الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسون والمجتمع المُغيب

صاحب الربيعي

2008 / 8 / 10
المجتمع المدني


يبرز المجتمع المتخلف نخبه السياسية الجاهلة فيعكس جوهره الحقيقي، كذلك المجتمعات المتحضرة تعكس نخبها الواعية التي تقود مؤسسات سياسية (لا كيانات حزبية) تستقطب في صفوفها الكفاءات العلمية والثقافية لإعداد البرامج التنموية وتطوير المشاريع العمرانية لزيادة رفاهية المجتمع. هذا التوجه المؤسسي للأحزاب وقياداتها على المستوى الداخلي يعد بمثابة مرآة تعكس جوهر المجتمع على المستوى الخارجي، فالجتمعات تُحترم من خلال نخبها وقادتها فإن كانوا على قدر من المسؤولية والكفاءة نالت مجتمعاتهم الاحترام والتقدير من الآخرين.
وبخلافه فإن المافيات الحزبية القابضة على الكيانات الحزبية في الدول المتخلفة لاتنال سوى الاحتقار والازدراء على المستوى الخارجي مما ينعكس سلباً على المجتمع ذاته. إن وعي المجتمع بمصالحه يعني لفظه لقياداته السياسية الجاهلة وتوجهاتها لصالح مؤسسات سياسية تقودها نخب وكفاءات علمية وثقافية مؤهلة لقيادة الدولة والمجتمع.
يتساءل (( أورهان باموق ))" كيف نشرح للبائسين من البشر، أنه ثمة سر مازال مخفياً ويجب عليهم أكتشافه في دهاليز ماضيهم، داخل بقايا ذاكرتهم، بين الكلمات والجمل، وعلى شاطئ النسيان؟".
هناك صعوبة بالغة في اقناع مجتمع يعاني من الجهل والتخلف بضرورة التفكير بمصالحه، لا بمصالح قادته من السياسين، استخدام عقله دون عاطفته، الامتناع عن السير وراء السياسين المخادعين، والاستماع لنخبه الحقيقية من المفكرين والمثقفين للارتقاء بمستوى وعيه!. إن الصرع الحقيقي هو بين الصفوات غير المتكافئة (السياسيون والمثقفون) على إحكام السيطرة على المجتمع، فالسياسيون الذي يمتلكون وسائل العنف والاعلام يسعون لاضطهاد المثقفين واستخدام وسائل الاعلام للتعريض بهم وتجهيل المجتمع للسيطرة عليه لأمد غير محدود. والمثقفون يناضلون على جبهتين، جبهة التصدي ضد السياسين من الجهلة والأميين، وجبهة التصدي ضد تخلف وجهل المجتمع.
تعمد الكائنات الحزبية على تنفيذ أجندة قياداتها لتكريس الجهل في المجتمع، وبغياب الوعي الجمعي بمصالحه، والإنصياع للعاطفة دون العقل، تنجب كائنات معطلة التفكير، خائفة، ذليلية...تعبد أصنامها من السياسين، تطيعها بشكل أعمى في خوض معارك طاحنة ضد الفئات المنافسة. هكذا مجتمعات مُغيبة ومهزومة تبحث في ركام أوهامها عن المنقذ، لأنها مخدوعة، تبحث في لاوعيها عن انتصارات كاذبة تنقذها من هزيمتها ونكوصها الازلي.
يصرخ (( أورهان باموق )) بهكذا مجتمع منادياً:" يا مهزومين، يا مسحوقين، يا معلونين، يا منسيين!. ألا تخشوا، ألا تستحوا!. لا أحد هنا هو نفسه... لا أحد. ولا حتى الملوك والسلاطين والمشاهير والسياسين والأغنياء الذي تتمنون أن تكونوا مثلهم، أبحثوا عن كلمة السر في قتلهم لتعرفوا سر وجودكم".
إن المجتمعات التي تعاني من الاضطهاد والفقر لأمد طويل يتعطل تفكيرها، ويختل وعيها الجمعي، لتصبح سهلة الانقياد، ساذجة في طروحاتها وتحليلها وتقبل بالتبريرات الواهية، قيمها الجيدة تتلاشى شيئاً فشيئاً لتحل مكانها قيم سيئة، تبحث في الغيبيات سبيلاً لخلاصها. تعتدي وتضطهد وتقتل علماءها ومفكريها ومثقفيها، ويضعف ولاءها الوطني، وتصفق لمضطهديها وقاتليها ومجرميها. المجتمع المتخلف بيئة مناسبة لتفقيس الكيانات الحزبية الساعية للهيمنة على مؤسسات الدولة والمجتمع، لتجعلها ممتلكات لمافيات حزبية وتسخر مواردها لشراء الذمم وتجهيل المجتمع وإطفاء مراكز إشعاع الوعي.
يعتقد (( أورهان باموق ))" أنه في بلد المهزومين، سيغير الكثير جلودهم، لن تعرفوهم..أخذوا حذركم.. إنهم مخادعون، لايؤتمنون..إنهم قتلة ولصوص".
إن المجتمعات الجاهلة بمصالحها، لاتعي حجم الخسارات وقلة المكاسب التي تجنيها، تسعى لتبرير بؤسها وفقرها، وتبرر أكثر رفاهية وغنى قادتها السياسين!. هكذا مجتمعات لايمكن أن تستيقظ من غفوتها دون أن تغرق حتى أذنيها في بحر الدماء والفقر لتصبح مستجديةً العون والخلاص بأي ثمن لكن دون جدوى، لقد أرتضت منذ البداية بواقعها وضيعت فرصاً لإنقاذها، أرتضت بقادتها السياسين من الجهلة والأميين.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: الأوضاع في غزة كارثية ج


.. جهاز الشاباك: حذرنا بن غفير والأمن الوطني من استمرار الاعتقا




.. شهادات أسرى غزة المفرج عنهم حول التعذيب في سجون الاحتلال


.. مواجهة شبح المجاعة شمالي غزة بزراعة البذور بين الركام




.. مدير مستشفى الشفاء: وضع الأسرى في السجون الإسرائيلية صعب ومأ