الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعصب الحزبي

صاحب الربيعي

2008 / 8 / 13
المجتمع المدني


الكائن الحزبي منحاز بشكل أعمى لكيانه الحزبي ويؤتمر من قيادته لتنفيذ مهام متعارضة مع التوجهات الإنسانية، كائن مُغيب تماماً، لاوعيه يقسره على الانتماء للجماعة ( المافيا أو العصابة الحزبية) لتمنحه الحماية النفسية الكاذبة في المجتمع باعتباره ذاتاً منتهكة، مهددة بوجودها من السلطة أو من كائنات حزبية منافسة. لكن هذا الاستلاب الروحي والعقلي يجعله يرفض الاعتراف بدوافعه الحقيقية للانتماء إلى الكيان الحزبي ويجاهد في تصوير الأمر على أنه بدافع تحقيق توجهات إنسانية ليظهر لنفسه وللآخرين على أنه مخلوقاً خرافياً، ناكراً لذاته ومصالحه لصالح الآخرين.
وبذلك فإنه لايعي واقعه بشكل كامل وآلية حراكه في المجتمع تخضع للشحن الديماغوجي المتواصل من قيادته الحزبية لغرز روح الفداء والشهادة والتضحية في لاوعيه، وتصوير السعادة على أنها التضحية بالنفس ليسعد الآخرين، بمعنى أخر تقديس العذاب والهلاك لتسعد القيادة الحزبية بملذات الحياة وتتفاخر بشهداءها من الضحايا وتطرب لأغاني تمجد الشهادة والفداء شرط أن لاتمس ذواتها أو عائلاتها!.
يعتقد (( دوركيم ))" أن هناك أنماطاً للسلوك يستحيل إدراك معقوليتها، فالإقدام على الشهادة والتضحية بالنفس في سبيل قيم أو مُثل عليا يقدسها المجتمع، تعتبر سلوكيات فردية دافعها تأكيد وأحياء المثُل في ضمير المجتمع لتكتسب معقوليتها على المستوى العام".
هذا الاستلاب العقلي الذي تمارسه القيادة ضد كائناتها الحزبية، عبارة عن نزعة سادية وأنانية لتأكيد ذاتها من خلال التضحية بالذوات المغيبة وزجها في صراعات دموية لتحقيق الأجندة الخاصة، فغرز مبادئ التضحية والشهادة وفرض الوصاية على الآخرين في لاوعي الذوات المغيبة يعد عملاً واعياً تمارسه القيادة الحزبية لتحريض الرواسب الشريرة الكامنة في الذات المغيبة وأستغلالها في فعل عدائي ضد معارضيها دون النظر لحجم الضحايا وما قد يعرض السلم الاجتماعي للخطر.
إن المسعى غير النزيه للقيادة الحزبية في غرز توجهات شريرة في ذات مُغيبة لإحاكم السيطرة على أفعالها وسلوكها وتحريضها ضد الآخرين، يعد عملاً منافياً للمبادئ الإنسانية، فالكائن الحزبي المحقون قسراً بمصل فرض الوصاية على المجتمع يتصرف بوحي مسؤوليته الكاذبة لفرض الهيمنة والتسلط على الآخرين.
ويستهجن بداخله رفض الذوات المستقلة لسلوكه وتصرفاته وعدم وعيهم بأنه مكلف بفرض الوصاية عليهم من قيادته الحزبية التي توهم ذاتها بأنها مسؤولة عن كافة أفراد المجتمع وأنها الأصلح والأكثر قدرة على توجيه سلوك وتصرفات كافة البشر دون اعتراض أو مساءلة عن كفاءة أو جهل أو سفالة القيادة الحزبية!.
يقول (( دانغ أوبينغ ))" ليس المهم أن تكون شيوعياً، المهم أن تكون خبيراً لتخدم شعبك".
عموماً كافة التوجهات الشمولية للكيانات الحزبية، تعتبر توجهات متعصبة وغير إنسانية مسعاها الأساس الاستيلاء على السلطة لفرض نهجها بالقوة والعنف على الآخرين، توجهات ذات ملامح غيبية تحاكي العاطفة وليس العقل تستقطب الذوات الجاهلة والأمية من المجتمع لإنها ذوات منحازة لعواطفها ومعطلة التفكير، لاتدرك الفكرة وماهيتها وإنما أنظارها متجهة نحو الهدف في منطقة السراب، توهم نفسها أنها قريبة من الهدف لكن السراب يخدعها أبداً.
يرى (( دنيس ديديرو ))" هناك خطوة واحدة تفصل بين التعصب والهمجية".
إن استقطاب الكيانات الحزبية الشمولية تحديداً للجمهور الجاهل في المجتمعات المتخلفة، لايعود لصواب أفكارها ونهجها وإنما لتدني وعي الجمهور بمصالحه وأنحيازه الأعمى لعاطفته دون عقله. وليس من السهولة إقناعه بخطورة النهج الشمولي للكيانات الحزبية لرفع مستوى وعيه بمصالحه لوجود جملة من المعوقات في المجتمع أهمها: ارتفاع نسبة الأمية، وتفشي الجهل، وشيوع التوجهات الغيبية، وهيمنة المافيات الحزبية على مفاصل الحياة اليومية والمعيشية للمجتمع. إن ندرة الأصوات الداعية للاحتكام إلى العقل دون العاطفة في المجتمعات المتخلفة، تحكمه توجهات عنفية تنال من المثقفين الرافضين للنهج الشمولي السائد وتسعى لإسكات الأصوات المطالبة بالتغيير.
يتساءل (( ماسيل بروست ))" لماذا لانسمع صوتاً يتحدث بالحقيقة حتى لو كان نشازاً ويحتاج لقليل من الدوزنة؟".
يشكل التعصب الحزبي خطورة كبيرة على السلم الاجتماعي لأنه يحتكم للعنف لفرض التوجهات الحزبية على الآخرين، إنه مسعى لتقسيم المجتمع على أساس حزبي وفرض الولاءات على الذوات المستقلة الرافض للهيمنة والسيطرة باعتبارها ذوات محتكمة لعقولها لا لعاطفتها في حراكها الاجتماعي.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دوجاريك: القيود المفروضة على الوصول لا تزال تعرقل عمليات الإ


.. الأونروا تقول إن خان يونس أصبحت مدينة أشباح وإن سكانها لا يج




.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا