الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية.. وشرط المعرفة

كريم الهزاع

2008 / 8 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في محاورة «ليسيس» من محاورات أفلاطون، يسأل سقراط ليسيس إن كان والداه يحبّانه ويجيب بالتأكيد، لكنهما لا يدعانه يفعل ما يريد وذلك لصغر سنّه، ويعهدان بذلك إلى العبد الموجود عندهما.

إنّني لا أعتقد أن ذلك هو السبب، يا ليسيس، بل السبب هو أنّك لا تمتلك المعرفة لتفعل كل ما يحلو لك. وعندما تعرف ستفعل ما هو خير ومفيد للجميع، وعندها سيحبّك الكل.

هذا ما قاله سقراط لليسيس القاصر، ليسيس الذي ما زال تحت الوصاية، والذي يشبه تماماً «المجتمع الكويتي» القاصر من خلال وجهة نظر الخطاب الإسلامي السلفي، ومن خلال وجهة نظر الحكومة، وأقول «وجهة نظر» الحكومة، لأنه كثير على الحكومة أن يكون عندها خطاب، وهي واقعة تحت سلطة الخطاب الإسلامي السلفي المتشدد. والذي ينظر لهذا المجتمع نظرة قاصرة بحاجة إلى «شدة أو ربطة من الخيزران» المستورد، لكي يربي به هذا المجتمع المتمرد، والذي تراكمت لديه الحرية منذ أصبح للدولة دستور، فهذا الدستور لم يصنع للجميع، بل هو للتيار الديني السلفي المتشدد لكي يحقق مكاسبه السياسية وطموحاته المستقبلية.

ويفرض مسطرته وهيبته على المجتمع بسبب تخلف التعليم والذي بحاجة إلى زعزعة أساسات، والنوم الأبدي لجمعيات النفع العام، لا أيقظ الله لهم روحا، ولا أنار لهم عقلا ولا حرّك لهم جثة.

ولم يكتف التيار الديني السلفي المتشدد «خاطف الدولة»، بالمطالبة بترك التعليم على علاته وأمراضه وعواهنه، بل طالب بإنشاء هيئة «الزجر والضرب بالخيزران» – العنف الرمزي.

كما لا ننسى له دوره ووصايته على معرض الكتاب وعلى عقول الناس وتفتيش أنماط تفكيرهم، وسد كل طريق أو نافذة للتنوير، على الرغم من أن أهل المطالعة قلة غير مؤثرة بفضل وزارة التربية، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وجمعيات النفع العام، ووزارة الإعلام، إذ تأكد للتيار الديني أن المجتمع الكويتي مجتمع «شفاهي»، يؤمن «بالظاهرة الصوتية» والمنبرية، ومكانها المسجد والذي يبنى في كل قطعة من المناطق الجديدة، وليسكنه «حرّاس الرب»، وموزعو صكوك الغفران ودليل الحائرين للجنة والنار، وستكتفي ثلة من المثقفين والتسمية -مجازاً- بإشعال شمعة وكلمتين لا فض فوهم، وسيتمغط المثقف بعلكته وسيتباهى بـ(......) كما يقول الشاعر مظفر النوّاب، وستدخل إلى قلبه السرور صورته في التلفاز.

وفي الصحيفة الصفراء والتي تشبه ابتسامته للكاميرا، وستخرج عبارة فوكو «يجب الدفاع عن المجتمع» من مكان آخر غير الفم، لتترك في المكان رائحة مدوخة، وسنظل نتساءل: متى سيتغير كل هذا الشريط الأسود؟ متى يحقق الإنسان تميّزه عن الحيوان؟

فالإنسان الأول لم يكن يتميز عن الحيوان، ولم تتحقق له سيطرته على نفسه وعلى الطبيعة، وبالتالي فإن حظه من الحرية لم يكن يزيد عن حظ الحيوان منها. وكل خطوة في سبيل الحضارة لم تكن سوى مرحلة من مراحل تحرر الإنسان. الحرية إذن معرفةُ وسيطرة.

وعلى الإنسان القيام بعملية إبداعية مستمرة، هي عملية التحرر. ولن يبلغ الإنسان مرحلة الوعي والحرية، إلا إذا عمل على إضفاء الطابع الإنساني على الطبيعة، عن طريق السيطرة عليها. والحرية بهذا المعنى تقوم على فهم «المجال» الذي تتحرك فيه، فهي لا توجد إلا في مواقف أو ظروف معينة.

وهذه المواقف هي الشروط التي تعين تلك الحرية على ممارسة نشاطها وتحديد اتجاهها.

والحرية الواقعية هي تلك التي تحقق نوعاً من التبادل بين الذات والعالم.

والحرية تعبير عن طبيعة هذه العلاقة التي تقوم بين الذات والعالم لأنها تستند إلى العالم وتنبثق منه، وهي لا تعرف الانفصال المطلق، بل تحدد في اندماجها في الأشياء والعالم.

والحرية تلاقٍ وانتقال وتبادل بين الداخل والخارج، وحوار متصل مع الأشياء والآخرين. فالفعل الحر يتضمن قبولنا ومشاركتنا فيه، وهذه المشاركة تعمل على نفي الواقع الساكن وانتقاله إلى حالة أخرى، فالاستقلال النسبي يفرض على الذات تجاوز الحرية السلبية المتمثلة في رفض الواقع إلى الحرية الإيجابية بالمفهوم الإبداعي الذي يحقق صورة جديدة للواقع، وهذا يتسم بالانفتاح على الماضي عن طريق اكتشاف ما تنطوي عليه الذات من إمكانيات، لكي تقدم صورة للحياة في المستقبل تحقق تحررها في بناء قيمي. بعيداً عن التابوهات والنصوص الجامدة أو القطعية التي تخاف من الفلسفة التي تزعزع الأساسات بواسطة فعل الإزاحة المرن وشحنها بالطاقة من جديد، ووأد الفلسفة هو آخر وليس الأخير من مطالب التيار الديني السلفي المتشدد، والذي يرفض بشكل قطعي وباتر حرية التفكير، وحرية المعتقد، وحرية المعرفة التي تمنحه حرية الفرح، لأن الفرح كابوس يقضّ مضاجع هذا التيار الديني السلفي المتشدد، والذي يرفض كل محاولة للتفكير أو التأويل أو المجاز أو الاجتهاد أو المخيلة أو مواكبة التغييرات العالمية والحوارات المفتوحة وحرية التعبير.

فهل سيحرك المجتمع الكويتي ساكناً؟ أم أنه سيظل وللأبد تحت سلطة الاستلاب والخوف من سلطة الدين والوهم والصنمية ومشروع غسيل الأدمغة الذي لن ينتهي دون صرخة؟. اللهم اشهد إني قد بلغّت.. وإذا فات الفوت ما ينفع الصوت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي