الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا البكاء

سميرة الوردي

2008 / 8 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هلوسة في منتصف نهار
حينما يخنقنا الحزن ، لا يكفي أنين العالم لإطفاء نبضة الألم في قلوبنا . بمَ نتسرى وقد فقدنا بصيرة رؤية الجمال والدفء في ثنايا الأفق ، وأعجزتنا المصائب عن تلمس الطريق الصحيح للخروج من مآزقنا التي راكمتها المحن ، أنى ينزل الندى وقد جفف الألم كل الينابيع ، ولم يتبق من مواقد الراحلين سوى الرماد .
قد يكون العنوان صالحا لأن يكون مفتاحا لقصيدة حب أو لقصة قصيرة. ولكنه عنوان أكثر ملاءمة لحياتنا اليومية التي ننتظر تحولها من حالات العذاب واللاحب واللاتفاهم ، الى حالة من الإستقرار والأمن والسلام والتفاهم ، افتقدناه عمرا بأكمله ، وأملٍ مازال يسري بأفكارنا و يمدنا بالقدرة على المواصلة والبقاء بأن لابد من انبلاج فجر تنتهي فيه هذه المعاناة في حياتنا اليومية .
نحن الماملون نتساءل
هل كركوك عراقية ؟ ! هل سننتهي الى صراعات قومية ونحن لم نزل نعاني من صراعاتنا الدينية والطائفية ، ولم يزل سيف الإرهاب الديني والفكري يطوف على رؤوسنا قاطرا دماءنا ، إذاً متى سنحيا حياة إنسانية يكون فيها للفرد قيمته دون النظر لدين أو طائفة أوعرق أوجنس .
منذ القرن الماضي وكثير من مفكرينا ومثقفينا ناضلوا ونادوا بالديمقراطية كحل أساسي لكل مشاكلنا الحياتية وبدلا منها جاءتنا الفاشية بأبشع صورها لتورثنا المقابر الجماعية والمنافي .
واليوم نسمع كلمة الديمقراطيه ترفرف على كل المحافل والأصوات فلم يبق تيار لم يتبن تلك الكلمة السحرية الرومانسية الشفافة ، التي لم تتوصل اليها بعض الأمم والشعوب الا عبر قرون طويلة من المعاناة والضيم ولكنها قاربت على الوصول لما يحقق حرية الإنسان ورفاهيته ، أما نحن فبالرغم من انقضاء العصور والدهور وحمامات الدم وبقايا المقابر الجماعية ما زلنا ندعي ونحاول التظاهر بتبني الديمقراطية ولكننا لم نزل نراوح في مكاننا .
الديمقراطية ليست شعارا أجوفا أو ثوبا فضفاضا ، بل هي سلوك وممارسة حياتية في كل مفاصل الحياة ، هي سلوك تربوي حضاري ينشأ مع الفرد منذ شهقته الأولى ، هي تمثل حضاري مكتسب عند الآباء والمجتمع والساسة ، يورثوه للأجيال القادمة وليست شعارات تُتبنى تحت حكم الظروف والحاجة .
الديمقراطية منهج للحياة يسري مع خطواتنا الأولى إن كنا حقا نهدف للديمقراطبة بمعناها العلمي والأخلاقي ، والديمقراطية بناء فوقي وقاعدي فديمقراطية الساسة تنبع من ديمقراطية المجتمع .
وبما أن التجربة الديمقراطية وليدة الحاجة في مجتمعنا الحديث فلا بد للساسة من دور ومجهود في تأصيل السلوك الديمقراطي الحقيقي في كل مرافق الحياة ابتداء من دور الحضانة وانتهاء لمجلس البرلمان .
من الملامح الواضحة في تمتع أي مجتمع بحدود معينة من الحرية هي في مقدار الحرية المكتسبة والممنوحة للمرأة في ذلك المجتمع ، ولا تقام الحرية الا على أساس الإستقلال الإقتصادي لأفراد المجتمع ، فللمرأة الحق بممارسة الأعمال والوظائف في كل المجالات إسوة بالرجل ، ولها من الحقوق القانونية والدستورية مثلما هي للرجال .
فآفات البطالة والتخلف تنعكس سلبا على كل البناء الإجتماعي .
الفرد لا يستطيع بمجهوده الخاص أن يؤثر على اشاعة الديمقراطية في مجتمع خرج للتو من أتون الفاشية والإرهاب . بل هذه المسؤولية تقع على عاتق النخبة السياسية التي وصلت للحكم تحت هذه الحاجة ، وهذه الشعارات
الديمقراطية حاجة دائمة وليست حالة ظرفية طارئه سرعان ماتخمد وتنطفئ ، الديمقراطية انقلاب حقيقي في كل خلايا الفرد والمجتمع ابتداء منذ لفظ أول حرف ووضع أول حجر في بناء الوطن .
الديمقراطية سلوك وممارسة منذ أول درس نقرأه وبرنامج نشاهده يبجل الإنسان والعمل والعلم والفن والقانون ، لينعكس على المدرسة والأسرة والأحزاب والتيارات السياسية المختلفة ، ليتسلم القيادة ولأجل معلوم من هو الأقدر فكريا وعلميا وعمليا على الزعامة ، من غير أن تصبح تلك الزعامات ورثا من السلف للخلف وكأن ميراث الحزب أو التيار أو الجماعة ملك طابو صرف لمن قادها في بدئها فللأسلاف منتهاها .
أما في المدرسة والأُسرة والمجتمع فالحديث قد يطول ويحتاج لدراسات علمية منهجية ودورات يتثقف بها ويمارسها أولوا الشأن من معلمين وتربويين وآباء وأمهات ، فلهؤلاء دور مهم ومهم جدا في إشاعة الوعي الديمقراطي بين شرائح المجتمع والأسرة.
كثيرا ما يُنتقد مجتمعنا بأنه مجتمع بكَّاء ، وهي صفة إن دلت على شئ فهي دليل على عمق المأساة التي نحياها . إن احترامنا وتقديسنا لشهدائنا هي جزء من ثقافة مجتمعنا ولو لم تكن مآسينا عميقة ومدمرة لأنتهت حالة النحيب منذ زمن طويل . ولصار للذكرى لون آخر من الطقوس ولكن غياب حرية التعبير واستمرار حالة الضيم المتعاقبة على مرالعصور الإسلامية الأُولى وليومنا هذا . جعل حالة البكاء والنحيب ثابتة غير متغيرة بالرغم من تغير الحياة واختلافها .
إن سعادة أي مجتمع تنبع من رفاهيته ومن استجابة الظروف للتطور الإقتصادي والإجتماعي والتنموي وانعكاسهم على كل شرائح المجتمع دون تمييز أو مفاضلة ، فزيادة الأجور والإعمار والإهتمام بالصحة والتعليم يجب أن تشمل كل المجتمع والمحافضات بنفس الدرجة على أن تعطى الأولوية للمحافظات التي همشت وأبعدت عنها التنمية . إن جدولة الخطط الإقتصادية والإعمارية في بلد مثل العراق تمنح الصبر والأمل لتلك الشرائح المهمشة والتي ذاقت الذل والهوان على أيدي الأنظمة المتعاقبة وآخرهم النظام الدكتاتوري الذي سلب الأولاد والرجال ولقمة العيش وما تبعه من إرهاب وقتل وتدمير دون رحمة أو رأفة وجعل من الأمهات ينابيع دمع ودم لن تطفئهما الا ديمقراطية حقة تطفئ أنين هذا الشعب الذي كان من أول شعوب العالم في معرفة الشرائع والقوانين وتطبيقها .
غاب عنا منذ ثلاثة عشر عام ، ولم يتذكره أحد ، غاب وهو في أتون الحرب ضده ، وفي عزلته الإجبارية ، ولكنه ما فتأ حاضرا في القلب والضمير ، ومازال ذلك المشهد المحير والذي يعجز عن وصفه أرق الأدباء وأجلدهم عندما عُرضت لقطات له في التلفزيون وفي غفلة من النظام المنهار وهو على فراش الموت ، يحاول ولده تلحيفه بعباءة يغطي بها دشداشته البالية ، وكتبه اليوم تطبع في أرقى الدول وتباع بملايين الدولارات ، هذا هو الدكتور علي الوردي ألا يستحق دموعنا وهل من متسائل بعد اليوم يسأل لماذا يبكي العراقيون ، أتوجد مصائب في العالم أكثر جللا من مصائبنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علامات استفهام وأسئلة -مشروعة- حول تحطم مروحية الرئيس الإيرا


.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن نبأ مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي




.. دعم وقلق.. ردود فعل على حادث طائرة الرئيس الإيراني


.. ردود فعل دولية وعربية بشأن وفاة الرئيس الإيرانى إثر حادث تحط




.. الشعب الإيراني مستاءٌ.. كيف تبدو الانطباعات الشعبية بعد موت