الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآنيون بين مطرقة غياب المنهجية وسندان تجميل القبيح

محمد أبوسالم

2008 / 8 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عقودٌ مرت منذ بدأ د. أحمد صبحي منصور دعوته التي أعجبت بها كثيرًا في بداية حياتي الجامعية، ولا شك أنها أسهمت في إراحتي وقتها من الحيرة التي كانت تعتريني والأفكار التي كانت تتنازعني بين ما رأيته يوافق المنطق السليم وما يؤكدون أنه يوافق صحيح الدين، ولولا إصراري وقتها على البحث والدرس لكنت من أتباع هذا التيار الآن، ولكنني اصطدمت حقيقةً بغياب المنهجية في فكر القرآنيين بشكل كبير، وأن صعود هذا التيار بعد قرونٍ طوال من اندثاره مرتبط في الأساس بتغيرات اجتماعية وثقافية وأخلاقية خلقت عوار في مذهب أهل السنة، وقبحت ما كان مقبولاً منهم قبل ألف سنة، وسأوضح في هذا الموضوع رأيي بشكل مفصل.


نبذة تاريخية
قِدم منكرو السنة

منذ بدايات القرن الثاني الهجري وقد ظهر من أنكر السنة والرواية بدرجات متفاوتة، فمنهم من أنكر أحاديثًا وروايات وأقر غيرها كالشيعة، ومنهم من أنكر بعض ما ورد ببعض الأحاديث كإنكار المعتزلة لرؤية الله أو للشفاعة أو إنكار بعضهم لحد شرب الخمر ورفض بعضهم للعمل بأحاديث الآحاد، ومنهم من يعتبره أهل السنة منهم برغم إهماله للحديث والرواية بشكل كبير في الفتيا مثا الإمام أبي حنيفة النعمان، حتى أسموه بصاحب الرأي، وما يؤكد وجود منكرو السنة كمجموعة وليس كأفراد كتاب الإمام الشافعي (جماع الكلم) والذي أفرد فيه بابًا بعنوان (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها)، ولكن بعد استتباب الأمر لأهل السنة والجماعة إختفت الكثير من الفرق والطوائف ومنها القرآنيون، وهناك من ينسب بعثتها مرة أخرى لبعض مسلمي الهند مثل مولوي عبد الله جكرالَوي مؤسس جماعة (الذكر والقرآن) ولكني لم أقف على تفصيل ذلك، وتعتبر بعثتها الحقيقية في مصر مع جمال الدين الأفغاني وتلميذه رشيد رضا ثم محمد عبده ثم تلاميذه وهم كثر، ولكن أهمهم في رأيي هو د. طه حسين، لأنه من استطاع أن يعطي لإنكار السنة بعدًا علميًا بعد تأليفه لكتاب (في الشعر الجاهلي) والذي كان بمثابة فتح في هذا النوع من الدراسات، ويمكننا القول أنه استطاع بمنهجية جيدة إثبات انتحال الشعر الجاهلي والحديث، أو أغلبهما على أقل تقدير، ولم ينقطع وجود منكري السنة من بعد طه حسين أبدًا، ولكنهم كانوا دومًا أفرادًا وفي الأغلب من الباحثين أو المختصين، ولم تلق دعاواهم أي صدى، حتى د. أحمد صبحي منصور تناقل الناس حكايته في تندر وعجب وقتها، ولكن ما حدث في العقود التالية لم يكن في الحسبان، فقد كانت ثورة المعلومات ..

إن مذهب أهل السنة والجماعة في رأيي هو أضعف المذاهب الإسلامية وأكثرها هشاشة، وأغلب علومه إذا استثنينا علوم الحديث هي علوم تعتمد على التوفيق الذي يصل في أغلب الأحايين لحد التلفيق، وما انتصارهم على خصمهم العتيد ذو المنهجية الراسخة (المعتزلة) إلا لظروف سياسية لا علاقة لها لا بالفكر ولا بصحيح الدين، وما محاورة ابن حنبل مع المعتزلة والتي أعلنت انتصار أهل السنة عندما احتج فيها بسكوت الرسول والصحابة عن مسألة خلق القرآن سوى مهزلة منطقية، إنه في الحقيقة لم يحاورهم، ولم يكن ليستطيع، وما مسألة خلق القرآن بأهم أسس الفكر المعتزلي لينهدم مذهبهم بسببها، ما أود قوله هو أن أهل السنة لم يهيمنوا على الدولة الإسلامية كمذهب رئيس إلا لأسباب لا علاقة لها بصحة مذهبهم، وإنما بموافقته لتوجهات الحكم، ومصالحته الدائمة مع السلطة بعكس أغلب المذاهب الأخرى، ومنذ ذلك الحين جهد أهل السنة في الترسيخ لبقاء مذهبهم بأسوأ أنواع الإرهاب الفكري، وكفروا كل الفرق الأخرى تقريبًا، بل وكفروا كل من تسول له نفسه مخالفة مذهبهم بإرساء قواعد عدة مثل (المعلوم من الدين بالضرورة) واعتماد حملة إعلامية ضخمة ضد كل مخالفيهم تمثلت في تسميتهم لهم بأسماء ذات دلالات سلبية (الشيعة-الروافض) (القرآنيون-منكرو السنة) (المعتزلة-المتكلمين) ، وبالفعل كان لهم ما رأدوا، حتى بدأت الحضارة الإسلامية المحتضرة تتصل بالحضارة الغربية الفتية إبان مشروع محمد علي النهضوي، وأدرك أهل السنة أنهم لا قبل لهم بهذا، فبدأوا حملات مضادة بحجة الحفاظ على الدين والهوية والتراث والأخلاق وخلافه، وساعدهم الجهل المتفشي من جهة، وتزييفهم لأفكار خصومهم من جهة أخرى، حتى أتاهم ما لم يحسبو له حسابًا، انفتح العالم على بعضه، وأصبح تدفق المعلومات ضرورة حياتية تستوجب فتح السماوات والأرضين، ثم جاءتهم الطامة الكبرى، الإنترنت، وبالطبع استغل ضحاياهم الكثر هذه الفرصة وانهالوا عليهم باللكمات، فكشفوا الكثير من تناقض مذهبهم، وجمود أفكارهم التي أصبح مكانها الملائم متحف الحفريات، وتسنى للمواطن العادي الاطلاع على هذه المادة بدون تكلفة أو عناء، وهنا بدأت المذاهب التي تتسق أكثر مع القيم الحديثة من تسامح وإعلاء لدور انسان وعقله في الصعود، وكان أشهرها تيار أهل القرآن، وبرغم إعادة إحياء المذهب المعتزلي على يد بعض الكتاب والمفكرين، إلا أن صعوبة بعض مفاهيمه يحول دون انتشاره بنفس الدرجة التي ينتشر بها المذهب القرآني.

منهجية أهل القرآن

يقول أغلب أهل القرآن بأن منهجيتهم هي الاعتماد على القرآن فقط كمصدر للإسلام، تعاليمه وعباداته، وفي الحقيقة هذا منطلق وليس منهجًا، ولكن لو اعتمدنا على د. صبحي منصور في استجلاء هذه المنهجية سنجده ذكرها في عدة مقالات له، ولخصها في مقاله (الإسلام دين السلام) بقوله:

"هناك رؤيتان للإسلام: رؤية للإسلام من خلال مصدره الإلهى، وهو القرآن الكريم، ومنهج هذه الرؤية هى أن تفهم القرآن من خلال مصطلحاته ولغته، فللقرآن لغته الخاصة التى تختلف عن اللغة العربية، فاللغة العربية- كأى لغة- هى كائن متحرك، تختلف مصطلحاته ومدلولات الكلمات حسب الزمان والمكان وحسب الطوائف والمذاهب الفكرية، وحسب المجتمعات.. وبالتالى فإن الذى يريد أن يتعرف على الإسلام خلال مصدره الإلهى- القرآن- علي أن يلتزم باللغة القرآنية، ثم يبدأ بدون أدنى فكرة مسبقة فى تتبع الموضوع المراد بحثه من خلال كل آيات القرآن، سواء ما كان منها قاطع الدلالة شديد الوضوح، وهذه الآيات المحكمة، أو ما كان منها فى تفصيلات الموضوع شروحه وتداخلاته، وهى الآيات المتشابهة، وهنا يصل إلى الرأى القاطع الذى تؤكده كل آيات القرآن، وهذه هى الرؤية القرآنية للإسلام. والرؤية الثانية للإسلام هى الرؤية التراثية البشرية، وهى أن تنظر للإسلام من خلال مصادر متعددة، منها القرآن، والأحاديث المنسوبة للنبى، وروايات أسباب نزول الآيات، وأقاويل الفقهاء والمفسرين.. ومن الطبيعى أن تجد آراء متعارضة، وكل رأى يبحث فى آيات القرآن عما يؤيده بأن يخرج الآية عن سياقها، وأن يفهمها بمصطلحات التراث ومفاهيمه، ومن الطبيعى أن هذا الفهم للإسلام يتعارض مع حقيقة الإسلام، ومع الرؤية القرآنية له، ومن هذه الرؤية الثانية تخرج الفتاوى التى يكون بها الإسلام متهماً بالإرهاب والعنف والتخلف والتطرف"

وقد وضع الدكتور منصور في تعريفه هذا الكثير من الإشكالات التي تنفي عن منهجه كونه منهجًا، ولنأخذها على شكل نقاط تسهيلاً على القارئ:

- أولاً: أقر بأن القرآن مصدره إلهي، بالرغم من أنه لا يختلف عن الحديث من حيث تاريخية التدوين وخلافاته الشهيرة، ناهيك عن ترتيبه والذي يقر أهل السنة أنه توفيقي، كما لا توجد له مخطوطات قديمة متطابقة تؤكد مصدره، فكأنه بدأ البحث من نقطة متقدمة أقرها بلا أدلة، فلا دليل على إلهية مصدره تم تقديمه، ولا دليل على صحة تدوينه ولا حتى مخطوطة تؤكد نسبته لزمن الرسول، ومعنى هذا أنه اعتمد على أهل السنة وعلومهم ليصل لهذه النتيجة بهذا اليقين الذي جعله يبني تيارًا فكريًا بأسره عليها.

- ثانيًا: طرح أن فهم القرآن يتأتى بقراءته من خلال مصطلحاته ولغته، ولكنه عاد وقال أن له لغة تختلف عن لغة العرب، ولا أدري كيف قفز د. منصور لهذه النتيجة، فعندما أقول أن لكل كاتب لغته ومصطلحاته فهذا أمر مفهوم ويخص عدة علوم نقدية، ولكن ادعاء أن لغته تختلف عن العربية التي كتب بها بغير دليل فهذه تشبه بهلوانية أهل السنة عندما ينتوون التحايل لإثبات قضية ما، وكأن د. منصور أراد أن يوسع الباب الضيق لنفسه ليسمح بمروره، فأغلب القرآن لا معنى له من دون علوم القرآن المختلفة التي توضحه، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

- ثالثًا: يتحدث عن الفهم من خلال الدلالة والتي تتغير بتغير الزمن، ولا أعرف كيف سيفهم دلالة الألفاظ والتراكيب واستخداماتها في ذلك العصر بدون الاعتماد على روايات ترجع لنفس العصر، فإذا كان العرب يستخدمون لفظة ما بدلالة خاصة فلا طريق لفهمها إلا بمراجعة أشعارهم وخطبهم ومقارنتها ببعضها، وهذه كلها روايات، كما أن فكرة (دلالة اللفظ المرتبطة بالعصر) تتناقض مع قوله أن للقرآن لغة تختلف عن لغة العرب.

- رابعًا: يقول أننا يجب أن نقرأ بدون أي فكرة مسبقة، وبرغم هذا فإن ما يقوم به هو نفسه وأغلب القرآنيون كذلك تنافي هذا الأمر، فرفضهم للحديث انطلق من تناقضاته التي لا تصدر عن نبي يوحى له من إله، وتناول القرآن بنفس المفهوم يجعلنا نبرر للتناقض بدعوى أنه لا يصدر عن إله، وهذه فكرة مسبقة تتناقض مع المذهب الديكارتي الذي دعا إليه حالاً، إن التيار القرآني بأسره هو حالة رفض لترهات أهل السنة، فهو بمجمله فكرة مسبقة تتحرى تنزيه الدين عن التناقض مع المنطق.

- خامسًا: يتحدث عن فهم شامل لشروح القرآن لموضوع بتفصيلاته وتداخلاته، وهنا أحيلكم لكتاب من أهم الكتب التي قرأتها مؤخرًا وهو كتاب (محنتي مع القرآن) للدكتور عباس عبد النور، وقد أورد عشرات الأمثلة عن تفسخ وحدة الموضوع بالقرآن، والقفزات الغير منطقية والتي لا يمكن فهم شئ منها، ولولا مجهود المفسرين ووضعهم لنسق كامل من التلفيقات لما رتق هذا الفتق أبدًا، ولا أعلم كيف حل د. منصور هذه المعضلة، ربما بلغة القرآن التي اقترحها، وربما لن نعلم إلا عندما يصدر القرآنيون تفسيرًا كاملاً للقرآن بدلاً من انتقاء ما يفسرونه وتركهم لأغلب القرآن بلا تفسير.

- بعد ذلك يتحدث عن منهجية أهل السنة في فهم الإسلام من خلال مصادر متعددة منها القرآن (في الواقع هو أهمها وليس منها) ثم الحديث والسيرة والتاريخ، ثم مرة أخرى يقفز لنتيجة لا أعرف من أين أتى بها، وهي أن هذه الرؤية تعارض حقيقة الإسلام (بالطبع) على حد قوله، وكان من الممكن فهمه لو طرح الاعتماد على منهجيات أدق في تناول الحديث والتاريخ، ولكن أن ألقيهم وراء ظهري بدون تقديم أسباب واضحة تتسق مع احتفاظي بالقرآن فهو أمر مستغرب.

ألخص ما سبق في أن أصحاب التيار القرآني في رأيي إنطلقوا من عوار المذهب السني، وأنهم لم يستطيعوا حتى الآن تقديم منهجية واضحة وشاملة بشكل متماسك المنطق، وإنما هم فعلوا كأهل السنة تمامًا مع تغيير تكتيكي بالتمحور حول نص واحد فقط بدلاً من التمحور حول عدة نصوص، وبالتالي فلابد أن مشاكل أهل السنة الراجعة لنصيتهم ستنعكس عليهم أيضًا في لحظة ما، ويبقى الأمل في المذهب المعتزلي الذي يقدم بالفعل منهجية متماسكة للتعامل مع النصوص بشكل يخضعها للإنسان وليس العكس، ولكن هذا موضوع آخر...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 106-Al-Baqarah


.. 107-Al-Baqarah




.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال