الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل حان الوقت لإعادة النظر في القنوات والبرامج الدينية التي تدعو لإلغاء الآخر وتحقيره؟

باهر محمود عبد العظيم

2008 / 8 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يخفى على أي متابع للقنوات والبرامج الدينية في العشر سنوات الأخيرة أن مجتماعتنا العربية بجميع أديانها وطوائفها لم تستفاد ولو بمقدار ذرة من المادة التي تقدم فيها سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي, بل العكس هو ما أنتجته تلك البرامج بمشايخها ومفتييها وضيوفها الذين ما إنفكوا يفرضون ثقافة إلغاء الآخر وتحقيره مع ممارسات شوفينية عنصرية عديدة تمجّد أصحاب دين أو طائفه معينه على حساب مثيلاتها وتجعلهم في مرتبة أعلى إنسانياً ممن يخالفونهم.

من الإعجاز العلمي مره بقيادة الدكتور زغلول النجار إلى التطرف شديد العنصرية بقيادة الشيخ يوسف البدري و د.محمد عماره إلى الدعوات المتعدده لقتال الكفار بقيادة شيوخ قناة الناس نجد أن الجميع يقدم مواد تزيد من عمق الفجوة بين المجتمعات العربية والعلم والإنسانية والتحضر, فمن منهم قدم بحث على أسس علمية بحته من تجريب وملاحظه وإستنتاج ومشاهده ليخرج لنا في النهاية بإختراع يفيد أبناء جلدته أو يثبت من خلاله نظرية لم تكتشف بعد أو يساهم عبره في رفع مستوى وعي شعوبنا المتأخرة في كل نواحي الحياة؟ لا أحد بالطبع, كلها إجتهادات لربط العلم بالدين ونزع صفات الإنسانية والتحضر من لُب الأديان ليبقى لنا فقط الحروب والدمار والإنتحار, والغريب في الأمر أننا عندما نطالب بالمنهجية العلمية في ربط ما جاءت به الأديان مع العلم نجد أنهم يبررون منهجهم الغير علمي بأنهم ليسوا علماء طبيعة وأحياء!

ولم تكتفي القنوات الدينية بكافة برامجها بمجرد الإفتاء والإعجاز العلمي, وإنما إستخدمت شعبيتها لدى المواطنين البسطاء لتفرض قوانينها على أياً ممن يخالفون منهجها حتى لو كانوا زملاء لهم في المهنه, فأصبح كل داعى للحوار مع الآخر "منبطح غير غيور على الإسلام ورسوله", وصار كل من يدعو لعدم الربط بين العلم والدين ناكر للمعجزات العلمية القرآنية, بل ووصل الأمر بأحدهم لإعتبار الداعيه عمرو خالد كافر لأنه لم يكفّر إبليس وقال إن الأخلاق أهم من الصلاة والصيام والحج والدعاء! ثم تراجع عن فتواه بدعوى أن عمرو خالد جاهل فيلسوف! وهنا بغض النظر عن إختلافي أم إتفاقي مع عمرو خالد إلا أنني سأحترم وجهة نظره أياً كانت, ولكن لن يصل الأمر في حال غياب منابر التكفير إلى الدعوى لنزع صفة الإيمان عن شخص فقط لأنه عبّر عن رأيه, وهذا الدور بالتحديد هو ما يجعلني أطالب الآن بمواجهة حاسمه وحازمه مع الدعايات التي تبث إناء الليل وأطراف النهار من خلال قنوات وبرامج دعاية دينية متطرفة لا تسمح بجو حرية الرأي والتعبير الذي ننشده والذي يتيح المجال للفكر التجديدي التقدمي الذي تحتاجه المجتمعات العربية كحل أخير للخروج من أزمة الظلام والخرافة والجهل الذي ترزح تحت نيره.

وإذا تناولنا من جهة أخرى المشاكل والأزمات التي كان السبب الرئيسي فيها البرامج والقنوات الدينية فهي لا تعد ولا تحصى, ومن أشهرها على الإطلاق الفتوى القائله بشرعية قتل السياح الإسرائيليين على الأراضي المصرية, وبالأدله الشرعية, وهي الفتوى التي فتحت النار على ملقيها ولم تهدأ الأمور إلا بعد ظهور بعض المشايخ ممن أفتوا, وبالأدله الشرعية أيضاً, بوجوب إعطاء الأمان للأجانب طالما إستضافتهم الدولة, ثم الفتاوى المستمرة التي تستبيح قتال كل من هو غير مسلم غير سني بدعوى أن الدين عند الله الإسلام وأن السنه هم الحق لإتباعهم سنة النبي, ولا ننسى الفتاوي المستمرة بشأن المرأة والتي في كثير منها تنحاز للعنصرية ضد المرأة وإعتبارها مخلوق أدنى مرتبة من الرجل, ومن أشهرها فتاوى الخلوة غير الشرعية على الإنترنت والتي تستلزم محرم والأخرى التي إعتبرت أن مجرد ظهور الأعين من وراء النقاب فتنه لابد من منعها! هذا بالطبع إلى جانب الفتوى الشهيرة بحرمانية خلع المرأة لملابسها أمام الكلب الذكر!

وهنا يبرز السؤال الأساسي, ما هو المنتوج الثقافي أو العلمي أو الإنساني الذي إستفاده المشاهدون من سيل الفتاوى المنهمره من كل حدب وصوب من الفضائيات؟ الفائدة الوحيدة (إن صح تسميتها بفائدة) هي إزدياد الشعور العام بأن المسلمين أفضل حال بالإسلام فقط وأن الدنيا زائله لا تستحق وأن الموت خير من الحياة وأن كل من هو غير مسلم غير سني على وجه التحديد مصيره جهنم وبئس المصير!

والعجيب في الأمر أن تجد تناقضات واضحه بين القنوات والبرامج فيما تنتجه من مواد, فتجد احدهم يكفّر الملل الأخرى التي على غير دين الإسلام, في حين تجد الآخر يبرأ أهل الكتاب من الكفر, وتجد أحدهم يصرخ بحرمانية تعلم علوم الكفرة التجريبية والإكتفاء بالعلوم الإسلامية القرآنية تجد الآخر يمّجد من العلم ويقول أن الإسلام حث المسلمين على طلب العلم ولو في الصين, وبإنتقالك من قناة لأخرى ومن برنامج لنقيضه تجد انك في دوامة لا تنتهي من الآراء المتناقضة شكلاً وموضوعاً والمتفقة على نفس الأساس, وهو الشريعة والأحكام الإسلامية المختلفة.

وبعيداً عن فتاوى التكفير وإلغاء الآخر والإعجاز العلمي, نتساءل, هل مواد تلك البرامج والفضائيات التي تتكلم عن الخير والشر والأخلاق والفضائل والفساد والفسوق جاءت بجديد؟ هل يستفيد الجمهور العربي عندما يأتي شيخ ليخطب ساعتين من الزمن ليخرج في النهاية بنتيجة واحده أن القتل والسرقة حرام وأن الإهتمام بالفقير والدعوة بالحسنى حلال؟ هل ننسى أن الحلال بيّن والحرام بيّن؟ هل نتغاضى عن أن الأخلاق وطبقاً للكتاب الأشهر (قصة الحضارة) لويل ديورانت وجدت قبل الأديان؟ وأن الأديان إنما جاءت فقط لتشذيبها وتقنينها؟ فما الداعى إذن للأحاديث المتكررة عن ماهو حلال وأخلاقي وماهو حرام وغير أخلاقي؟ المشكلة الحقيقية أن الحلول والبدائل لواقعنا الأليم لن تأتى من خلال تعريف الناس بالصواب من الخطأ وفقط, ولكن من تقديم خطاب ديني متجدد يهتم بمسايرة الدين للنواحي العصرية الحالية التي تختلف تمام الإختلاف عما كان الوضع عليه من أربعة عشر قرناً, وأن تتحول منابر القنوات الفضائية ومقاعد ضيوف برامجها من شيوخ التكفير وإرضاع الكبير وبول الرسول إلى الدعوة للتنوير والتثقيف والتجديد كما فعل من قبل الشيخ محمد عبده والدكتور طه حسين في أوائل القرن العشرين والدكتور خليل عبد الكريم في وقتنا هذا رحمهم الله جميعاً, مطلوب وبشدة أن يتحول الضيوف في تلك الفضائيات من شيوخ لا يرون غير الحرمانية والتكفير إلى فلاسفة من أساتذة الجامعات المختلفة وصحفيين مهمومين بالقضية التنويرية ودعاة مهمتهم الأساسية تجديد النص الديني, هؤلاء هم من نحتاجهم لمجتمعاتنا التي تعيش في ظلمات الجهل ومحاكم التفتيش على الضمائر وكبت حرية التعبير ومنع أي أصوات تغرد خارج السرب الوهابي البترودولاري, فهل من مجيب؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا