الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر بين المراجعة والتقييم

صاحب الربيعي

2008 / 8 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفكر بمفهومه الشامل أنعكاس للواقع تحكمه عناصر محددة كالزمن، البيئة والمجتمع....لذلك لايجوز إخضاعه للمناقشة والمراجعة والتقييم دون النظر لمعاييره السابقة لتحديد آلية القياس الصحيحة، فالزمن معيار هام لتحديد صواب أو خطأ الأفكار فلايجوز اعتماد آليات الحاضر لتشخيص صواب من عدم صواب أسس بناء فكر سابق، وليس بالضرورة أن يكون كل فكر ماضوي، فكر خاطئ. فضلاً عن أن البيئة تقسر عناصرها على الانصياع فتحدث تأثيرات سلبية أو إيجابية على ماهية التفكير لإنتاج الفكرة، فالعوامل البيئية المختلفة تؤثر بشكل أساسي على عناصر المجتمع فينعكس حراكها على تشكل الواقع الاجتماعي.
عليه لابد من تحديد العناصر البيئة والاجتماعية المؤثرة على منتج الفكر والذي بدوره يعكسه على منتجه الفكري، فهناك حالة تلازم بين العناصر السابقة لايجوز فصلها بعضها عن بعض بغرض المراجعة والتقييم تحاشياً لاختلال حجم (الصدق والفائدة) في إطاره الزماني والمكاني.
يقول (( ماكس فيبر ))" إذا حاولت تفسير واقعة تاريخية بالنظر لقانون عام، فإنك تسيىء فهم سلسلة الأحداث التاريخية المختلفة. فصل الأحداث وتحديد مسبباتها يمنحك قرأءة واقعية وصحيحة".
إن آلية التبسيط والقراءات المبسترة ومحاولات التقديس للأفكار وشخوصها لاتؤسس لحوار جدي في مراجعة وإعادة التقييم لتجديد الفكر، بل تضيف أخطاء جديدة لأخطاء متراكمة، فالخطأ لايؤدي لخطأ ثاني وحسب، بل لكوارث وصراعات دموية جديدة تخوضها الفئات المختلفة من المستهلكين للأفكار المتباينة.
إن إستعارة رداء التاريخ لإلباس الحاضر، لايستر جسده الفكري العاري لإختلاف مقياس الزمن والبيئة ومتطلبات المجتمع لذا يجب تفحص المقولات والمدلولات والصياغات الفكرية السابقة لتكون متوائمة مع مجريات الحاضر فبدون الحذف والمراجعة والإضافة وإعادة التقييم لايمكن رفد الفكر الإنساني بالشيء الجديد.
يشخص (( الياس مرقص )) مسار المراجعة والتقييم الفكري قائلاً:" من تبسيط إلى تبسيط، من تسرع إلى تسرع، من الفكر الماركسي والقومي إلى الفكر الديني، ومن الجماهير إلى الجماهير، ومن إدعاء إلى إدعاء، لا فكر أبداً!. عيب الفترة السابقة كان بين جملة أمور: الاكتفاء بمقولات عامة شبه لفظية، الابتعاد عن دراسة المجتمع والأمة، وحصرها في الاستعمار والأمبريالية، وفي المجتمع الوطني، ومفاهيم كالطبقات وعلاقات نتاج وإنتاج، كإقتصاد وإقتصادية بالمعنى الماركسي الأشهر أو الستاليني والكاريكاتوري في أحيان كثيرة مع اتجاه معارض ورافض لهذا المنحى لكنه وحدوي تبريري...وها نحن الآن أمام عملية تشكل جديدة، لاتلبسه المقولات الطبقية-الاجتماعية السابقة، أمام نمو أنظمة استبدادية، توتاليتارية جديدة، إقطاعية وفردية، كتلية وذرية، حديثة وعريقة جداً، أصلية ومستوردة، قومية وعالمية".
إن الحوار الفكري الشامل، عملية تراكمية لرؤى وأفكار جديدة ترسم مسارات مشخصة ومحددة المعالم لقياس الواقع الاجتماعي بنظرة متمدنة، محلية تصدر رؤى جديدة ولاتستورد رؤى مخالفة تقسر معايير القياس الفكري (الزمن، البيئة، والمجتمع) على إعطاء مبررات غير واقعية، وتفسيرات مبسترة تزيد من حدة التناحر الاجتماعي لتحقيق الأجندة الخارجية وعلى حساب السلم الاجتماعي لمجتمعات تعايشت عبر قرون من الزمن دون أزمات وتناحرات فيما بينها.
لا توجد أزمة فكرية وإنما تأزم فكري، فالخطأ لايكمن بإستيراد (أستعارة) الأفكار الإنسانية وإنما بنوع الفكر وحاجة المستهلكين فالمنتج الفكري ليس بالضرورة أن يكون صالحاً للاستهلاك في كافة المجتمعات المتباينة بل يمكن أن يكون ضاراً لإختلاف معايير القياس. لذلك يجب إنتقاء الأفكار الصالحة لكسب أكبر عدد من المستهلكين من خلال قياس حجم الصدق والفائدة تحاشياً للكساد الفكري.
يعتقد (( الياس مرقص ))" أنه قبل فترة غير طويلة كنا مع فكرة الركود والنهوض، مع مقولة الانحطاط والتقدم بحجة وجود تبسيط في الثنائيات وهي كذلك قطعاً. أنقلب الكثيرون عليها بدلاً من أن يتفحصوا الكلمات والواقع. هذه الارتدادات في الوسط الفكري التقدمي، ردود فعل وأحياناً عند بعض الماركسين التقليدين والسابقين هي تعويض وتصالح وإسترجاع للجماهير وما شابه، لكن الخطأ لايصلح الخطأ بل ينضاف إليه".
إن المراجعة والتقييم الدوري للفكر كفيل بفتح آفاق ورؤى جديدة تكسر الجمود وتفتت الثبات، تشجع على تلقيح الأفكار المحلية بالأفكار العالمية لرفد الحضارة الإنسانية، فتأطير الفكر الإنساني ( سجنه ) في إطار حزبي بحجة إخضاعه للتطبيق يسيىء للفكر ذاته.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ