الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تصافحنى.. فإننى لا أصافح

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2008 / 8 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت وعدد من الأصدقاء نتجاذب أطراف الحديث حين تطرقنا إلى مناقشة إحدى القضايا الشائكة التى طالما تجنبناها حتى لا نزيد الهموم وتتراكم مشاعر اليأس والإحباط. لقد تسلل موضوع الحوار مرتديا ثوبا فضفاضا عبارة عن تساؤل حول موقفنا من إسهامات الحضارة الغربية فى التقدم الصناعى والتكنولوجى الذى نعيش فى ظله الآن. وقد يعجز المرء عن حصر الابتكارات الضخمة التى توافدت إلينا وصارت جزءا لا يتجزأ من حياتنا لدرجة أننا لا يمكن أن نتخلى عنها كالتليفون والتلفزيون والكمبيوتر والسيارات والكهرباء والميكروفون وأجهزة التكييف وغيرها. والغريب أن انعدام مساهمتنا فى هذا الجانب لا يصيبنا بالهلع أو حتى تأنيب الضمير ولكننا ننزعج وتثور ثائرتنا كلما شاهدنا رسوما أو أفلاما تتعرض للدين أو للرموز الدينية. ولكن المدهش أيضا أن الكثير من أهلنا باتوا مقتنعين أن العلماء الذين ابتكروا وأفنوا حياتهم فى سبيل إسعاد البشرية سخرهم الله لنا لتحقيق تلك الانجازات. وهذه الطريقة فى التفكير ليست وليدة الصدفة، إذ إن هذه المقولة تتردد فى بعض المساجد حيث توجه اللعنات للحضارة الغربية التى أضحت منغمسة فى الماديات وكادت تخلو تماما من الروحانيات ومن سخرية القدر أن هذا النقد يقدم من خلال الأجهزة والوسائل التى أبتكرها علماء الغرب (مثلا الميكروفون الذى ابتكره الأمريكى إميل برلينر فى عام 1876م). ومما لا شك فيه أن هذا الفكر التواكلى الذى يتسلل خلسة إلى عقولنا هو مصدر خصب تعتمد عليه الرسوم والأفلام وربما الأقلام التى تسئ إلينا وهو فى نفس الوقت يفسر سر عجزنا وتخلف معظم البلاد الإسلامية حيث يتفرغ أبناؤها لمتابعة وإصدار الفتاوى الغريبة التى توجه الشباب نحو السلوك المتطرف والمغالاة فى الدين، هذا رغم أن الرسالة الحقيقية للدين تكمن فى تقويم سلوك الإنسان بما يضمن حسن تعامله مع أخيه الإنسان.

لسنا من هواة جلد الذات ولكن ينبغى أن نشير إلى أن المشكلة التى نعانى منها نحن المسلمين هو أنه فى الوقت الذى نترقب فيه الاهانات التى تحملها الرياح القادمة من الشمال فإننا نتغاضى أو نغض الطرف عن الاهانات التى يتلقاها الإسلام من أتباعه فى البلاد الإسلامية التى تعانى من تخمة فى عدد الدعاة الذين لا يترددون فى إصدار الفتاوى حول أى أمر من الأمور. لقد بات السواد الأعظم من هذه الفتاوى جاهزة وسريعة الإعداد، إذ يطلقها الدعاة ردا على أسئلة المشاهدين فى البرامج التلفزيونية المختلفة وهى فتاوى لا تساهم فى حل أو حتى فى تخفيف الأزمات الحياتية والمستقبلية التى نعانى منها مثل احتكار السلع والتلاعب فى قوت المواطنين وتزوير الانتخابات وشراء الأصوات بل هى فى الغالب تساهم فى شدة بأسها وحدتها. ولا نحتاج دليلا على هذه المقولة إذ بماذا نفسر الفتاوى التى انهمرت علينا فى وقت انشغلنا فيه بالتصدى للاتهامات المقبلة من الصحف والأفلام الغربية. لقد تصدرت فتاوى رضاعة الكبير والتبرك بالبول عنوانين الصحف وشغلت الرأى العام محدثة بلبلة فى فكرنا وحياتنا. وآخر هذه الفتاوى هى تلك الفتوى الغريبة التى ألقتها الرياح الشرقية المقبلة من غزة حيث أطلق إمام مسجد بخان يونس فتوى تتعلق بإباحة قتل الجنود المصريين فى حال تعرضهم للفلسطينيين الذين يقتحمون معبر رفح.

وقد نعتقد أن هذه الفتاوى ما هى إلا ظاهرة صوتية تضاف إلى الشعارات والخطب الرنانة التى دأبت أذاننا على استقبالها ليل نهار. وفى رأى فإن هذه الفتاوى تجد آذانا صاغية لدى بعض الشباب الذين لا يتوانون عن ترجمتها إلى سلوك نرصده فى حياتنا اليومية. وربما كانت التجربة التالية خير دليل على ما أقول. لقد زارنى منذ زمن قريب صبى فى مقتبل العمر فبادرت بسؤاله عن إحدى قريباته من سيدات البلدة، فإذا بالصبى يقول لى إنه لا يصافح النساء واللافت للنظر أن هذا الصبى قد أجاب عن سؤال لم يطرح عليه، إذ إننى لم استفسر عن المصافحة بل عن زيارة السيدة وربما يعتقد القارئ أن السيدة التى لا يرغب الصبى فى مصافحتها امرأة فى ريعان شبابها وتتمتع بصحة جيدة وجمال أخاذ لا يمكن مقاومته أو حتى الاقتراب منه. لقد أصابتنى الدهشة وجاءنى إحساس قوى بأننى ابتلعت لسانى مما أفقدنى القدرة على مواصلة الكلام لأن السيدة التى نتحدث عنها بلغت من العمر أرذله ولا تستطيع مغادرة الفراش بعد أن استبدت بها الأمراض المزمنة وأصبحت غير قادرة على الحراك. ولم تفلح محاولاتى لإقناع الصبى بوجهة نظرى، إذ أدركت عندئذ أنه يستند إلى فتاوى فقهية تبناها دون التفكير فى فحواها ومغزاها. وما يدعو إلى الأسى هو أن هذه الفتاوى لا تجد صعوبة فى إيجاد مكان لها فى عقول المثقفين والمشتغلين فى مجال الثقافة. فهذه مذيعة قناة منار تضع اللمسات الأخيرة لبدء الحوار مع شخصية ذات حيثية فى مسرح وكواليس السياسة العربية وهو عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الذى مد يده لمصافحة المذيعة إلا أنها رفضت المصافحة بحجة أنها لا تصافح الرجال ولم تعر اهتماما لمكانة وعمر الرجل (ثلاثة وسبعون ربيعا) الذى يعد بمثابة جدها. وهذا الموقف كان كافيا لإلغاء مشاركته فى الحوار. لعل القارئ الكريم يشاطرنى الرأى فى أن المرأة التى تعمل فى أى مجال تضطر إلى التعامل اليومى مع الرجال. لقد كان حريا بالمذيعة أن ترتدى قفازا يمنع الملامسة المباشرة أو أن ترسل له من يخبره أن المذيعة لا تصافح الرجال ومن ثم تستطيع أن تتجنب المواقف المحرجة. ويروى لنا الصحفى سليمان جودة فى جريدة مستقلة التصرفات الغريبة التى صدرت عن عروس وخطيبها فى حفل اكتظ بالضيوف حيث رفضت العروس مصافحة الرجال بينما رفض خطيبها مصافحة النساء. وتجدر الإشارة أن المصافحة بين الجنسين من المسائل التى يدور حولها خلاف بين العلماء، فمنهم (الشيخ القرضاوى) من يجيزها شريطة تقدم العمر ومن ثم انعدام الفتنة وخلو المصافحة من الشهوة ومنهم (الشيخ عطية صقر) من يرفضها كليا من دون النظر إلى عمر المتصافحين.

من الواضح أن المغالاة فى الدين تساهم فى تشويه صورة الإسلام وتنال من مكانته ولا تحد من الانتقادات التى نسعى إلى التصدى لها. إن الخطوة الأولى لإصلاح ما يمكن إصلاحه تكمن فى وقف نزيف الفتاوى التى تتخلل عقول الشباب وتدفعهم إلى تبنى سلوكيات غريبة لا تتفق مع التراحم والتعاطف الذى ينادى به ديننا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran


.. 85-Ali-Imran




.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني