الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال عبد الناصر والعلاقة المعقدة مع نوري السعيد وعبد الكريم قاسم ( القسم الثاني)

عبد الجبار منديل

2008 / 8 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من اجل ان لا تختلط الأمور وحتى نسمي الأشياء بأسمائها ونحن نرصد احداثا عمرها اكثر من نصف قرن وقد هدأت العواصف وسكنت العواطف واتت اجيالا جديدة لم تعش احداث تلك فترة . فإذا ناقشنا الأحداث فإننا يجب ان نحيط بالموضوع من جوانبه كافة وان نناقش الإتهامات سواء الموجهة الى نوري السعيد ام الى عبد الكريم قاسم بشكل دقيق وان نصرف النظر عن كثير من الكتابات الإنفعالية وغير الموضوعية لبعض الكتاب العراقيين والعرب سواء في تلك الفترة او في الوقت الحاضر ممن كانوا يسلطون الأضواء على جزء فقط من الحقائق وحتى نطرح الأمور بشكل واضح فإننا نحدد المؤشرات الأتية :-

اولا – كان نوري السعيد كما هو معروف من اعضاء جمعية العهد القومية العربية وهو ضابط في الجيش العثماني لذلك فانه قومي عربي من انصار الوحدة العربية ولكنه بالطبع لم يكن قوميا ( ناصريا ) . كان من طراز القوميين في اوائل القرن العشرين والذين كانوا يرون ان عدوهم الأول هو الدولة العثمانية والإستبداد العثماني القائم على العنصرية ، وانهم يمكن ان يستعينوا بالغرب وخاصة انكلترا لكي ينالوا الإستقلال ، كما كان سياسيا مخضرما لذلك فإن من الطبيعي ان ينظر الى الساسه المصريين الجدد من شباب ثورة 23 يوليو 1952 ( كانت اعمارهم تتراوح بين 30 - 35 سنة وكان هو قد تجاوز السبعين منها اكثر من اربعين سنة في العمل السياسي ) على انهم من المستجدين في السياسة وانهم لا يفقهون فيها شيئا . وقد اثبتت الأخطاء الجسيمة التي ارتكبوها صواب نظرته تلك .
وفي الحقيقة كانت النظرة الى ثورة 23 يوليو في بدايتها تتسم بكثير من الشك في هويتها وتوجهاتها ليس فقط على مستوى الحكومة العراقية بل وعلى مستوى الرأي العام العراقي و الأحزاب والصحف الوطنية . فقد اتهمت في بدايتها على انها انقلاب ذات هوية امريكية . ويتذكر كاتب هذه السطور وكان فتى صغيرا مولعا بقراءة الصحف كيف كانت جريدة الأهالي لسان حال الحزب الوطني الديمقراطي تهاجمها بعنف وتطلق لقب ( الصاغ الأعمى ) على وزير الإرشاد القومي المصري الصاغ ( الرائد ) صلاح سالم الذي كان يلبس النظارات السوداء والذي كان يجوب المنطقة العربية لتدارس المواقف . وقد زار العراق غير مرة واجتمع بالملك والوصي ونوري السعيد في مصيف سرسنك في شمال العراق .

ثانيا - كان هناك نوع من المنافسة على زعامة العالم العربي بين العراق ومصر، وقد نشبت عدة معارك اعلامية بين الحكومتين العراقية والمصرية بعيد ثورة يوليو مباشرة كان الرأي العام العراقي فيها يقف الى جانب حكومته. ومن الطبيعي ان ينظر شيوخ السياسة العراقية الى مجموعة الضباط الصغار والشباب في مصر بإستهانة بإعتبارهم غير مهيئين لقيادة العالم العربي، وعلى انه بعد زوال السياسيين المصريين التقليديين فإن السياسيين العراقيين هم خير من يستطيع قيادة العالم العربي بما لهم من خبرة وتاريخ ، ولا يستبعد ان يكون اسقاط الضباط للنظام الملكي في مصر الذي برغم عدم انسجامه مع الحكم في العراق شكل انذاراً للحكم الملكي العراقي مما زاد من التحامل على النظام المصري .
وبالنسبة الى عبد الكريم قاسم ربما كان ينظر الى مصر عبد الناصر على انها تسعى الى ( ابتلاع ) العراق الذي يرى انه مؤهل للقيادة وليس لأن يكون تابعاً . وتكرر ذلك مع البعثيين ومع الأخوين عارف الذين كانوا يدعون الى الوحدة عندما كانوا في المعارضة ولكن ما ان وصلوا الى الحكم حتى تجاهلوا ذلك . وقد يكون مبعث ذلك الروح الإقليمية العراقية كما يقول بعض العرب كما قد يكون الكبرياء العراقية او التشبث بالحكم وغير ذلك من الأسباب .
ثالثا - المنافسة على سوريا، بعد اسقاط حكم ملك فيصل الأول في سوريا في اوائل العشرينات من قبل الفرنسيين بقي السوريون يسعون الى اعادة الحكم الهاشمي باعتباره اول حكم قومي عربي في سوريا الحديثة . وكان يساند هذه الفكرة جمهور واسع من السياسيين والمثقفين السوريين . وبقي هذا التيار له حضوره حتى بعد استقلال سوريا وتحولها الى جمهورية في منتصف الأربعينات . وكان كبار الساسة العراقيين يساندون هذه الفكرة ويغذونها ويشجعونها من خلال قيام وحدة بين القطرين . حتى ان الوحدة مع العراق في ظل العرش الهاشمي وجدت لها انصارا بين ضباط الجيش السوري وتجسد ذلك في انقلاب سامي الحناوي سنة 1949 الذي لم يدم حكمه طويلاً وكانت مصر خلال ذلك بعيدة عن الأحداث في سوريا . ولكن مع تنامي الحركة الناصرية وصعود نجم عبد الناصر بدأت رياح السياسة المصرية تتجه نحو مصر التي اصبحت مركز استقطاب الحركة القومية العربية . وهذا ما جعل الحكم في العراق يشعر بالفزع بعد ان شعر ان سوريا تعطيه ظهرها وتتجه نحو مصر وتتبنى بشكل متزايد الحركة القومية الناصرية متجاهلة الحركة القومية الهاشمية . لذلك فإن صرخة اليأس التي يقال ان نوري السعيد اطلقها اثناء وجوده في جلسة مباحثات مع انتوني ايدن رئيس وزراء انكلترا آنذاك حال سماعه نبأ تأميم قناة السويس ( ان لم تقضوا عليه فإنه سوف يقضي علينا جميغا – مشيرا الى جمال عبد الناصر ) كان لها ما يبررها . وكانت الضربة القاصمة التي تلقاها الحكم الملكي في العراق هي الوحدة بين مصر وسوريا . وقد اكتشف نوري السعيد متأخرا ان هذا الضابط الصغير والمغمور قد تحول فجأة الى ( رائد للقومية العربية ) كما اصبح يطلق على جمال عبد الناصر وكما اصبح يجسد هذه الحقيقة في كثير من جوانبها .
وفي عهد عبد الكريم قاسم كان الموضوع المنافسة على سوريا ضعيفا حتى بعد الإنفصال . ثم عاد بعد مجيئ البعثيين العراقيين الى الحكم بعد شباط 1963 وان اصبح مركز الإستقطاب والقيادة هو سوريا وليس العراق بحكم كون البعث حزبا سوريا في الأساس .
ومن سخرية التاريخ ان تغيرت معادلة المنافسة حيث اصبح قطبا المنافسة هما مصر وسوريا واصبح العراق هو موضوع المنافسة حيث كانت مصر تراهن على الضباط القوميين في الجيش العراقي وكانت سوريا تراهن على حزب البعث والضباط البعثيين العراقيين . ولكن انتهى كل ذلك مع هزيمة 1967 امام اسرائيل .
( يتبع القسم الثالث والأخير )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الذكرى الثانية لرحيلها.. شيرين أبو عاقة تترك إرثا ما يزال


.. بحضور رئيس البلاد.. الآلاف يهتفون لفلسطين على مسرح جامعة أيس




.. سفن قوات خفر السواحل الصينية تبحر بالقرب من جزيرة تايوانية


.. الشفق القطبي ينير سماء سويسرا بألوان زاهية




.. مصر تلوّح بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل إن استمرت في عملية