الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توظيف المثل الشعبي في الفساد الاداري - القسم السابع - الخلاصة

كامل داود
باحث

(رويَ اêيçï المïèçل ئ الكêçè في الïيوçنيé)

2008 / 8 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن المثل الشعبي ليس مجرد ضربا من الفنون بل هو نتاج للسلوك الإنساني المفعم (بالديناميكية) يواكب الحياة، ويستمد وجوده من نسغها، وهو نتاج وعامل إنتاج في نفس اللحظة،فهو نتاج لتجربة ومنتج لتبرير ، يتعكز عليه كل من يريد التعكز في الحق وغير الحق ليدعم وقوفه وموقفه وهنا تكمن خطورة المثل الشعبي فغالبا ما يهون المصاعب من غير حلول حقيقية أو يشرعن السلوك من غير وجهة حق وحينئذٍ يجانب المنطق السليم، فكيف يحظى الكثير من الأمثال الشعبية بالتصديق؟
إن ذهنية المرسل و المتلقي تشكلها الثقافة المتراكمة على مدار تاريخ الشعوب وليس ذلك فحسب ، بل حتى اسلوب التفكير وأدواته هما وليدا ذلك الركام ،ولا نريد أن نذهب إلى ما ذهب إليه (عبد الله القصيمي) بوصفه العرب (ظاهرة صوتية) ولكن يمكننا القول على اقل تقدير ،إن الموروث اللغوي سواء كان عاميا أو فصيحا ، له سطوة كبيرة على سلوك وموقف الناس وربما كلمات قليلة تلقى على مسمع احدهم تخلق عنده من قوة الإقناع ورد الفعل بما لا يصدق وهذا يكمن في سحر الكلام في امة ترى ما يقوله شاعرها : جراحات السنان لها التئام وما يلتام ما جرح اللسان
والمثل هو خلاصة القول يقدم في قالب من الظرف والبلاغة والانسيابية وقد يطعم بحكمة أو تجربة أو حكاية ، ترى كم يحتاج الفرد من الحذق لمقاومة إغرائه ؟
فلو نظرنا إلى المثل القائل ( الشين اللي تعرفه أحسن من الزين الما تعرفه ) إنها دعوة للانقياد وراء الفاسدين وتقبل مشاريعهم رغم معرفة فسادهم والمشكلة تزداد خطورة عندما يأخذ متعاطو السياسة بعنان هذا المثل الخطير وعندها لا حاجة لنا بالانتخابات والتداول السلمي للسلطة ولا جدوى من البحث عن حكومة أخرى وان كانت أفضل بكثير لأننا قد إلفنا (الشين) واعتدنا عليه وهو خير لنا من المرشح الآخر وان كان الآخر هو الأنفع وهذا يذكرنا ببعض
( أهل الكلام) في التراث السياسي الإسلامي والذين أجازوا (إمامة المفضول مع وجود الأفضل ) ليحافظوا على بيضة الدين ويكونوا ابرد رأسا ..!!!
فلا ريب أن هكذا منظومة تفكيرية لا تُعدَم من مثلٍِ على غرار ( الجذب المسفط احسن من الصدك المخربط ) أن هذا المثل لوحده قادرا أن يؤسس لمدرسة متكاملة من الفساد الإداري بكل اذرعه من اختلاس إلى رشوة ومنسوبية وتلاعب وتزوير والأدهى من ذلك تنامي المهارات والأساليب الذكية في إخفاء معالم الجرم الاداري بالأيصالات المزورة والأوراق الثبوتية وحجب المعلومات والتواطؤ بين حلقات الروتين الوظيفي فالموظف غالبا ما يحرص على سلامة موقفه القانوني ويتفنن في الابتعاد عن المسائلة فهي خبرة اكتسبها واتقن مبادئها فليس( كلمن صخم وجه وصار حداد) ولا تنطلي عليه أهداف غيره من الفاسدين فهم خريجوا مدرسة واحدة (احنه دفناه سوية ) و(حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب) وهؤلاء يكثرون في حالة انهيار الحكومات ويخلقون قِيمَهم الخاصة يغذونها بما يستنبطون من المآثور الديني والاجتماعي لتخرج الى المجتمع بلبوس مقبول يمنحهم رضا واطمئنان الجماعة فيكون نجاح الباحثين عن الثراء غير المشروع هو ( عوافي لليجيب نقش ) وهنا يكون الفاسد مجتهد ومتفوق بمجتمع يستمري الفساد ويشرعن وجوده وان الآخرين مثاليون فاشلون يستحقون ما هم به من البؤس والشقاء .
من المؤكد إن ذلك لا يعني خلو التراث الشعبي العراقي من الامثال التي تدعو الى العمل والامانة واحترام الوقت ، فأنه تراث لا يختلف عن بقية أصناف تراث الشعوب، فيه الغث والسمين مما تصنعه الظروف الحياتية المتنوعة، ففي الوقت الذي نجد فيه ( بيضة اليوم ولا فرخ باجر ) نجد مثلا اخر يحث على التأني والصبر في نيل المراد بل يؤكد افضلية ذلك ( التالي ربه عالي ) او المثل الذي يرى ان التعاون وروح الفريق في انجاز العمل هو أساس النجاح( اليد الوحدة ما تصفك) وهو مناقض تماما للمثل الذي ذكر في مكان اخر من البحث والذي يحذر من العمل المشترك (جدر الشراكة ما يفور ) وان ذلك ليس بالتناقض كما يبدو من الوهلة الاولى ولكن الامر متعلق بالنفس البشرية وتناقضاتها وما تمليه المصلحة الخاصة من ازاحات بأتجاه القيم الاجتماعية السائدة ويكون المثل القائل ( حب وإحجي واكره وإحجي) مصداقا لذلك.
فلا ريب ان لجوء الافراد الى سلوك الطرق غير الشرعية لكسب المال ، تحدد معالمه عوامل متشابكة من اجتماعية واقتصادية وثقافية فضلا عن مؤثرات الوعي الجمعي والقيمي والتي بدورها لا تخرج من قبضة تلك الظروف لذا فلابد للحلول ان تأتي بنفس الصورة حزمة من الحلول وبجرعة مشتركة، وبالعبوة التي تناسب جريمة الفساد الاداري و وهي جريمة متخفية ومتنكرة يصعب ضبطها وفرزها اذا غمست نفسها ببعض القيم الملتبسة ،وفي هذه الورقة كان التطرق الى جانب قد يكون بعيدا عن الاهتمام في تناول موضوعة التصدي للفساد الإداري، هكذا تبدو العلاقة للوهلة الأولى، وربما يثار سؤال من قبيل الاستفهام عن موقع الأمثال الشعبية ومدى حدودها في طبخة الحلول مع غيرها من العناصر التشريعية والاقتصادية السياسية ، فعندما تقف انساق الثقافة عاجزة أمام سطوة المثل الشعبي في تبرير الفساد ، لا يبقى من وسائل الدفاع غير المثل الشعبي نفسه (اللي يعيش بالحيلة بموت بالفكر) .


المصادر
1- جمهرة الامثال البغدادية – العميد المتقاعد عبد الرحمن التكريتي – بغداد ( 6 اجزاء)
2- جمهرة الامثال الفراتية – المحامي حسين علي الحاج حسن – ط1 النجف – 1967ص16
3- سيكولوجيا المال – د . اكرم زيدان –الكويت - 2008
4- سوسيولوجيا الثقافة - الطاهر لبيب - صفاقس ، 1988 ، ص 6
5 - كنايات ريف العراق - المحامي حسين علي الحاج حسن-مخطوط -2002








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس