة ، والاستفادة من الديمقراطية كخطوة لا بد منها لالغاء الدولة الوطنية واقامة النظام الاسلامي الشامل.
وللحديث بقية
نجاح بدران
[email protected]










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال


.. القوى السياسية الشيعية تماطل في تحديد جلسة اختيار رئيس للبرل




.. 106-Al-Baqarah


.. 107-Al-Baqarah




.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان