الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الحداثة

ضمد كاظم وسمي

2008 / 8 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يستطيع أي حداثي عربي ان يماري في ان الحداثة وما بعد الحداثة هي نسخة غربية في المقام الاول... حيث طفقت المفاهيم الأساسية للحداثة الغربية في الأدب والفن بالبروز منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر... ولما تزل تحيي بين طهرانينا... مثل الرمزية والتعبيرية والدادية والسريالية والعبثية... والتي انطلقت من”موقف الرف الحداثي لمعطيات الحضارة الغربية التي أوصلت اليها إنسان العصر الحديث “.

وبعد هزيمة حزيران 1967... وخيبة الحلم العربي... راح الحداثيون العرب يتطلعون الى تقديم نسخة عربية للحداثة... يقول الياس خوري في ذلك:”الحداثة العربية هي محاولة بحث عن شرعية المستقبل، بعد ان فقد الماضي شرعيته التاريخية في عالم توحده الرأسمالية الغربية بالقوة، ويهيمن عليه الغرب، وتنفى فيه الاطراف الى الذاكرة التاريخية، حيث لا تستعاد الا بوصفها فولكلوراً او دليلاً جديداً على تفوق الغرب وقدرته على نفي الاخرين وابادتهم.

البحث عن الشرعية هو بحث عن محاولة التخلص من خطر الابادة ومحاولة ايقاف تدمير الذات عبر القبول بتدميرها الجزئي، انقاذ اللغة...، الانطلاق من الحد الادنى من اجل ايقاف التدهور الشامل ومحاولة البناء انطلاقاً من هذا الحد الادنى “.

اذن في ظل ما ميز الخصوصية التاريخية الذي هو سمة الثقافة العربية وحيث ان الماضي فقد شرعيته ـ على حد تعبير الياس خوري ـ بل يؤيده مانزل بالامة من ذهول حضاري رهيب... يقابله نزوع طغياني لحضارة الاخر... وعليه يكون الخيار الحداثي الوحيد المتروك امامنا هو امتلاك ناصية المستقبل … بعد ان غيب الحاضر في متاهات لا نهائية … وان اول علامة من علامات استشراف المستقبل يتمثل في انقاذ اللغة كما يقول”خوري “... واكبر الظن انه انطلق في ذلك من تأثره بالمشروع البنيوي في النقد الادبي الذي طرح اسلوباً للتحليل يعتمد النموذج اللغوي الذي ينطبق على كل نوع من النشاط الانساني”الى درجة كل نوع من النشاط الانساني قد اصبح ينظر اليه بانه لغة، بانه نظام اشارات “... كما ان هذا التطلع الى المستقبل قد يعطل الابادة المتوقعة... مع الرضا بالابادة الجزئية من خلال التوجه الحداثي، وانطلاقاً من رفض الواقع... يقول شكري عياد:”وهكذا اصبحت الحداثة عقيدة فنية لدى النخبة المثقفة وشباب الفن “... في العالم العربي، وبغض النظر عن تفاوت صفات هذه النخب في بلد عربي عن آخر... لكنها تكاد تتفق في شيء واحد”هو انها تشعر شعورا حاداً بسقوط الحلم العربي... وهذه الحالة من الاحباط تدفعها الى البحث عن الخلاف في الفن... وهكذا اصبحت الحداثة مخرجاً مناسباً من حالة الضياع “... وهذا يعني ان الحداثيين العرب وغير العرب.... يبنون خيارهم الحداثي على اساس تدمير اعمدة النظام القديم ورفض التقاليد الفنية السابقة... وهو تمرد سيكشف الغطاء عن كثير من افكار البنيويين والتفكيكيين... الامر الذي يناقض شعار الحداثيين العرب عن الاصالة والمعاصرة ومحاولتهم اعادة قراءة التراث من منظور حداثي.

ان التغيرات الجذرية في مضامير الثقافة الغربية... والتي تسارعت مع التقدم العلمي والانقلاب الصناعي الحاسم لا سيما في القرن التاسع عشر وما رافق ذلك من تبدل في سلم القيم التقليدية والعلاقات الاجتماعية، وتنحي القيم الروحية … انتج كل ذلك ادباء يعاقرون العبث ولا يؤمنون باي مبدأ... كما يصفهم”كريستوفر بتلر “:”فقد هؤلاء الكتاب ثقتهم في كل نظام او فلسفة او مبدأ اخلاقي او عقيدة دينية.... صارت كتاباتهم ضرباً من اللعب اداته اللغة “... ولعل الكثير من الحداثيين العرب قد جاروا هؤلاء الكتاب وافصحوا عن تأثرهم”ان لم يكن نقلهم الصريح عن الحداثة بمفهومها الغربي “... من ها هنا اوتى الحداثيون العرب... حيث مكمن ازمتهم... فقد صار للحداثي العربي حضوران”حضور في مجتمعة العربي وحضور امام مراكز الثقافة الغربية “... وهو في حضوره الاول يقاتل التخلف والجمود... حتى يكاد ينفصل عن بيئته فكرياً وتمزقه الغربة في وطنه، اما في حضوره الثاني... فانه مهمش الى درجة النبذ.... يداخله حضور بالدونية ويمتلكه قرف التقزيم الذي يمارس ضده من قبل الاخر... الامر الذي يشير الى ان الازمة هي وليدة التضاد الحضاري والاختلاف الثقافي، فضلاً عما يتناوب كل حضارة او ثقافة على حدة من ازمات... ناهيك ما تعانيه الحداثة من ازمة المصطلح النقدي... واذا كانت الحداثة العربية لم تنجح في نقل المصطلح النقدي الى العربية... او صعوبة فهم المتلقي العربي لدلالاته”فالمصطلحات التي افرزتها الحداثة الغربية في تجلياتها في المدارس النقدية الحديثة من بنيوية وتفكيكية تثير ازمة عند قراء الحداثة الغربية ذاتها “ ويتعرضون الى ذات المشاكل التي تواجهنا ـ مع الفارق ـ لذا، ظهرت عدة دعوات لتوحيد المصطلح النقدي... املاً في الوصول الى دلالات معرفية نقدية متفق عليها... يقول جودسون:”ان بحث دريدا يقنع القراء بانهم لا يعرفون لغتهم، واكثر من ذلك، فكرهم، يجب ان تتم دراسة للغات النقد قبل ان يصبح لاي شيء نقوله حول الادب معنى “ … وهو يعلق على بحث دريدا في مؤتمر جونز هوبكنز عام 1966... والذي اعتبر بداية التفكيك... لكن تبقى جذور ازمة الحداثة العربية اعمق من ذلك بكثير .... انها ازمة فكر.... وازمة ثقافة قبل ان تكون ازمة مصطلح.

ان الاطر الفكرية والفلسفية التي تعد اهم مفردات الفضاء الفضاء الغربي والتي انتجت في النهاية الحداثة وما رافقها من نظريات ادبية ونقدية.... كالبنيوية والتفكيك... لا يمكن فهمها ما لم تتم دراسة تاريخ الفلسفة الغربية منذ ثلاثة قرون خلت... منذ لوك وهيوم وكانط وهيجل ونيتشه وهايدجر وغيرهم... هذا التراث... قد تم استيعابه من قبل المتلقي الغربي بشكل او بآخر... وبالتالي فان هذا المتلقي يمكنه التعامل مع المصطلح النقدي الحداثي.... والذي استمد القدر الاكبر من دلالته من تلك الخلفية التراثية... ورغم ذلك فان هذا المتلقي يشق عليه فهم دلالة ذلك المصطلح... فما بالك بالمتلقي العربي المتأخر حضارياً.... والذي يتعامل مع مصطلح ولد وتكون وغذي في فضاء ثقافي آخر... والاغرب من ذلك اصرار الحداثيين العرب على استخدام”المصطلح النقدي والادبي الغربي بكل دلالاته، ويصلون الى نفس النتائج التي توصلت اليها الحداثة الغربية في تعاملها مع النصوص: فلا نص ولا دلالة ثابته: لا تفسير نهائي للنص، لا تفسير مفضل او موثوق به، اللعب الحر للغة، كل القراءات اساءة قراءات... الى آخر تلك المتاهات “.

ان الفضاء الثقافي/ الحضاري العربي... ليس مهيئاً لتقبل هكذا ترف فكري... تعاطت معه الحضارةالغربية الى درجة ان نادت الثقافة الغربية بما يسمى انسنة الدين “ اي ارجاع الدين الى الانسان واحلال الاساطير محل الدين... فيما حدا التقدم المذهل في العلوم البيولوجية الى حد ارجاع المقدسات والغيبيات الى جسم الانسان... هذه اذن الحداثة بمفهومها الغربي وكما تصفها خالدة سعيد:”اذا كانت الحداثة حركة تصدعات وانزياحات معرفية قيمية فان واحداً من اهم الانزياحات وابلغها، هو نقل حقل المقدس والاسراري في مجال العلاقات والقيم الدينية والماضوية الى مجال الانسان والتجربة والمعيش “.

الامر الذي لا مراء فيه... ان الفضاء الثقافي العربي.... رفض ويرفض بقوة هذا الترف الفكري...لانه لايمكن ان يقبل ان تطبق مقولات البنيوية والتفكيك على النصوص الا اذا قبل بمقولات من قبيل اللانص، واللعب الحر للغة وتعدد التفسيرات بصورة لا نهائية... وهو امر دونه خرط القتاد.

اننا لا نستطيع ان نقدم ترفاً فكرياً لجمهور شغله الشاغل مفردات واقع بائس: لقمة العيش، وحرية التعبير، والتقاليد المتخلفة القاهرة.... الخ.

ان القضية الأساسية التي تجابهنا اليوم هي: كيف نؤسس مجتمعاً حديثاً في عالم حديث؟...

ان الحداثيين العرب يجعلوننا شكلاً في العالم الحديث... لكن الحقيقة اننا خارجه... الامر الذي يضطرنا”الى معاناة قضايا مجتمع قديم في عالم حديث، ومعاناة قضايا عالم حديث في مجتمع قديم. ففي التعبير عن معاناتنا تلك نعرض انفسنا لانتاج ادب يجده القارئ العربي مستورداً غربياً “ على حد تعبير يوسف الخال.

ان اختلاف الواقع العربي حضارياً بابعاده: التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية المشخصة... عن الواقع الحضاري الغربي... والذي انتج الحداثة ومصطلحاته النقدية ونظرياتها الادبية … المأزومة في الغرب ذاته... يجعل استيراد الحداثة الغربية بقيمتها المعرفية التي افرزت مصطلحها النقدي... من قبل واقعنا العربي ضرباً من ضروب العبث... او شكلاً من أشكال اللعب الحر للغة بمفهوم دريدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف