الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجال الثقافة، موهيكانز مهدّدون بالانقراض

سليم سوزه

2008 / 8 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كنت قد نشرت قبل ايام في عدد من المواقع المختلفة، سلسلة مقالات تحت عنوان "المثقف العراقي وازمة الموقف" وسلّطت النظر فيها على الحقيقة المُرّة التي يعيشها المثقفون العراقيون او على الاقل اغلبهم، من صراع نفسي حاد ضيّعوا فيها بوصلتهم الفكرية والثقافية تجاه ما ارادت طوائفهم بغير حق ولا مسوّغ اعتباري، سوى الانتماء والتبعية العمياء لها وفق قاعدة "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً".

لابد لنا من الاشارة بان ما حصل قبل يومين من اغتيال للمثقف والمفكر العراقي الاستاذ كامل شياع كان بحق صدمة للاوساط الثقافية والعلمية نظراً لما يمثله من فكر واعتدال واتزان خلقي عُرف به في حياته .. فشياع لم يكن من هؤلاء الذين اسبغ عليهم دينهم او طائفتهم او حتى انتمائهم الفكري والعقيدي، صفة الانحياز والانغماس في ثقافة التمزيق والتفرقة المجتمعية المقيتة التي شهدها البلد خلال تلك السنين الماضية، بل لم يكن سوى مفكراً عراقياً متوازناً سخّر عراقيته مع ثقافته في خدمة بلده في احلك الظروف وفي اصعب الاوقات التي رآها بعض كتّاب ومثقفي (المهجر) انها خيانة عظمى للثقافة وانمساخ المثقف الحر في تابعية المؤسسة الاحتلالية (كما يسمّيها شعراء البلو متروبوليس).

في عام 2006 نشر الكاتب العراقي مازن لطيف علي في موقع الحوار المتمدّن مقالة حوارية رائعة مع الشهيد كامل شياع، شخّص فيها الاخير بكل دقة مهام الثقافة الوطنية ودور المثقف في المساهمة في بناء الوطن على الاسس الثقافية الصحيحة والبعيدة عن التسييس او الطائفية، حيث برع اصطلاحاً في توصيف الثقافة بانها "علمانية بطبيعتها ليس بمعنى معارضتها او تناقضها مع الدين، ولكن بمعنى ان حقلها يختلف عن حقل الفكر والممارسة الدينية واعتقد ان من الخطأ اسقاط البعد الديني على البعد الثقافي. الثقافة تبحث في الموضوع الديني وتفكّر فيه وتستلهمه على مستوى الرؤية والموضوع من خلال أعمال فنية وأدبية، لكنها غير ملتزمة بالضرورة بالاطار الديني للنظر، لأن حقلها التجربة الانسانية النابضة بالحس والخبرة الحية، والمشحونة بأسئلة الخيال والابداع، والمتشكلة باللغة أو الصورة أو اللون أو الجسد، أي بأساليب تعبيرية". انتهى كلام المرحوم.

والله لم اجد اروع وادق من هذا التوصيف في حياتي للثقافة وعلاقتها بالدين، فالرجل كان بارعاً في ترميز الثقافة واعطائها الشمولية المستوعبة للفكر الديني، باعتبارها آلية انسانية بحتة تنتج من وحي الفكر الانساني لتشمل بالضرورة المتديّن من الامور .. وهي لعمري انسنة راقية للدين وفق الديناميكية المستمرة للعالم المُعَولم.

ان العملية الاستفزازية التي بقوم بها بعض كتّاب الرأي الآخر ومحاولة جرّهم العملية الثقافية الحالية لتكون طرفاً في ما يجري من مشاكل وقضايا سياسية معقدة، او تحميلها مسؤولية تردّي الوضع العراقي، لهي عملية توريط للثقافة البريئة في ما لا ناقة لها فيه ولا جمل .. من قبيل تسميات عديدة (كمثقفي الاحتلال) و (عرّابي الاحتلال) و (تابعي الاحتلال)، لمجرّد كونهم عملوا سواء بصفة رسمية ام لا، ضمن حقول الثقافة المختلفة في ظل الوضع الراهن. انا مستغرب لماذا يريدون قتل الثقافة العراقية واماتتها في ظرف استثنائي يحتاج لها البلد اكثر من اي وقت سابق؟

لاشك ان شياع قد نال من تهم هؤلاء ما ناله شرفاء آخرون زملاء له في المهنة، سواء بصورة مباشرة ام غير مباشرة، ضمن تلك العملية الرخيصة التي سمّيناها عملية توريط الثقافة العراقية ومحاكمة رموزها الاصيلة بطريقة اشبه بمحاكمات (نورمبرغ) السياسية.

رحم الله كامل شياع، والخزي والعار لقتلته المجرمين، ولتحيا ثقافة العراق دائماً وابداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة