الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تسييس السنة على الطريقة اللبنانية!

عاصم بدرالدين

2008 / 8 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نالت وثيقة حزب الله مع إحدى التيارات السلفية السنية ضجة أكبر من حجمها، وحيكت حولها مشاريع وأهداف غريبة، بعدها منطقي وممكن، وأغلبها خرافي. لا نستطيع استيعاب وثيقة "العقد والوعد" بغير أنها محاولة إعلامية من حزب الله لامتصاص الغضب السني، ولإعادة بناء صورته كحزب مقاوم مؤتمن على وحدة المسلمين. لكن هذه المحاولة فشلت، وربما كان يعرف الحزب نفسه موتها قبل إعلانها، لأن الطرف الآخر ضعيف جداً بحيث يعجز عن اعتبار نفسه ممثلاً للحالة الشعبية السنية الهائجة آنياً. فمثلاً لماذا لم ينجح حزب الله في إقناع الإخوان المسلمين في التوقيع على هذه المعاهدة رغم أن علاقته السياسية والحوارية معهم مقبولة وخطوط التواصل غير مقطوعة؟ وهو حكماً سعى لذلك لمعرفته بقيمة هذا التنظيم في الشارع السني الديني تحديداً. من البديهي القول إن إقدام الإخوان المسلمين على توقيع هذه الوثيقة يعني، ببساطة، نبذهم من الشارع السني المحتقن حتى حدود الذروة خصوصاً بعد أحداث بيروت وطرابلس. إذاً ماتت الوثيقة أو دخلت في لحظاتها الأخيرة. ولنؤكد ضعف الطرف السني وانعدام صفته التمثيلية، كما غياب التوازن بين قطبي الوثيقة، ندلل إلى التراجع السريع من قبل السلفيين الموقعين "لدراستها مع أهل العلم والدراية من أبناء الدعوة السلفية". فأهل العلم والدراية أهم شأناً ونفوذاً منهم.

من أسباب قيام هذه الوثيقة، وسقوطها لاحقاً نستنتج أمرين:
أولاً: هناك اعتراف ضمني، وخاصة من قبل حزب الله بعدما سخر جوقته زاعماً أن الصراع محض سياسي، أن علاقة الشيعة بالسنة اليوم وصلت إلى نقطة اللا عودة. وأن الإحتراب الأهلي الأخير كان له ترسباته الطائفية المؤذية، وأكثر من ذلك أكد لنا إدعاءنا السابق، أن ما يجري اليوم في لبنان، ما هو إلا صراع طوائفي، بين طائفة تسعى للتقدم واحتلال المركز الأول في هرمية السلطة، لاعتقادها أنها تمتلك شتى أنواع النفوذ مما يؤهلها للسيطرة، وأخرى تعمل للحفاظ على مركزها الأول، ونفوذها في تحريك العجلتين الاقتصادية والسياسية، وطائفة ثالثة هامشية تسعى للعودة بأقل الإمكانيات والصلاحيات(المارونية) ورابعة هامشية تسعى للحفاظ على نفسها ووجودها (الدرزية). على أن الطائفتين الهامشيتين لا تشاركان في الإحتراب المسلح إلا عرضاً.

ثانياً: يشي التراجع، والبيانات الصادرة عن الجماعات السلفية المختلفة، والتي أجمعت على عملها تحت سلطة تيار المستقبل، أن للأخير سلطة فاعلة على التيارات السلفية المتحركة في شمال لبنان. وهذا النفوذ ليس ببسيط، فالجماعة التي أقدمت على توقيع الوثيقة، رفضت أن تعتبر نفسها مواجهة لتيار الحريري أو ضده بل أشارت إلى أنها حازت على موافقته قبل الإقدام على التوقيع وهو ما نفاه نواب التيار فيما بعد. بمعنى أن التحرك السلفي العنفي الذي تشهده اليوم طرابلس، والذي شهده مخيم "نهر البارد" الفلسطيني منذ حوالي العامين لم يكن ببعيد عن أجواء تيار المستقبل، إنما طبعاً بطريقة غير مباشرة أو ربما مباشرة، من يدري؟! فهؤلاء كانوا مستفيدين على ما تبدى لنا من الحماية التي يؤمنها التيار للجماعات الدينية المتعصبة والتي تشكل بالنسبة له عصباً انتخابيا مهماً جداً وخاصة في عاصمة الشمال.

في تسييس السنة على الطريقة اللبنانية:
إعلامياً شطحت مخيلة بعض الكتاب والمحللين إلى أماكن بعيدة جداً لا تعبر عن الواقع بطريقة صحيحة لا بل تتجاوز التغير الذي طرأ على الاجتماع السني، ما بعد الحرب الأهلية مع توقيع اتفاق الطائف كمرحلة أولى، وما بعد اغتيال الرئيس الحريري في شباط 2005 كمرحلة ثانية للتحول الاجتماعي-السياسي.

في المرحلة الأولى، ما بعد "وثيقة الوفاق الوطني" التي أنهت الحرب الأهلية، دخلت السنية السياسية في مرحلة جديدة، إذ كانت تشارك قبل هذا التاريخ، في السلطة بشكل هامشي في ظل صلاحيات ملكية لرئيس الجمهورية الماروني. فمع الطائف ونتيجة للتغير الإقليمي وغياب الكولونالية الأوروبية "المسيحية" وفقدان المسيحيين للداعم، أستطاع السنة عبر رئاسة الحكومة أخذ كل الصلاحيات الملكية من الرئاسة الأولى.
فعلى المستوى السياسي، ولئن كان الفريق المسيحي منهار ومشتت ومعتكف عن ممارسة العمل السياسي، إرادياً أو جبرياً (بسبب الوجود العسكري السوري) وبعد نفي الجنرال ميشال عون، واعتقال قائد القوات اللبنانية سمير جعجع واعتكاف كل من آل إده وشمعون وجميل عن العمل السياسي، صار السنة هم واجهة لبنان السياسية، مع مشاركة شيعية ودرزية بسيطة وهامشية جداً من الجانب الماروني (المسيحي عموماً).. وليس من باب المبالغة القول أن رفيق الحريري آنذاك كان رئيس الجمهورية الفعلي، أما رئيسا الجمهورية الياس الهرواي وإميل لحود فكانا صوريين.. مع تجاهل الوجود السوري النافذ والمسيطر الأول طبعاً.
أما اقتصاديا، فكل المؤرخين يشهدون أن البرجوازية المسيحية، والتجار المسيحيين هم المحرك الأول للاقتصاد اللبناني ذي الوجهة الخدماتية، حتى الإحصاءات تشير إلى غلبة مسيحية في عدد المستثمرين. قد يكون هذا الأمر ثابت وغير متغير إلا أن التأثير الأول على الحركة الاقتصادية انتقل أيضاً إلى التيار السني الحاكم في البلد وعلى رأسه رئيس الحكومة رفيق الحريري الاقتصادي والمستثمر قبل احتراف العمل السياسي.

الذي أبغيه من هذا العرض البسيط للحراك السلطوي، أن فكرة السنية السياسية متكونة ومتجسدة وفاعلة قبل هذه الوثيقة السخيفة والبالية التي وقعها حزب الله مع أحد أطراف السلفية السنية. وهذه السنية السياسية دخلت في عمقها بعد اغتيال الرئيس الحريري، مترافقة مع تضامن عصبي مذهبي داخل الطائفة المذكورة، على أساس أن وجودها مهدد، باغتيال الشخصية -المشروع- الذي جعل منها الطائفة صاحبة الرقم واحد في البلد. وراح اللبنانيون غير السنيين يطلقون على هذه المرحلة: لبننة السنة! ومع أن هذه اللبننة لا تذكرنا إلا بتاريخ نرجسي لبناني مقزز ومقرف تجاه أي آخر "غريب".. فإن اللبنانيين عموماً فرحوا بهذه التسمية وجميعهم يسعون لنيلها!

هذا عمودياً.. أما أفقياً، فهناك شريحتين أستطاع الرئيس الحريري جمعهما تحت لواء تياره أو نفوذه المالي والسياسي منذ بداية مشروعه، المدعوم سعودياً، والذي نستطيع تأريخ بداياته قبل اتفاق الطائف بسنة أو أكثر بقليل. وهذا الجمع استحال، بعد استشهاده إلى رابطة عصبية قوية صعبة الاختراق، ككل الروابط التقليدية الأولية التي تدور في فلك المذهبية والقبلية.

الشريحة الأولى هي الواجهة المدينية البيروتية، حيث التجارة والحرية والفردية، من القيم الأساسية التي تتبناها هذه الجماعة بنسب متفاوتة طبعاً.. ومن نافل القول أن هذه الشريحة آخذة بالاضمحلال منذ ما بعد الاغتيال المفصلي.
والشريحة الثانية المخبأة في جيب الأولى، والتي تشكل كتلة لا يستهان بها من حيث العدد -وسيلعبون دور المقرر في الانتخابات القادمة- والتأثير على التوجه العام لتيار المستقبل وخصوصاً بعد الاغتيال المفجع للمؤسس. هذه المجموعة الآخذة في الأتساع هي الشريحة الدينية المتعصبة والأصولية السلفية، ومركزها الأس في الشمال حيث الثقل السني. وتأكيداً لنفوذ الثانية على الأولى (نلفت إلى أن الأولى هي الواجهة النيابية والوزارية والقيادية لتيار المستقبل) نسأل: لماذا تتحرك دعاوى السلفيين دائماً قبل الانتخابات النيابية أو البلدية (عام 2005 و 2008) أليس من أجل استغلالها انتخابيا؟ ولماذا منع الجيش من استخدام القوة في الخامس من شباط 2006 عند اجتياح الأشرفية من قبل المتشددين السنة؟ وأخيراً تجميد وثيقة "العقد والوعد" سريعاً.. الخ!

إن تثبيت وجود سنية سياسية "تخلط السياسي بالديني والعسكري"، لا يحتاج إلى عمامة رجل دين سياسية مشابهة لتلك الموجودة عند الشيعة. بل إن السنية السياسية وصلت إلى قمة خلطها ما بين السياسي والديني والعسكري ونفورها من الأخر وعزلتها وتقوقعها وعصبيتها في ظل قيادة مدنية تجارية اقتصادية ليبرالية.. ونقصد بطبيعة الحال: آل الحريري. فهذا هو المفتي، المرجعية الدينية الكبرى لدى سنة لبنان، يعلن وقوفه خلف الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية السني وأحد أعضاء تيار المستقبل (فيما لم يقف خلف الرئيس عمر كرامي حين نزلت الجماهير لإسقاطه ولا يشك أحد بسنيته!)، ومن ثم يدعو للكشف عن قتلة رئيس الوزراء السني رفيق الحريري زعيم تيار المستقبل.. كلها معادلات دالة على الخلط والتماهي حتى أننا ما عدنا قادرين، حالياً، على التمييز بين تيار المستقبل ودار الإفتاء.. كذلك الأمر بالنسبة لتجمع حزب الله-حركة أمل- والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إذ يسيطر الأول على الثاني والأخير!

إن عملية انتقال الطائفة من الانفتاح إلى الانغلاق من التمدن إلى التعصب، ترتبط بعاملين اثنين كأي جماعة اجتماعية يطالها التغيير، أحدهما داخلي ويتجسم في القابلية التي مثلها مشروع الراحل رفيق الحريري. وثانيهما خارجي ويتجسد في المزاحمة الطائفية على السلطة وإثبات النفوذ على الساحة اللبنانية أولاً... وعلى الساحة الإقليمية تتابعاً (صراع إيران الشيعية والخليج العربي السني) وهاكم الشيعة كمثال نافر...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال