الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصورة مبهرة لكن الضوء يهتز

ياسين النصير

2008 / 8 / 27
المجتمع المدني


هذا ما خلصت إليه من زيارتي الأخيرة لبغداد، إن الصورة المضيئة التي تغمرالشارع العراقي وحركة الناس، ومشاريع المدن، وآفاق الحياة،والقرارالسياسي،والأفكارالمستقبلية،والعمران، لا يمكن أن تكون كاذبة أو سراباً، إنها الحقيقة العراقية وهي تنهض من كبوتها، لتعيد للناس تاريخ بغداد وأفقها الحضاري وموقعها وهيبتها وثقافتها، لكن ضوءهذه الصورة يهتز على يد البعض من السياسيين، ليس بفعل التفجيرات والقتل والأغتيال كما حدث وأغتالوا المناضل الغيور" كامل شياع" المثقف والإنسان الأستثنائي، بل في أن قرارات الحكومة لم تنزل إلى الشارع ،ثمة من يمنعها،ويضع العصي في عجلتها،ويحجبها،ويفسرها تفسيرا خاصا به،وإلاّ ما معنى أن تستمر الصورة المبهرة بالحضوراليومي وهي تملأ الصحافة والفضائيات وتعطي أملاً لملايين العراقيين في المحافظات وفي القرى والبوادي من أنهم يرون ضوؤها العراقي الحقيقي مشعاً في بغداد، لكنهم يفاجأون أن الصورة انطفأت؟،فما يحدث في العراق هوصراع بين: إحياء الصورة المبهرة والحقيقية وموتها.
- كانت تعزية السيد رئيس الجمهورية باستشهاد الرفيق المبدع كامل شياع الذي اغتالته يد التفاهة والغدر والخسة والعار، صورة مبهرة لنا نحن المثقفين العراقيين،في حين كان صمت بقية كادر الرئاسة الذين يتنادون ببرقياتهم ورسائلهم اليومية للتعزية على حوادث عابرة،يطفئ صورتهم في أعين وذاكرة المثقفين العراقيين.
- تسمع يوميا في الفضائيات العراقية وتقرأ في كل الصحف والمواقع عن أن الجهات الأمنية قد القت القبض على 10 أو 20 أو 11 أو 15، أو 100 أو 5 أو 60 من المجرمين والقتلة، هذه صورة مبهرة ومشعة وقوية ودالة على قوة الأمن ومساهمة المواطن فيه،لكن ضوء الصورة الأمنية في وسائل الإعلام العراقية وفي الواقع الميداني خافت ومنطفئ وشحيح، فلم يسمع المواطن نتيجة ما القي القبض عليهم، هل حوكموا، هل أطلق سراحهم؟ هل سجنوا؟ لا أحد يعرف فتذهب تلك الصورة المبهرة أدراج الرياح.
- وأنت ترى حركة الأسواق المزدهرة الممتلئة بالبضائع والمتسوقين الحركة اليومية للإقتصاد وللنقد وللتبادل ولرفاه الأسرة،هذه صورة مبهرة،لكن سوء البضاعة ورداءتها وقلة ذات اليد،تجعل هذه الصورة تهتز وتضمحل ويفتربريقها، لتصبح دالة على فساد اقتصادي مميت وتخبط في الإستيراد والتسويق والإنتاج.
- وأنت تقرأ العشرات من المقالات الرائعة لكتاب ومفكرين في هذه الصحيفة أو تلك، وتحسب ذلك من نتاج المرحلة العراقية الجديدة، هذه صورة مبهرة لم نألفها في السابق،فيها الرأي والرأي الآخر، لكن ما تحمله من أفكارلا يجد صداها عند المسؤولين،لا أحد يقرأ من المسؤولين ولا حتى من كلفوا بمثل هذه المهمة وعينوا في وظائف عليا، فالصورة المبهرة منطفئة تماماً وباهتة وساكنة وغير مجدية،فالكتاب يكتبون من أجل أن يصل صوتهم،لكن الصوت يتعثر في الطريق إلا إذاكان صوت بطانة الوزيرأو سكرتيره.
- وأنت تسمع رئيس الوزراء يتكلم بوضوح عن قضايا الساعة، رجل تجد الوطنية لغته العليا، فتفرح لخطابه وتتأمله، أنها صورة مبهرة حقاً، وترسل أكثر من رسالة لجهات مختلفة لكن ما يقوله لا يجد صدى في ممثلي الطوائف والمجالس والقعدات الحزبية،فبعد يوم أو يومين تطفأ أضواء الصورة وتسحب عن كلمات رئيس الوزراء الآمال، وتموت كل أمنيات الناس بالتغيير.
- وتقرأ قرارات رئاسة الجمهورية عن الثقافة والمثقفين فتفرح، هذه صورة أعلامية مبهرة، ما أن يسمعها من هو في البلاد العربية حتى يحسد المثقفين العراقيين عليها، لكن واقع الأمر ثمة من يطفئ ضوء هذه الصورة ويعتمها، ويجيّرها لنفسه ومن هو في طائفته وعشيرته.
- يتبدل وزير الثقافة القاتل بوزير ثقافة جديد، فيه شيء من العلم والوقار، هذا ما قاله لي صديق مقرب منه،هذه صورة مبهرة إلى حد ما، لكنها مهتزة عندما يعقدون مؤتمرا للثقافة في لندن ودمشق يقتصرعلى جهة وكلاء الوزارة ومن هم في حومتهم.
- الصورة التي يرسلها يوميا وزيرالكهرباء بتصريحاته ومقابلاته مبهرة ومضيئة مثل فانوس أمي، لكن الضوء ويا للأسف شحيح وخافت ومخجل، وكأنه ضوء عود ثقاب اللصوص في بساتين القرى قبل أن يسرقوا بيوت الجيران.
-الصورة التي يرسلها لنا وزير النفط مبهجة ومبهرة ومشعة وفيها ألف لسان ولسان، من أن العراق بلد النفط ويصدر وسيصدر كذا وكذا مليون برميل يوميا، وسيوصل الغاز لأوربا وسبيريا والقمر، لكن واقع الحال لمن يقف في مسرب طويل وطويل جدا من أجل الحصول على قنينة غاز، أو أن يملأ سيارته بالبنزين، أوأن يحصل على النفط للتدفئة في بلد مثل العراق، حالة مخجلة ومملة وتافهة، فالصورة على أرض الشارع العراقي منطفئة وبائسة وعارية من أي رداء ديني أو سياسي، إنها صور الأمبراطور الوهمية الذي يعتقد أنها تغطي جسده بينما هو عار.
-الصورة القبيحة والممتلئة بالإتهامات التي تصدرت مانشيتات كل المواقع والصحف والندوات عن أوضاع اللجنة الأولمبية السابقة للرياضة العراقية،هي صورة مبهرة لأنها أرادت تصحيح مسار العملية الرياضية، لكنها انطفأت قبل أن تضاء شعلة أولمبياد بكين.
-الصورة التي يصدرها المجلس السياسي للأمن الوطني من أنهم اجتمعوا لحل قضايا الوطن وأنهم في صدد التوافق على حل المشكلات العويصة، مبهرة ومضيئة ورسالة مهمة للعالم من أننا نتقدم،وأن لدينا رجالاً يحلون مشكلاتنا ويتفهمون الظروف المحيطة بنا، لذا فقراراتهم ستكون في صالح العراق والعراقيين، لكن أي شيء من هذه الصورة الكبيرة الكلمات لم يظهر للناس، بل العكس يتخذون قراراتهم اليوم، وهم على مائدة الغداء، ثم يتنكرون لها بعد أن يغسلوا أيديهم من الزاد،أنه موت الصورة التي حرص مدراء مكاتب الرؤساء ونوابهم إيصالها لنا عبر الأنترنيت.
- الصورة التي تجري فيها مفاوضات المعاهدة الأمريكية العراقية مبهرة من أن المفاوضين العراقيين قد وضعوا قضية الوطن من أولوياتهم، لكن الصورة تهتز عندما نسمع التصريحات المتناقضة التي لا تبشر بخير غير ما يقوله فلان وينقضه علان، في حين أن المالكي وضع في حسابه أن لا يكون أنور السادات الجديد، وأن لا تكون المعاهدة العراقية الأمريكية مثل معاهدة كامب ديفد السيئة الصيت، فيذهب هو ضحية مؤامرة مركبة من عناصر مختلفة الإنتماءات.
-انتخابات المحافظات شيء مبهر وجميل ويوسع قاعدة المشاركة والمسؤولية في القرار، لكن الأحزاب المتحكمة تطفئ هذه الصورة ولا تريدها شفافية ونزيه لأنها متمسكة بالمناصب التي تنهب فيها ثروات العراق، فتهتز الصور في نظر المواطن العادي الذي بدأ يعبر عن رأيه بأنه لن ينتخب ما انتخبهم سابقا خاصة في قوائهم المغلقة.
-الديمقراطية شيء عظيم ومهم في مسار الشعوب نحو حريتها واستقلالها، هذا شيء مبهر،لكن استغلالها من قبل أحزاب الإسلام السياسي باسم الدين يطفئ هذه الصورة ويحجمها.
- الصورة التي عليها وزير المالية، وتغاضيه عن رؤية ثلاث مليارات دولار ناقصة من حسابات ميزانية عام 2007 لم يعرف أحد أين ذهبت وفي أي جيب دخلت، تكلم عنها النائب مهدي الحافظ والنائب وائل عبد اللطيف فاستبشرنا خيرا، لكن الصورة انطفات بسرعة، هل جرت مساومات ما بشأنها؟ أم أن كل الإدعاءات كانت كاذبة؟ لا أحد يسأل لماذا أثيرت القضية ولماذا سكتوا عنها.
- ولك أن تعدد ما تشاء من الصور المبهرة في حياتنا الاجتماعية والسياسية، ولكن عليك أن تبحث وبوضوح عمن يطفئ هذه الصورة، تبحث عن أولئك الذين لا يرغبون تغيير ما هم عليه، فقد يأتي مجلس نيابي جديد ومغاير فتذهب مساعيهم أدراج الريح، وقد تعم الكهرباء المقطوعة منذ أربعين سنة عن مدن العراق فتضاء عيوبهم، وقد يصل النفط للعراقيين كي يتدفأوا به في الشتاء،فتكثر الحكايات عنهم على المواقد، و قد تعتمد الشفافية في مفاوضات المعاهدة، فيفقد البعض مواقفه المتناقضة و...و... ومع ذلك وبالرغم من هذه العتمة التي نحن عليها،سنجمع أجزاءً من هذه الصورة المبهرة هنا مع أجزاء من صورة مبهرة هناك،لنجد نفسنا في حال متقدمة،ولكنه ليس التقدم الذي ذهب العراقيون من أجله لإنتخاب ممثليهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين


.. لحظة استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في رفح بقطاع




.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين