الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درس من باكستان

طلال احمد سعيد

2008 / 8 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الديموقراطية فكر وممارسة كما سبق ان اكدنا في مقالات سابقة , وهي بنفس الوقت شكل من اشكال الحكم , عرفته الشعوب وطبقته منذ اجيال , وتعرف الديموقراطية حسب القاموس السياسي انها حكم يقيمه الشعب وتكون السلطة فيه منوطة بالشعب يمارسها مباشرة او بواسطة وكلاء ينتخبهم عنه وفق نظام انتخابي حر .
في احدى الدول النامية او ماتدعى بدول العالم الثالث نقلت الانباء خبرا عن استقالة رئيس جمهورية باكستان برويز مشرف من منصبه , بناءا على ضغط الاحزاب السياسية , الفائزة بالاكثرية لمقاعد البرلمان الباكستاني .
برويز مشرف حكم باكستان (9) سنوات , وكان من ابرز قادة المؤسسة العسكرية وصقورها , وواجه المعارضة السياسية بكل قوة , الا انه فشل في الانتخابات الاخيرة مما ادى الى تراجع شعبيته وخسارة اكثر حلفاؤه في الحصول على مقاعد في البرلمان , ومما لاشك فيه ان اغتيال بونازير بوتو وتنامي الرفض الشعبي لسياسة مشرف , وقوة المعارضة التي تستند الى الدستور والى الاغلبيه البرلمانيه , كلها جعلت اللعبه الديموقراطية امرا مقبولا ومنسجما مع الحالة التي تعيشها باكستان في المرحلة الراهنه .
لقد سجل كل من حزب الشعب الباكستاني بزعامه اصف زرداري وحزب الرابطة الاسلامية بزعامه نواز شريف نصرا كبيرا عندما اجبر السيد برويز مشرف على الاستقالة , وقد واجه مشرف تهمتان الاولى خرق الدستور بالتمسك بقيادة الجيش والترشيح من خلال ذلك لرئاسة البلاد , والثانية اساءة استعمال الحكم و الفساد المالي . وكانت الانتخابات الباكستانيه الاخيرة قد جرت في جو من الديموقراطية والحرية التامه وفازت فيها احزاب المعارضة وفشل فيها رئيس الجمهورية ومناصرية وهذا دليل على نزاهه تلك الانتخابات . وباكستان احدى دول العالم الثالث كما المحنا , وقد لايهمنا كثيرا مايحدث فيها الا ان ما جرى يعطينا درسا بليغا حول اهمية الممارسة الديموقراطية ونتائجها , وقد ثبت ان الانتخابات الحقيقية تفرز ممثلين حقيقين للشعب بأمكانهم ان يحققوا الاهداف التي جاءوا من اجلها دون ضجه او تعقيد . الدرس الباكستاني يعكس المعنى الحقيقي للعبة الديموقراطية , وهو جدير ان ينظر اليه بجدية ومقارنة مايجري هنا في العراق من تشويه للنهج الديموقراطي وانتهاكا لمباديء الحرية التي جرى تزيفها منذ سقوط النظام عام 2003 .
لقد بدأ تشوية الديموقراطية في العراق منذ ان تأسس مجلس الحكم في تموز 2003 على اسس طائفية ومذهبيه , ثم جرت بعد ذلك دورتين انتخابيتين وشرع دستور للبلاد واطلق العنان للفكر الديني و الطائفي , وسط فراغ وفقدان للوعي السياسي , مما جعل الشارع العراقي فريسة سهلة امام التيار الديني والقومي ومكن تلك التيارات ان تجر البلاد نحو كوارث سياسية سيكون من شبه المستحيل التخلص منها في المستقبل المنظور .
لقد تمخضت العملية السياسية في العراق عن تشكيل مجلس رئاسة وبرلمان وحكومة كلها صور صادقة لمبدأ المحاصصة , وكانت نتيجة تلك العملية الضعف الواضح في الاداء وفي اتخاذ القرارات الشجاعه اتجاه اي قضية مطروحه , سيما اذا كانت تلك القضية تتعلق بمصالح الفئات المشاركة في الحكم .
العراق يقف الان بجدارة وبلا منازع في مقدمه الدول التي يمارس فيها الفساد المالي و الاداري على اوسع نطاق , وفي كل يوم نسمع عن انتهاكات مالية وسرقات بملايين الدولارات , كما نسمع عن وقائع لسرقة المال العام و استباحته بشكل صار مألوفا ومكررا , فسرقة نفط الجنوب مثلا والسرقات التي حصلت في وزارة الكهرباء و التجاوزات المالية التي تجري في اكثر من وزارة , كل هذه الامور تمر دون عقاب اوحساب . البرلمان العراقي الذي يختص بأعمال الرقابة على السلطة التنفيذية حسبما نصت عليه الفقرة (ثانيا ) من المادة (61) من الدستور , هذا البرلمان شبه معطل والمتابع لجلساته وهو احدى ثمرات العملية السياسية يكتشف ان دوره اضعف مايكون في معالجة المشاكل التي تعاني منها البلاد , وخاصة مشكلة الفساد المالي , والمجلس اضافة للامراض المستعصية التي يعاني منها وفي مقدمتها نقص النصاب بسبب غياب الاعضاء , فقد ثبت عجزه التام عن الكشف او متابعه اي موضوع يتعلق بالمال العام المستباح , الغريب ان مجلس النواب العراقي الحالي الذي هو وليد عملية التغيير التي حصلت عام 2003 استعاض عبارة من القاموس الصدامي وذلك بطلب استضافة الوزير او المسؤول لغرض المسائلة والمتابع لعملية الاستضافه هذه يلاحظ انها تفضي الى لاشيء, فألمسؤول يلقي كلمه حول انجازاءات وزارته و مشاريعها الحالية والمستقبليه ومباديء النزاهة التي ينتهجها , ثم يخرج منتصرا لانه يمثل الطائفة او الحزب المشارك في السلطة ولايمكن لاحد ان يمسه بسوء طبقا لمبدا ( انته هص واني هص ) .
لعل الازمة التي نشبت اخيرا عند طرح قانون انتخابات مجالس المحافظات اثبتت بما لايقبل الشك اننا لم نتلمس الطريق الصحيح للممارسة الديموقراطية , وان التعصب القومي والديني هو الذي يدفع العراق الى طريق مسدود , وان العراق لاشك مقبل على ازمات سياسية خطيرة سببها غياب القوى الديمقراطية والعلمانية الحقيقية عن الساحة السياسية , وانتهازية القوى الماسكة لسلطة مابعد التغيير .
ان على العراقيين ان يتعلموا كثيرا من تجارب الشعوب التي سبقتهم في العمل الديموقراطي . فالديموقراطية ليست مجموعة من الحقائق المنزلة او النصوص الجامدة غير القابلة للتغيير انما هي الية يستطيع الشعب من خلالها الوصول الى الحقيقة بالحوار و البحث العلمي , وعن طريق ايجاد السبل الكفيلة لحل المشكلات الي تقف في طريق التطور و النمو , ولايمكن لهذا النوع من الديموقراطية ان ينمو ويزدهر في ظل الصراعات الاثنيه والشوفينيه وضمن عقلية الخرافة والعودة الى الماضي والتمسك بمظاهر الجهل . ويجدر بنا ان نشير الى ان الازدهار الاقتصادي هو احدى الضمانات الاكيدة امام الجماعات المختلفة كي تحل خلافاتها في اجواء بعيدة عن الفقر و التخلف , فضلا عن ضمانات اخرى ينبغي توفرها منها الوعي السياسي واحترام الاخر وانتشار قيم التسامح والواقعيه والشفافية والتعاون والتراضي والابتعاد عن الاحقاد و التعصب الديني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah