الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انا ابو لهب وامراتي حمالة الحطب

اياد محسن

2008 / 8 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين حاول صديقي ان يناقشني بجزء مما اؤمن به ...ان يقنعني بعدم
صحة بعض افكاري الدينية التي كنت اضعها في خانة العقائد والمسلمات .. اتهمته بالتجرء على ديني ومعتقدي ...قطعت علاقتي به ...هربت بعيدا للحفاظ على ثقافتي الدينية التي لم افكر يوما ان اطرحها على طاولة النقاش ...بعد زمن اكتشفت ان صديقي كان محقا فيما ذهب اليه ...وان موقفي ازائه كان هروبا من مواجهة ارائه السديدة ...من يومها قررت ان يكون كل ما اؤمن به عرضة للنقاش ...للجدل ...اذ ليس هناك من داع للخوف ومن ثم الهروب.. فالعقيدة ...الثقافة المستندة الى براهين وادلة قوية.. ستصمد ازاء اي نقاش او جدل...والا فهي لا تصلح للايمان والاعتقاد ...لا تستحق ان انحر سنين حياتي على محرابها ...خصوصا وان كم هائل من هذه الثقافة التي ترجمتها الى سلوك واقعي هي من صنع وهمي واعرافي او من صنع رواة الحديث الذين لم تكن رواياتهم بعيدة عن تاثير الامزجة والاهواء ..
بعد مدة وحين حاولت انا ان اناقش صديق اخر بفهمه لبعض الامور الدينية اتهمني بالتامر على الثوابت والمسلمات ...
النبي محمد (ص) مثل انقلابا فكريا وثقافيا ودينيا على كل ما كان سائد في ذلك العصر ...كل ما كان ثابتا ويعتبر من قبيل المسلمات والمقدسات لذلك المجتمع... مجتمع ابو سفيان وابو لهب ..فمن كان ذو عقل مرن وقلب مفتوح ...من قرر ان تكون ثقافته الدينية عرضة للمناقشة لطلب الحقيقة اتبع دعوة النبي باعتبارها اصلاحا هو الاقرب الى المنطق العقلي والوجداني ...ومن كان متمسكا بافكاره باعتبارها مقدسات يجب الدفاع عنها ..كفر بالدعوة وحاربها وضحى بالنفس والمال لتحجيمها وافشالها ...
ما كان يحدث في الجزيرة العربية في ذلك الوقت يمثل نموذجا لموقف المتمسك بتراث الماضي بما فيه من تخلف وجهل بوجه الحداثة والاصلاح والتغيير ...موقف من يريد ان تضل الحياة بدينها ودنياها جامدة ...ثابتة ...نسخة من الماضي السحيق ...اذ يجب ان يفكر ويرى الامور بصورة مطابقة لرؤية الاجداد
لم يكن ابو لهب وحده الذي اتخذ ذلك الموقف ...ولم تكن زوجته وحدها التي حملت الحطب لحرق الفكر التنويري الاصلاحي ...لكل زمن محمد ...وفي طريق كل مصلح ابو لهب ...فليس موقفي من صديقي الذي حاول ان يناقش بعض مسلماتي الا وقوفا بوجه التغيير ...كنت ابو لهب ..الجاهل المتشدد الذي لم يدخر وسعا في استخدام جميع ادواته لحرق كل ما يخالف تصوراته ...
طالبي الاصلاح لديهم من الشرف ما يدفعهم الى الثبات وتحمل الاذى لقول الحقيقة ...يتحدون جهل اناسهم وسطحيتهم ويدفعون في سبيل تنويرهم سنين عمر ... اذ ليس ثمة معنى للايثار سوى ذلك ...انك تحاول تثقيف من تدرك انه ان لم يقتلك فلا اقل سيتهمك بالكفر او الجنون ويذيقك اشد انواع العذاب ... كثر من كانوا يحملون نفس افكار الحلاج في ذلك الوقت لكنه الوحيد الذي امتلك شرف قول الحقيقة التي يؤمن بها وقرر ان يفنى في سبيلها ...
في طريق الاصلاح القي ابراهيم في نار لا تبقي ولا تذر ... وصلب عيسى على ايدي اناس احبهم وحاول اصلاحهم... واتهم النبي محمد بالسحر والجنون من قبل من اقر سلفا انه صادق امين ...وعلى الطريق ذاته عانى مارتن لوثر الكثير وهو يعلن ثورته ضد الكنيسة وممارساتها الخاطئة في اوربا...

المسيرة مستمرة ...ممتدة امتداد الوجود الانساني ...في الوقت الحاضر لدينا كتاب ومثقفون كثر يرومون التغيرر والارتقاء بالوعي الانساني الى مستوى يلائم التطور الذي طرأ على وجه الارض ...مثقفون يمسكون بفاس ابراهيم لتحطيم الاصنام التي تحجبنا عن الفضاءات الرحبة للحقيقة ... وفي المقابل لدينا الملايين من الجهلة الذي يحاولون قتل ما يصب في طريق صلاحهم وانقاذهم من اوثان اخذتهم بعيدا عن انسانيتهم ...
المثقف الثائر على الافكار والعقائد الفاسدة وحيدا في الميدان ...يحارب على اكثر من جبهة دون ناصر او معين ...وحده يدفع ضريبة قول الحقيقة بعد ان تخلى عنه زملائه الذين اختاروا الوقوف على التل ...اختاروا دور المتفرج في معركة المعرفة امام الجهل ...اولئك الذين ينطقون بالمعرفة فقط في الغرف المغلقة ...اما في الفضاءات المفتوحة ...امام الناس فلا يجرئون على مخالفة الماثور ...وفيما يتمادى هؤلاء في خيانة عقولهم وضمائرهم يذهب المثقف الشجاع ليخوض غمار معركته حيث الصدق سلاحه الوحيد ...قد يقتل شر قتلة ...وقد لا نجد احد من مثقفي الغرف المغلقة يمشي خلف جثمانه ...لكننا حتما سندرك شرفيته وقيمة ما كان يدعو له ...سندرك كل ذلك ولكن.. بعد فوات الاوان ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي