الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الوهاب المسيري المفكر العبقري صاحب المتناقضات

محمد طيفوري

2008 / 8 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نادرا ما تجد فردا لا يعرف هذا الاسم فالباحث في الأدب الإنجليزي لابد أن يقرأ بعض مؤلفاته أو على الأقل دكتورته في هذ الأدب لأنه تخصصه، ومن كان مجال اشتغاله هو فلسطين واليهود والصهيونية لاشك قرأ له الكثير أو القليل من كتاباته في هذا الميدان لكونه بكل بساطة صاحب أضخم وأكبر موسوعة في موضوع اليهود واليهودية ـ ثمان مجلدات أفنى في سبيلها 25 سنة من عمره ـ و المهتم بالدراسات التركيبية والتحليلية والبنيات المجتمعية وعلاقة الغرب ببقية العالم لا ضير اطلع على بعض مؤلفاته المتسمة بالدقة والروعة في الدراسة و التحليل والتركيب .أما الأطفال الصغار فكثيرا ما أمتعتهم قصص الجمل "ظريف"هذا الحيوان الذي انفرد بإدخاله إلى القصة العربية والديك "حسن" وأصدقاؤهما التي ألفها. هذا كله والمصريون يعرفونه أكثر من خلال توليه لمنصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير المعروفة ب "حركة كفايا" ضد النظام المصري.
على هذا الأسس نلقى صعوبة وإشكالا كبيرا في تصنيف هذا الهرم الفكري في إحدى التيارات أو التوجهات الفكرية في العالم العربي إلا أن نعرفه بالمفكر العربي الإسلامي الكبير، دون زيادة أي قرينة أخرى فالمفكر معروف بسياسة الاحتواء والتجاوز الرائعة التي ينتهجها تجاه التيارات الفكرية والتي بواسطتها يستطيع استيعاب خطاب الكل مولدا في الوقت نفسه خطابه الخاص الذي يرتاح له الآخرون مهما كانت توجهاتهم إسلامية أو قومية أو علمانية بل يكاد كل مفكر يجد ذاته فيه لما يتسم به من منهجية وتحليل وتركيب متناسقين .
هذا الرجل الذي نزل نبأ وفاته صباح الخميس الأول من شهر يوليوز بمستشفى فلسطين بالعاصمة المصرية القاهرة على كل من يعرفه في أي مجال من المجالات السالفة الذكر كالصاعقة إن لم يكن أكثر، فقد فقدوا فيه رجلا قل نظيره في عالم الفكر كرس عمره للجهاد الثقافي منصبا نفسه محاميا عن القضية الفلسطينية ومدافعا عنها في وجه المشروع الصهيوني. وافته المنية عن عمر يناهز السبعين سنة (1938 ـ 2008) للخزانة العربية بالخصوص والعالمية مؤلفات ودراسات إن لم نذكر منها غير الموسوعة التي منحها ربع قرن من عمره إضافة إلى جل ماله لكفاه فخرا وشرفا بيد أنه أكثر من ذلك أثرى رفوف الخزانة العربية بإبداعات أخرى، فعموما صاحبنا من أبرز مزوديها إذ لا تمضي سنة دون أن يخلف مؤلفا أو دراسة.
قبل الحديث عن التناقضات التي ألفيناها لدى هذا المفكر لا بد أن نعرج على بعض مميزات فكر هذا الرجل التي منها نقده الشديد لاستخدام المفاهيم دون التنبه لحمولتها مما دفعه إلى إبداع وابتكار مفاهيم خاصة به كالجماعات الوظيفة، الحوسلة، التشيئية... كما اشتهر هذا الرجل بتفكيكيته الواسعة في إطار المراجعة النقدية الجذرية للتفكيكية فقد وصفه أحد الكتاب بالمفكر الذي يفكر تفكيكيا في عملية تفكيك التفكيكية نفسها. أما موضوع التحيز فقد لا نجانب الصواب إن قلنا أنه إلى حدود الآن هو الوحيد عربيا الذي تفرد في الكتابة في هذا الموضوع بأكاديمية وموضوعية بحتة. إلا أن الملفت في شخص هذا الأستاذ هو الجرأة الفكرية والصراحة في النقد والنقد الذاتي. الأمر الذي كشف عنه في سيرته الذاتية حيث لم يرتهن للإيديولوجية اليسارية كما أن تبنيه التوجه الإسلامي لم يصيره داعية حيث حافظ على دوره كمفكر وباحث ذو رؤية.
أما عن العنوان أي "التناقضات" فنحن لا نطرحه كإشكال في كتاباته بل يصعب الحديث عن هذا الأمر في المجال الفكري والإبداعي لهذا العملاق، وإنما مكمن التناقض في نظرنا هو الحياة الشخصية لهذا المفكر. فمؤلفاته تعد بالعشرات إن لم نقل المئات بدءا بالأدب الإنجليزي فقصص الأطفال مرورا بالدراسات التحليلية التركيبية ووصولا إلى اليهود والصهيونية، أي أن له زخم وإنتاج كثير أي فهو غني من هذه الناحية في مقابل فقر من الناحية المادية (المال) وخير مثال هو ما لقيه هذا الرجل من معاناة مع المرض لدرجة أنه لم يجد المبلغ الكافي للسفر والعلاج في أمريكا التي رحل إليها في 26 من شهر ماي من العام الماضي. وهذا أولى المفارقات التي توقفنا عندها في حياة هذا الإنسان، حيث نجد الغنى الفكري والإنتاجي مقابل الفقر والمادي و المالي.
أما المظهر الآخر للتناقض في حياته فنقف عنده من خلال كتابته لسيرته الذاتية بعنوان "رحلتي الفكرية : من البدور إلى الجدور إلى الثمار" والتي انتظر الكل أن يطلعنا فيها على تفاصيل وجزئيات حياته الخاصة ، غير أن هذا العقل الفذ فاجئ كل من قرأها بسيرة ذاتية فكرية أكد بها الرجل أن حياته كلها ملازمة لعالم الأفكار غير مفارقة له من جهة ومن جهة أخرى نجد يكتب سيرة قرائه أكثر مما يكتب سيرة نفسه ففي كثير من الأحيان يجد القارئ نفسه مكان المسيري في غير ما موضع في السيرة إنه يكتب سيرة أمة لا سيرته.
لقد رحل هذا العملاق في مطلع هذا الشهر خاتماً بذلك مسيرة طويلة من التحولات والانتقالات المعرفية التي تعكس شخصية كانت حتى وفاته لا تقر بالسكون والاستسلام، فقلمه لم يجف، وروحه لم تستلم لمرض ظل يقاومه حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وجسده لم يرتح يوماً من التجوال والترحال. لقد كان الدكتور عبد الوهاب المسيري أستاذاً للسياسة كعلم وممارساً لها كمناضل، مما عبَد الطريق أمام ثلة من الشباب للتفكير خارج نطاق إطار إيديولوجية التنظيم. فهل يمكن اعتباره طريقاً جديداً في التفكير أم هو تنويع وتغيير في الثوب فقط بينما بقي المضمون واحد؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا