الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المؤسسات في زمن الانقسامات

خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

2008 / 8 / 10
المجتمع المدني


عندما يهدد الخطر مشروعنا الوطني برمته، وتجتاح بلادنا رياح الفتنة والانقسام، وتحاصرنا الازمات، وتضيق في وجهنا فسحة الامل، يكون من الطبيعي علينا كجماهير شعبية ان نتساءل وبشدة، عن دور كل مكونات المجتمع-- من قوى ومؤسسات واتحادات شعبية—وما تقدمه في معركة الدفاع عن المشروع الذي قدمنا جميعا فداء له ومن اجل تحقيقه، عشرات بل مئات الاف الشهداء، وما تفعله تلك المكونات من اجل حماية اسس نظامنا السياسي الفلسطيني-- الحريات والحقوق الديمقراطية-- كان شعبنا قد اكتسبها خلال مسيرة كفاحه العنيد طوال عشرات السنين.
وانا هنا لن اتطرق لدور القوى السياسية ليس لاني اريد اعفاءها من مسئوليتها في التصدي للمخاطر وفي قيادة الفعل الشعبي.. ولكن لاني اريد ان اسلط الضوء على دور مؤسسات المجتمع المدني-- التي ولدت او تم بناءها جميعا لتحقيق جملة من الاهداف، يقع في صدارتها الاسهام في الجهد الوطني لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني، في التحرر والاستقلال والعودة، وكذلك هدف بناء المجتمع الديمقراطي الفلسطيني الحر، الذي تسود فيه قيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، الى جانب مهمتها في تقديم ما يعزز صمود الجماهير من خدمات متنوعة عبر البرامج والمشاريع التنموية.
ان وجود هذه الاهداف في الرؤيا والرسالة الخاصة بكل مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني-- يفترض بتلك المؤسسة بل يكون ملزما لها ان تقدم اسهاما ملموسا في معركة الدفاع عن المشروع الوطني والدفاع عن الحريات والحقوق الاساسية للمواطن الفلسطيني، وهي المعركة التي تجري حاليا والتي تتطلب حشد كل الجهود من اجل الظفر بها لحماية قضيتنا من التصفية والضياع.
لكن يبدو ان حالة الانقسام الخطيرة قد اثرت بشكل كبير وملموس على جزء واسع من مؤسسات المجتمع المدني، حيث اصبح هذا الجزء منخرطا في عملية الانقسام، وبالتالي انحرف عن الطريق التي كان من الواجب عليه سلوكها-- كموحد للطاقات ومفعل لدور الجماهير وحامي لقيم ومثل الديمقراطية-- ليتحول عمليا الى جزء من آلة الانقسام.. كما ان جزء اخر من مؤسسات المجتمع المدني-- وامام اجواء العنف والتصعيد المتبادل بين اطراف الصراع، والمحاولات المحمومة لزيادة الاستقطاب-- ارتاى ان يقف جانبا ليراقب الاحداث عن بعد، محافظا على مسافات متساوية من طرفي الصراع، وهذا الجزء ايضا فقد ما يجب ان يتصف به من الجراة في نقد الاخطاء، والدفاع عن القيم والمثل ضد كل من ينتهكها وكل من يعرض المشروع الوطني للخطر.. وهناك جزء ثالث من المؤسسات يرى ان من صلب مهماته لعب دور اساسي وحيوي في التصدي للمخاطر الراهنة، التي تعصف بالمشروع الوطني التحرري، وتهدد كل المكتسبات والحقوق الديمقراطية للشعب، وهذا الجزء يعتبر ان من اولى مهماته العمل على توسيع دائرة عمله، ليجذب من تراخى من المؤسسات، ويؤثر اكثر على من انخرط في حالة الاستقطاب، ويحفز القوى السياسية، ويستخدم كل ما لديه من علاقات وتاثير بين الجماهير-- وتوظيف كل ذلك-- في معركة الدفاع عن المشروع الوطني، والدفاع عن الحريات والحقوق الاساسية للجماهير.
وقد تجلت هذه الصورة وهذا الوصف لمؤسساتنا الاهلية خلال الاجتماع الموسع الذي عقد في مقر الهيئة المستقلة لحقوق المواطن في رام الله يوم الخميس 7/8/2008 ، ، حين التقى ممثلوا العشرات من المؤسسات الاهلية، التي ابدت استشعارا كبيرا بالخطر، واقرت بضرورة قيامها بدور واضح وملموس، في معمعان الصراع الداخلي الدائر على الساحة الفلسطينية، لتكون اداة بناء لوحدة الوطن والشعب، واداة ضغط على كل من يهدد المشروع الوطني للخطر، وكل من يمس بالحريات وبالحقوق الديمقراطية للانسان الفلسطيني، وقد برز بالتاكيد ان هذه المؤسسات لا تسعى من اجل ترسيخ توازن مصالح بين اطراف الصراع ( وهو ما يعمق الاستقطاب )، بل من اجل تحرير كل الطاقات الوطنية-- وفي مقدمتها طاقات طرفي الصراع-- وتوظيفها جديا في خدمة المصالح الوطنية العليا للشعب.. كما وبرز ان هذه المؤسسات لا ترى نفسها ابدا محايدة في الصراع الدائر، وهي ترى انه ان الاوان ويجب عليها تحريك الشارع وفق خطة عمل تصاعدية، لتوجيه اشد الضغوط على كل من يرفض الامتثال لراي الشعب، ويدير ظهره للدعوة التي وجهها الرئيس ابو مازن للحوار الوطني الفلسطيني الشامل، باعتباره الطريق الوحيد والامثل للوصول إلى صيغة اتفاق لإعادة الوحدة للنظام السياسي الفلسطيني، وهو ( وكما اكدت المؤسسات ) يتطلب من جميع الاطراف درجة عالية من المسؤولية الوطنية، للتوصل إلى صيغة اتفاق سياسي تعالج القضايا الراهنة، من خلال الاتفاق او التوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية، تأخذ على عاتقها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تضمن وحدة النظام السياسي، بالاضافة الى الشروع بعملية اعادة بناء وتوحيد اجهزة الامن على اسس وطنية مهنية.
ومن اجل توفير عوامل النجاح لهذه الخطة.. فقد ارتات تلك المؤسسات ضرورة بدء اطراف الصراع تنفيذ سلسلة خطوات على الارض، توفر المناخ الملائم للحوار، باطلاق سراح المعتقلين السياسيين-- والتعهد بالامتناع مستقبلا عن ممارسة هذا الانتهاك الخطير لحقوق الانسان-- وكذلك وقف الحملات الاعلامية التحريضية والاتهامات والشتائم المتبادلة، وفتح كل المؤسسات المغلقة واعادة كل ما تم مصادرته منها.
ان تقدم مؤسسات المجتمع المدني بموقف لمعالجة حالة الانقسام، واعلانها الاستعداد للقيام بدور فاعل وجدي، هو تطور كبير في حياة هذه المؤسسات.. ومن المؤكد ان تحويل هذه المواقف الى افعال على الارض، سيعيد الى هذه المؤسسات طابعها الجماهيري، وسيمكنها من تحقيق التاثير على مجمل الحياة السياسية في البلاد-- وهما الامران اللذان كشفت الانتخابات التشريعية الاخيرة عن ضعفهما وهشاشتهما-- ولكن اطلاق المؤسسات لحملة المصالحة الوطنية والدفاع عن الحريات، سيكون بحاجة الى قيام تلك المؤسسات باعادة تعريف نفسها كمؤسسات للعمل الجماهيري-- لا الى مؤسسات تحصر مهمتها في اطار تقديم الخدمة للجماهير فقط-- وكذلك الى شروع تلك المؤسسات بتجنيد كل امكانياتها وطاقاتها البشرية والمادية، وتحصين نفسها ضد احتمالات التاثير الخارجية، والاستفادة من تنوعها وانتشارها الجغرافي، كي تسهم في توسيع حيز حركتها ويشمل كل التجمعات السكانية الفلسطينية بدلا من ابقائه محصورا في المركز، وذلك من خلال جملة واسعة ومتنوعة من الانشطة-- تتخذ شكلا تصاعديا-- كتنظيم المسيرات والاعتصامات وتوقيع العرائض ورفع المذكرات وعقد الندوات والمؤتمرات.
ان تحرك المؤسسات بالتعاون والتنسيق مع القوى السياسية الغير منخرطة مباشرة بالصراع، سيشكل حتما عامل تحفيز كبير لتلك القوى السياسية وسيساعدها في الخروج من حالة المراوحة التي تعيشها، ومن نهج الاكتفاء بدور الشريك الصغير في اللعبة السياسية الفلسطينية-- ومن المفترض ايضا ان هذه المؤسسات ومن خلال انخراطها الكبير في حياة الجماهير، وبما تقدمه من خدمات حيوية، ان تلعب دورا اساسيا في تنفيذ هذه الخطة، الامر الذي يتطلب من قادة تلك المؤسسات الادراك بان اللحظة التاريخية لتحقيق جزء من رؤى ورسالات مؤسساتهم قد حانت، وانهم بامكانهم الان وضع اهم لبنات بناء حركة اجتماعية قادرة على تحقيق التغيير المنشود في النظام السياسي والمجتمعي الفلسطيني.

مخيم الفارعة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل


.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل




.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق