الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يستطيع الإنسان أو يحق له أن يفتي في العلوم الدينية؟

غازي الجبوري

2008 / 8 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


معنى"الإفتاء والفتوى"
"الإفتاء" في اللغة العربية اسم مصدر الفعل"أفتى ، يفتي" وتعني إعطاء القول الفصل والحكم القاطع في مسالة أو قضية من المسائل والقضايا المعروضة على العلماء المختصين ، ويتم تداولها عادة في العلوم الدينية ولاسيما في قضايا الأوامر والنواهي أي مايجب على الإنسان المتدين أن يفعله أو يتركه.
أما "الفتوى"فتعني نص قرار الإفتاء أو مضمونه وتطلق على جميع قرارات الإفتاء.

من يحق له الإفتاء

إننا نعلم جميعا أن الأوامر والنواهي وكافة التشريعات والأحكام الدينية من الاختصاصات الحصرية للآلهة ، وفي الدين الإسلامي تصدر من الله تعالى الذي هو خالق كل شيء والذي ينفرد بمعرفة مايصلح لعباده وما لايصلح لهم وهو الوحيد الذي لايمكن أن تتسم تشريعاته بالنقص أو الخطأ ، بينما تتسم آراء الإنسان عادة بالخطأ والنقص مالم يعلمه الله عز و جل ويهديه إلى الرأي الصائب ولكنه في كل الأحوال لايرقى إلى الكمال الذي تتسم به الأوامر والنواهي الإلهية وبالتالي لايرقى إلى الإفتاء ، ولذلك فان الله عز وجل يعد المصدر الوحيد للإفتاء وبالتالي فانه وحده من يحق له إصدار الفتاوى ، وقد أفتى في كل مايخص حياة الإنسان وعباداته وواجباته وحقوقه وعلاقته مع ربه ومع أقرانه من الناس بمختلف درجات القرابة والصلة وفق مايخدم مصلحة الإنسان بصرف النظر عن طبيعة ظروف الحياة والى يوم القيامة وانتهاء الحياة الدنيا وكلف جبريل عليه السلام بإيصال تلك الفتاوى إلى رسله من البشر لتبليغها إلى الناس كافة .
وقد قام الرسل بدورهم بهذا الواجب المقدس على أكمل وجه وقد بينوها للناس تفصيليا ولم يتركوا فتوى لم يبينوها فاهتدى من اهتدى وضل من ضل ، إلا أن وفاتهم تركت أثرا بالغا في حياة أقوامهم مما أدى الى اختلاف الناس فيما بين أيديهم من تلك الأوامر والنواهي أي بين مايحب عليهم القيام به وبين مايجب الامتناع عنه ومابين هذا وذاك.


ماهية الفتاوى التي يتداولها الناس


أن إطلاق الناس تسمية"الفتوى"على آراء العلماء وتسمية هؤلاء العلماء "بالمفتين"لاتمت الى الواقع بصلة لان مايصدر عنهم من آراء لايعدو كونه مجرد اجتهاد طبقا لما متيسر لديهم من وثائق عن الدين وطبقا لفهمهم لما موجود في تلك الوثائق وهو بالتأكيد لاتزيد احتمالية صحته عن 50% في أفضل الأحوال إذ لايحق لهم البت بمسالة دينية مالم يكن لديهم دليل عن الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي يمثل حلقة الوصل الوحيدة بيننا وبين ربنا فالأمر لايتعلق بمسالة علوم تطبيقية أو إنسانية تم ثبوت حقيقتها بالأدلة المادية وإنما يتعلق بأمور وتشريعات محددة تتعلق بطقوس عبادات و حياة الإنسان من أكل وشرب ولباس وعلاقات ومعاملات ، وقد ثبت بالأدلة العقلية والمادية اتفاق معظمها مع مصالح الإنسان ، وبما أن الأدلة وقع لها الكثير من التغييرات والتحريفات المتعمدة لذا فان الشبهة تبقى قائمة إلا مايجمع عليه علماء الأمة لان مايجمعون عليه لايقبل الطعن أو الشك فلو كان فيه مجال للطعن لما تأخروا في ذلك .


كيف نتعامل مع التشريعات التي اختلف حولها العلماء


لقد أوضحنا آنفا أن التشريعات التي يجمع عليها المسلمون ولاسيما علمائهم يجب علينا اعتمادها وعدها صحيحة لأنهم كانوا سيسارعون للاختلاف حولها لو كان هناك مجال لذلك سيما وان هناك أعداء للإسلام والمسلمين يتربصون بنا الدوائر ويهمهم اتساع مساحة الاختلاف .
أما القضايا التي يختلف حولها العلماء فيجب العودة الى عقولنا ونعرض المسالة على مقاصد الشريعة الإسلامية وهو مانسميه اليوم في لغة القانون "بالأسباب الموجبة"فان كان الأمر بالقيام بشيء فيه ضررا للنفس أو للآخرين فيجب عدم القيام به وان كان فيه منفعة للنفس أو للآخرين أو لكليهما فيجب القيام به وحسب المستطاع إذ لايكلف الله نفسا إلا وسعها ومن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه وبالتالي فان مقدار الإثم يتناسب مع مقدار الضرر وعدد المتضررين ومقدار الثواب يتناسب مع مقدار المنفعة وعدد المستفيدين من قول أو فعل الإنسان.
أما الأمر الذي ليس فيه ضرر ولا منفعة فلا إثم ولا ثواب على قوله أم فعله ، إلا أن الأمر الذي يخلط بين المنفعة والضرر فهناك قواعد تقول أن دفع الضرر يتقدم على جلب المنفعة ، كما يجب أن نختار الخيارات الأقل ضررا إذا كنا مخيرين بين خيارات تلحق جميعها أضرار وليس لنا سوى اختيار احدها.
نخلص مما تقدم أن الله تعالى وحده الذي يحق له أن يفتي وقد أفتى بجميع القضايا التي تهم الإنسان في جميع مجالات حياته لاتتغير بتغير ظروف الحياة وامتداد الزمن إلى يوم القيامة ، وقد بلغها للرسل بينما يكمن دور الرسل بالتبليغ وتجسيد تلك الأوامر والنواهي بأنفسهم وتطبيق العبادات والفرائض والتطوع والحدود أمام مؤيديهم المؤمنين بهم لكي يتعلموا السنة وينقلوها إلى لأجيال اللاحقة وهي مايطلق عليها "سنة الله تعالى في خلقه أو في الأرض" بمعنى آخر كافة الأوامر والنواهي والتشريعات والعبادات والفرائض والأعمال التطوعية.
وعليه فانه لايحق للرسل الإفتاء بشيء لم يردهم من الله عزوجل لأنهم لاينطقون عن الهوى بل من الوحي فكيف بغيرهم وقد أكد ذلك قوله تعالى:"اليوم أكملت لكم دينكم...إلى آخر الآية"أي لايوجد شيء جديد بل أن تعدد واختلاف الوثائق التي وصلت إلينا جعلت الناس تجهل أو تختلف في النصوص الحقيقية وشرحها وتأويلها وتفسيرها مما اوجد الحاجة إلى رأي العلماء لبيان الصحيح من الخطأ حسب وجهات نظرهم وقناعاتهم بالوثائق التي بين أيديهم عن الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ، إلا أن آرائهم ليست صحيحة بالضرورة وتحتمل الخطأ أكثر من الصواب ولذلك لايمكن أن نطلق عليها "فتاوى"وهذا لايعني أن جميع آرائهم واجتهاداتهم في الدين غير صحيحة ولكن لاترقى بأي حال من الأحوال إلى "الفتوى"التي قلنا إنها القول الفصل والحكم القاطع الذي ليس فيه شك أو خطأ أو نقص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah