الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اضاءات تاريخيه: محجوب الشيخ البشير

عبد العزيز حسين الصاوي

2008 / 8 / 25
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


دراسة نقديه أصدرها الحزب الشيوعي السوداني منتصف السبعينيات الثاني بعنوان " حزب البعث وقضايا التحالف الوطني الديموقراطي في السودان " خلُص فيها، بعد مناقشة مستفيضه لاول وثيقة شامله كان البعث قد اصدرها عام 74 بعنوان " البعث وقضايا النضال الوطني " ، الي انه : " يوحي في بعض الاحيان بأن التاريخ قد افرزه في لحظة كانت فيها حركته ( .....) تمر بعنق زجاجة من الضيق بحيث لايفرز الا حزب البعث مرّكزاً فيه كل إيجابيات الحركة الوطنيه. الظهور المسيحي المخّلص لحزب البعث يمتص جميع الاحزاب الاخري ويحيلها الي دهاليز الحركة السياسيه. ولكن ماكل هذا الا وهم محض. التاريخ لم يفرز حزب البعث في أي عنق زجاجه صغيرا كان ام كبيرا ( .... ) أفرزه كأحد تياراته الجانبيه، كأحد عناوينه الصغيره ولم يكلفه بهذا الدور الموهوم " .
صدور الدراسه في حد ذاته كان إشارة لظهور منافس يساري للحزب الشيوعي لاول مره بمستوي ينفي صحة هذا التقييم وهي فرصة لم يتوان البعثيون في اهتبالها فأعدوا دراسة لاتقل طولا بعنوان " نقد النقد او حول وثيقة الحزب الشيوعي المعنونه...." افتتحوها باستخراج هذا المعني. دارت ايام الزمان بعد ذلك ومعها الدوائر علي الحركة اليساريه بأشكالها وتوجهاتها المختلفه فاذا هي جميعا تقف امام بوابة المصير الهامشي منذ اواخر الثمانينيات ولكن من الانصاف للحقيقة القول بأن البعث بالذات توغل في جانبها الاخر بعيدا مما ينفخ الروح في نبوءة الحزب الشيوعي حوله. خصوصية تركيبة البعث الجامعة بين السوداني ( المحلي ) والعراقي ( العربي ) كان معناها وجود عامل اضافي بالنسبة له ضمن مجموعة العوامل التي عرقلت قدرة الاطراف المختلفة للحركة اليسارية علي مجابهة مهام التحديث والتغيير. واذا كان الطابع النقدي الغالب علي كتابات " حزب البعث السوداني " مؤخرا حول تجربته ببعديها المحلي والعربي توحي بأنه يحاول التغلب علي عوامل التعطيل هذه، فأن الاهتمام بتسجيل تاريخ الحزب قبل وبعد استقلاله عن المركز ( القومي) يكون مبررا .. وحبذا لو شمل ذلك حزبي البعث الاخرين اللذان حافظا علي هذه الصله : البعث " قيادة قطر السودان " بقيادة الاستاذ علي الريح والبعث " القطرية السودانيه " بقيادة الاستاذ التجاني مصطفي.
بيد ان المدي التسجيلي لهذه المقاله محدود للغايه علي خصوصيته البالغه. فبينما تقترب جهود اخري من كتابة تاريخ كامل للحزب ينحصر الهدف هنا وفي مقالين قادمين علي تسجيل بعض المعلومات والانطباعات عن شخصيات غادرت عالمنا اتصل تاريخها الشخصي بتاريخ الحزب في مرحلته الباكره، خوفا من ضياع أثرها مع التحاق كاتب المقالات بها وعلي امل تحريك ذاكرة اخرين لاستكمالها او تصحيحها.
اول هذه الشخصيات هو محجوب الشيخ البشير ( 1939 – 1970 ). والده الشيخ البشير الفضل، احد اساتذة اللغة العربيه بكلية غردون التذكاريه. ومن بين اعضاء الاسرة التي اشتهر افرادها بالنباهه وتعود جذورها الي المتمه- شندي، احمد الشيخ البشير احد اميز القضاة السودانيين المتوفي في السبعينيات وعلي الشيخ البشير( 1928-1956 ). وتنم سيرة الاخير عن مجموعة الخصائص والتوجهات التي رشحت شقيقه الاصغر محجوب لدور متميز في ارهاصات نشوء الحركة القوميه العربيه السياسيه بقي عند هذا الطور نظرا لوفاته المبكره. علي الشيخ كان احد الكوادر الواعدة قياديا في حركة الاستقلال الوطني ( العلمانيه ) ممثلة في حزب الاشقاء بقيادة الازهري قادما اليه من المظاهرات والمعتقلات ثم انحاز الي جناح الحزب الذي عارض التخلي عن توجهها الوحدوي مع مصر وهو جناح له ثقل يساري وفق رواية عبد الله علي ابراهيم لجزء من سيرته ( الرأي العام 10 اكتوبر 2007). وعندما أنهي علي الشيخ حياته غرقا يوم اعلان الاستقلال في اول يناير 1956 وهو دون الثلاثين وعلي وشك تسنم واحد من اعلي المراكز القيادية في الحزب الوطني الاتحادي ، رئاسة تحرير الجريدة، بدا الامر محاكاة للموت الفجائي لاحلامه الوحدويه مما أنبأ ولاشك عن تكوين نفسي ذي حساسية عاليه.
هناك بعض جوانب الشبه بين علي ومحجوب الشيخ فيما يتعلق بالملكة القياديه والتوجهات السياسيه وبرغم وفاة الاخير المباغتة في حادث اختناق بالغاز في بريطانيا الا ان تكوين شخصيته المتوازن والمنفتح علي الحياه، كما خبرها كاتب المقال عن قرب، تستبعد احتمال التشابه في الانتحار الذي عاد الي أذهان البعض عند وقوع الحادث. علي مظهره السلوكي الممراح، بعكس شقيقه علي في هذا الجانب حسب رواية سيرته المشاراليها سابقا، كان محجوب الشيخ بالغ الجديه فيما يتصل بقناعاته في كافة شئون الحياه. الي ذلك كان يتمتع بنوع من الكاريزما يصعب تحديد كنهها فهو علي ذكائه لم يكن طالبا مبرزا او رياضيا ولكنه مع ذلك يخلق حوله مجالا مغناطيسيا يجذب نحوه اقرانه اينما حل ... ومع ميله للهذر كان ذا شخصية مؤثره وقدرات قياديه تتجلي في ابسط الاشياء وأعقدها من خطط ومغامرات الترفيه الشبابي الي الجدل السياسي والفكري.
جمعته مع كاتب هذه المقاله زمالة الدراسة بمدرسة الخرطوم الثانويه( القديمه لاحقا) وربما قبلها بمدرسة الخرطوم الاهليه الوسطي ( الشيخ مصطفي الامين لاحقا )، مكتشفَين ميلهما المشترك للناصريه بمسحة يساريه علمانيه. انتقلا بعدها الي غرفة مشتركه بداخلية الدندر ثم سوباط بجامعة الخرطوم حيث تبلورت هذه الميول بصورة أوضح ليستقرا معا علي ضرورة اصدار جريدة حائطيه تعبر عن هذه الميول لاول مره في تاريخ الجامعة اختارا لها اسم " الرائد " تيمنا بأول جريده سودانيه فعلا وبنفس الوقت ذات بعد عربي من حيث مادتها كما ان رئيس تحريرها اللبناني كان وثيق الصله بمثقفي السودان انذاك ( محجوب محمد صالح: الصحافه السودانيه في نصف قرن). يذكر صاحب المقال حدوث ذلك في نادي اتحاد الطلبه جوار سينما النيل الازرق ذات مساء رائق لطيف الجو ومتناقض تماما مع جو سياسي معكر مغبر بين الشيوعيين والقوميين هو المسبب المباشر لتنفيذ الفكره. ففي تلك الفتره 60-61 اندلعت معركة اعلامية- سياسية عنيفة بين الطرفين تزعمتها من الجانب القومي اجهزة الاعلام المصرية امتدادا لصراع دموي في الساحة العراقيه بعد اسقاط النظام الملكي عام 58. وبما ان الحضور الشيوعي في السودان داخل الجامعة وخارجها كان اقوي بما لايقاس بالمقارنة للحضور القومي إضافة الي ان الجو الطلابي بكافة تياراته كان معبأ لدرجة الانفجار ضد مصر بسبب قضية تهجير اهالي حلفا، فأن الخروج بوجه قومي ناصري كان مستحيلا بدون تشكيلة الخصائص التي كانت متوفرة بكثره في شخصية محجوب الشيخ البشير وشحيحة بكثره لدي زميله الوحيد. وبينما انكب الاخير علي كتابة مقالات تنظيريه من نوع الفرق بين الدوله والامه ( العربيه طبعا ) لاتثير اهتماما حقيقيا في جريدة حائطيه كان محجوب صاحب المادة الحيه مثل المقابلات مع الاساتذه الاجانب والعرب في الجامعه احداها مع الناقد والمحقق المشهور الدكتور احسان عباس. مع ظهور " الرائد" جاءت السخريه وحتي التهديدات مما كان قمينا بقبر مشروع الجريده في مهده لولا وجود مايشبه حائط الصد غير المرئي المتمثل في الحضور المحجوبي بخصائصه الايجابيه فيها علي ان ذلك ، للمفارقه، عطل دوره في الانتقال من طور الاعلام الي طور التنظيم لتيار العروبه السياسيه. فظهورالجريده أخرج الي السطح مجموعة طلبه من ذوي التوجهات القوميه : اولهم عبد الله محمد عبد الرحمن المشهور ب" بأنفزبل " ثم عبد الله البشير الرسام ( لاعلاقة قرابة بينه وبين محجوب ) وبعدها كرت حبات المِسبحه سودانيا .... ولكن ايضا يمنيا.
الطالبان بجامعه الخرطوم وقتها فرج بن غانم وحسين بارباع كانا علي صلة بحزب البعث العربي الاشتراكي في اليمن وساهما، ضمن مجموعة مؤثرات اخري، في تحويل اتجاه كاتب المقال من الصيغة الناصريه ورغم انه كان الشق الاقل تأهيلا لاداء دور سياسي قيادي في الثنائي فأن بقاء محجوب الشيخ البشير ميالا لهذه الصيغة، الشكل الاحدث لتيار وحدة وادي النيل كما جسد نهايته بشكل درامي شقيقه علي، عطل دوريهما معا في تأسيس التنظيم. ومع البرود الذي طرأ علي علاقة العمل العام بين الزميلين إثر وقوع الخلاف الناصري- البعثي ماأفشل اولي محاولات تنظيم القوميين في جامعة الخرطوم، بردت العلاقة الشخصية ايضا وكان اخر عهد محمد بشير بمحجوب الشيخ البشير في النصف الثاني من الستينيات وهو في ليلة عرسه متوهجاً بالبِشر والتفاؤل حيث غادر بعدها بقليل الي بريطانيا مبعوثا للدراسه من قسم الضرائب بوزارة الماليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن مصمم على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسر


.. شبح الحرب يخيم على جبهة لبنان| #الظهيرة




.. ماهي وضعية النوم الخاصة بك؟| #الصباح


.. غارات إسرائيلية تستهدف كفركلا وميس الجبل جنوب لبنان| #الظهير




.. إسرائيل منعت أكثر من 225 ألف عامل فلسطيني من الوصول لأماكن ع