الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سر الحملة على الكرد و تطلعاتهم القومية المشروعة

جبار قادر

2004 / 2 / 8
القضية الكردية


  يلاحظ القارئ و المتابع لما ينشر على صفحات شبكة الأنترنيت و الصحافة العربية في المنفى (دعك عن الفضائيات العربية التي تجاوزت الحدود المتعارف عليها في تشويه الحقائق و تزوير الأخبار و تقديم الأفاقين و المرتشين و الوصوليين بصفة مراقبين سياسيين و محللين بل و مفكرين !!!) هجمة شرسة ضد الشعب الكردي و حركته التحررية و تطلعاته المشروعة . الغريب في الأمر أن الأطراف التي تشترك في هذه الحملة متنوعة و متنافرة. ووجه الغرابة يكمن في أن هذه الأطراف تتقاطع في توجهاتها و مراميها و لا يجمعها جامع سوى معاداة الحركة القومية الكردية و التطلعات القومية المشروعة للشعب الكردي . و يجد المرء للوهلة الأولى صعوبة في تفسير هذا التناغم العجيب في كتابات ممثلي هذه الأطراف من العروبيين و الطورانيين و الوهابيين و غيرهم . لا يجري الحديث هنا عن قوى معادية لا تفوت فرصة إلا و تستغلها لإظهار معاداتها للكرد و حقوقهم القومية و تدعو الى قمع تطلعاتهم المشروعة حتى و لو كانت في الأرجنتين على حد تعبير جنرال نازي تركي و دكاكين ( سياسية !!!) تربطها بهذا الجنرال بأكثر من خيط ، وإنما نتحدث هنا عن كتاب لا يترددون في الأعلان عن (تعاطفهم) مع بعض المطاليب القومية الكردية بينما تتضمن كتاباتهم طروحات تتقاطع كليا مع حقائق التاريخ و الجغرافيا فضلا عن تشويه الحركة القومية الكردية و التطلعات المشروعة للشعب الكردي .
 تجاوزت تلك الكتابات و الطروحات السياسية أطر التقويم السياسي و الأجتماعي و الثقافي و الفكري للحركة القومية الكردية و شعاراتها السياسية و سلوك قادة الأحزاب الكردية ، لتتناول مواضيع علمية دقيقة في حقول و التاريخ الكردي و اللغة و االأثنوغرافيا الكردية و….الخ دون الألمام بالحد الأدنى من المعارف و المعطيات التي  يتطلبها البحث العلمي في هذه الحقول . كان من المفروض أن يكون هذا التوجه و الأهتمام بدراسة تاريخ الكرد و بلادهم و تراثهم و لغتهم موضع ترحيب و تقدير الأخيرين ، لو تبنت تلك الكتابات الأسس العلمية التي تهدف الى توضيح الحقائق المتعلقة بهذا الشعب لتنوير الرأي العام العربي بالشعب الكردي و دوره السياسي و الحضاري في العراق و المنطقة ، إلا أن منحى هذه الكتابات و التي تهدف في الجزء الأكبر منها الى تشويه و تزييف الحقائق المتعلقة بالشعب الكردي و حركته التحررية و حتى تلك التي أصبحت معروفة لدى القاصي و الداني ، أثارت ردود فعل غاضبة لدى القراء الكرد و أعتبروها مجرد حلقة من حلقات إنكار وجودهم القومي و قمع تطلعاتهم المشروعة. لا بد من الأشارة هنا الى أن الردود الكردية جاءت في مجملها منفعلة و تفتقر الى أدنى متطلبات النقاش العلمي الرصين و الى الأدلة و الشواهد العلمية التي تظهر خطل تلك الطروحات . و لا يمكن لمثل هذه الكتابات أن تخدم الحوار الحضاري الحر وصولا الى توضيح الحقائق للقراء .
و من الضروري أن أشير هنا أيضا الى أن نشر العديد من هذه الكتابات المجانبة للحقائق العلمية و بديهيات الكتابة الرصينة و تلك المتضمنة للأفكار العنصرية و الطروحات التي تثير الفتنة و العداء بين الشعوب و الأثنيات المختلفة ، و هي أمور يعاقب عليها القانون في المجتمعات المتحضرة ، يشكل خرقا فاضحا لمبادئ الصحافة الحرة و حرية حركة المعلومات بين أبناء البشر و أستغلالا سيئا لمنجزات الثورة المعلوماتية و التكنولوجية. فبدلا من إستغلال هذه المنجزات و الفرص المتوفرة لتعريف مواطني بلادهم بأسباب أوضاعهم المأساوية و توضيح الحقائق لهم و لغيرهم و عرض الحلول الواقعية للخروج من هذا المأزق التاريخي و تنوير الرأي العام العربي و العالمي بحقيقة الأوضاع السياسية و الثقافية و الأجتماعية و الأقتصادية في العراق و محاربة الأفكار العنصرية و الطائفية و الجهوية التي تسببت في  الكوارث الأنسانية التي حلت بهذا البلد و بدلا من زرع روح الأخوة و التسامح و الديمقراطية و الأعتراف بالآخر و بالحقوق القومية و السياسية و الثقافية و الدينية لجميع المكونات الأثنية و الدينية في االعراق  ، نرى بأن بعض الصفحات العربية على شبكة الأنترنيت و بخاصة العراقية تحول الى مايشبه جدران دورات المياه العامة لنشر الأفكار العنصرية المريضة و المثيرة للفتن القومية و الطائفية لأناس تملأ قلوبهم العقد والأحقاد القومية و الطائفية و لا يشعرون بأية مسؤولية أخلاقية تجاه قرائهم . لا أعتقد بأنه من الصواب الأدعاء بأن نشر مثل هذه الأفكار العنصرية المقيتة و التطاول على مقدسات الأمم و الشعوب و الطروحات التي تؤدي الى تأجيج نار الفتن الأثنية و المذهبية ، يجمعها جامع مع حرية إبداء الرأي و النشر ، ففي ظل الأنظمة الأكثر ديمقراطية في العالم يعاقب أصحاب الأفكار العنصرية التي تزرع الأحقاد بين الناس و الطروحات المثيرة للفتن القومية و الطائفية .
تجاوز بعض الكتابات الهزيلة المعادية للكرد و تطلعاتهم القومية و التي نشرت على صفحات الأنترنيت جميع الحدود المتعارف عليها في حقل الكتابة الصحفية . فمن مزيف لجميع الحقائق التاريخية و الجغرافية المتعلقة بالكرد و بلادهم بهدف أنكار الوجود الكردي في هذه المنطقة أو تلك المدينة ، الى باحث في زوايا التاريخ المظلمة وبصورة انتقائية وبعيدة عن سياقاتها التارخية عن أحداث مؤلمة يتشارك الجميع في مسؤولية حدوثها على قدم المساواة ، محاولا إلصاقها بالكرد و تحميل الأجيال الكردية الحالية مسؤولية تلك الأحداث مع إهمال كامل لأحداث التاريخ القريب التي تدين فئات واسعة من تلك المجموعة الأثنية التي ينتمي اليها وذلك عندما تحولت بسبب سياسات القمع و الأبادة التركية بحقها و قصر نظر قادتها السياسيين و الدينيين الى أداة بيد الأستعمار البريطاني لقمع الحركات التحررية الكردية و العربية في العراق.وأغرب من كل هذا وذاك هو أمر ذلك الواهب لما لا يملك و الذي وصل به الأمر أن يصدر فرمانا سلطانيا يهب بموجبها محافظة كردستانية بأكملها لأقلية قومية لم تشكل في يوم من الأيام أكثر من 20 % من مجموع سكان المحافظة المشار بسبب عدائه للكرد و تطلعاتهم المشروعة . هذه مجرد نماذج لتلك الكتابات التي لا تستحق الرد و التعقيب لسبب بسيط  وهو أنها لا تتضمن أفكارا و طروحات منطقية يتقبلها العقل و لا تستند الى أية معلومات و مصادر علمية و معطيات إحصائية. تحاول تلك الكتابات لوي عنق الحقائق وذلك لتشاير أمزجة كتابها و لكنها لا تنطلي على القارئ المتابع و المطلع .  
عندما يعاتب الكرد الكتاب و السياسيين العرب على صمتهم على الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الكردي فإن الجواب الجاهز هو ان الكرد لم ينجحوا في عرض قضيتهم القومية على الرأي العام العربي بصورة جيدة . يمكن للمرء أن يتساءل كيف يمكن للكرد ان يعرضوا قضيتهم على العرب في ظل غياب الصحافة الحرة في البلاد العربية و إمتلاك الدولة أو الحزب الحاكم لوسائل الأعلام المرئية و المسموعة و المقروءة  . حتى في عصر العولمة و الثورة المعلوماتية و القنوات الفضائية لا زال الموضوع الكردي إما يدخل ضمن المحرمات في الأعلام العربي بحجج واهية لعل أكثرها إثارة للسخرية هو الحفاظ على حدة العراق ، أو يجري تناولها من منطلق إثارة الرأي العام العربي ضد الكرد و تزييف الحقائق التاريخية و الجغرافية المتعلقة بهم من خلال الأستعانة بمجموعة ممن يسمون بالمحللين المستعدين دوما لصياغة تحليلاتهم وفق الخطاب السياسي و طلبات المشتري كما تفعل قنوات الجزيرة و العربية و أبوظبي و العالم و النيل للأخبار و شبكة الأخبار العربية التي إنضمت أخيرا للجوقة بعد أن تخلفت عن الركب لفترة قصيرة . وعندما يحاول الكرد ان يطرحوا أفكارهم ولما يريدون تحقيقه في عراق المستقبل ، تتصدى لهم كوكبة من الكتاب ( المقاتلين ) و المجهزين بكل ما أنزل الله من التهم الجاهزة . الغريب في الأمر أن بعض هؤلاء الكتاب لا يجدون حرجا في الزعم و الأدعاء بأنهم يؤمنون بمبدأ حق تقرير المصير للشعب الكردي ، الذي يتضمن قبل كل شئ حق الأمة الكردية في إقامة دولتها القومية المستقلة ، لكن ملاحظاتهم و إنتقاداتهم وموقفهم من لمشروع الفدرالي سرعان ما تفضح حقيقة و نوعية حق تقرير المصير الذي يرتضونه للشعب الكردي . لا يختلف  هذا الأعتراف بحق تقرير المصير للشعب الكردي عن إعتراف صدام حسين ب ( الحكم الذاتي )  للشعب الكردي في كوردستان العراق . 
أعتقد أن مرد هذه الحملة الظالمة على الكرد من قبل هؤلاء الكتاب يكمن في مجموعة من العوامل النفسية و القومية و المذهبية وهو  في الجزء الأكبر منها عبارة عن خليط من رد فعل غير متزن و غيرة سياسية عمياء لأناس و فئات  فشلت في حياتها السياسية و تركت ساحات النضال أو هادنت النظام في وقت ما وبخاصة أولئك الذين أحرقوا أوراقهم في الوقت الضائع مع النظام . لا يتحمل هؤلاء  أن يروا غيرهم وقد حققوا بفعل تضحياتهم الجسيمة و نضالهم المرير شيئا من تطلعاتهم القومية و السياسية . كما أن محاولات الكرد للخروج من دائرة التهميش التي حاولت الأوساط الحاكمة و ممثلي الأمة السائدة من الكتاب و السياسيين و الصحفيين حشرهم فيها أثارت ردود فعل متشنجة لدى فئة واسعة من الكتاب و السياسيين . فقد ترعرع هؤلاء في ظل ظروف كان الكرد يحشرون خلالها في دائرة التهميش السياسي و الأقتصادي و الثقافي و الأجتماعي و كانت كوردستان منطقة عمليات قمع و تخوم و أطراف مهملة و متخلفة .  لا يستطيع هؤلاء السادة ان يتكيفوا مع حالة خروج الكرد من هذه الدائرة الجهنمية ليشاركوا بنشاط في الأحداث السياسية و ليتحولوا الى رقم يحسب حسابه في المعادلة السياسية في العراق و المنطقة و ليساهموا بنشاط في تقرير مصائر البلدان التي يعيشون فيها . لا يحتاج القارئ المتتبع الى عناء كبير ليكتشف هذه التوجهات وبوضوح في هذه الكتابات . 
لست هنا بصدد الرد المباشر على كاتب بعينه ، بل أردت مناقشة الخط العام الذي يربط بين الطروحات و الآراء الواردة في ثنايا بعض هذه الكتابات . و لست هنا بصدد الدفاع عن الأحزاب السياسية الكردية و قياداتها . فلهذه الأحزاب وسائل إعلامها و كتبتها . و تنشر يوميا في الجرائد و المجلات الكردية وعلى صفحات الأنترنيت باللغة  الكردية عشرات المقالات النقدية التي تنتقد مواقف أو سياسات معينة لهذه الأحزاب و غيرها دون أن يخاف كتابها من الملاحقة أو الأرسال الى ماوراء الشمس . وبالتالي فإننا نرى بأن تقويم الحركات السياسية و طروحاتها و شعاراتها و إنتقاد سلوك قادتها امر ضروري للجميع و بخاصة للكرد الذين عانوا على مر التاريخ من عبثية بعض الزعماء السياسيين و تفويتهم للفرص التاريخية و إهتمامهم بصغائر الأمور على حساب الأهداف الأستراتيجية و المصالح العليا لشعبهم . و لكن عندما يتجاوز الأمر الى تشويه حقائق التاريخ و الجغرافيا و اللغة و الطعن في جميع الحركات التحررية الكردية و إنكار التطلعات القومية المشروعة للأمة الكردية ، بغض النظر عن رأينا في هذه الحركة أو ذلك الحزب أو القائد ، فهذا أمر يخرج عن أطر النقد و التقويم الى الطعن في مقدسات الأمم و الشعوب .
دعونا نستعرض بعض هذه الآراء و نقومها . هناك سيل من الدراسات عن اللغة الكردية تعود بداياتها الى أواخر القرن الثامن عشر . وتناولت هذه الدراسات مختلف جوانب اللغة الكردية مثل القواعد و أسس تركيب الجملة، والمجموعة اللغوية التي تنتمي اليها و لهجاتها و الأدبيات التي كتبت بها . كما أن هناك العشرات من القواميس اللغوية الخاصة باللغة الكردية . وإعتمدت الدولة العراقية ومنذ تأسيسها و إلحاق كوردستان الجنوبية بها
( بالمناسبة فإننا لم نبتدع تسمية كوردستان الجنوبية كما يزعم أحدهم مصورا الأمر كمؤامرة و محاولة لفصلها عن الدولة العراقية، بل كانت هذه التسمية تطلق على المنطقة المعروفة اليوم بكوردستان العراق في المراسلات الرسمية العثمانية و كتابات الرحالة و المستشرقين الأجانب قبل تأسيس المملكة العراقية ، لسبب بسيط هو أنها كانت تشكل القسم الجنوبي من بلاد الكرد أولا و لعدم وجود دولة باسم العراق أصلا ليجري تعريف هذا الجزء من كوردستان بها ثانيا . من الضروري أن نتفهم بأنه من الصعب على أناس جرى تعليمهم وتربيتهم وفق مناهج إعتبرت و لازالت تعتبر كلمة كوردستان من المحرمات بل و تهديدا للوحدة الوطنية العراقية و مساوية للخيانة العظمى ، أن  يتعايشوا مع تسمية كوردستان و يتحرروا من الحساسية في إستخدامها كمنطقة جغرافية شأنها شأن المناطق الجغرافية الأخرى في العراق كالبادية و الفرات الأوسط و الجزيرة و غيرها، لأن التسمية البديلة
( شمال العراق ) هي تسمية خاطئة جغرافيا و أثنيا . فشمال العراق يشمل تكريت و بيجي و الموصل و هي مناطق لم يعتبرها الكرد جزءا من كوردستان ، في حين تشكل مناطق كردستانية كخانقين و مندلي و جلولاء و غيرها جزءا من وسط العراق . ما ذنب الكرد إذا كانت مناطق سكناهم تمتد الى الجنوب من بغداد ؟ فلينظر الكاتب الى خريطة إيران ليرى بأن المناطق الكردية فيها تمتد بمواجهة المحافظات العراقية الجنوبية العراقية ) ، نقول إعتمدت الدولة العراقية اللغة الكردية لغة في التدريس و في المحاكم و منذ العشرينات في لوائي السليمانية و أربيل و ذلك بعد الأساليب الملتوية و الجهنمية التي لجأت اليها لحرمان كرد كركوك و أقضية الموصل الكردية و التي شكل منها فيما بعد محافظة دهوك عام 1969 و كرد لواء ديالى ، من الدراسة بلغتهم الأم . وكان التدريس باللغة الكردية و إستخدامها في محاكم المنطقة و تعيين الموظفين الكرد فيها جزءا من شروط عصبة الأمم لألحاق ولاية الموصل بالدولة العراقية و التي أعلنت مع الدولة المنتدية ألتزامهما بهذه الشروط و تعهدتا بتنفيذها .
أليس من الغريب حقا و بعد ثمانية عقود من تلك الأيام و بعد أكثر من قرنين من عمر الدراسات الكردية ، أن ينبري أحد العراقيين ليقول لنا بأن كل ما كتبه المتخصصون في حقل اللغة الكردية من الكرد و العرب و الأجانب هي ترهات لا يعول عليها ، لأن هذا ( المفكر ) إكتشف لغات كردية و ليست لغة كردية و احدة ؟؟؟
 لم نقرأ  أو نسمع من أحد من المستشرقين و الباحثين في حقل الدراسات  اللغوية أن إعتبر اللهجات لغاتا كردية كانت أم غير كردية . أقصى ما حاوله بعضهم مدفوعين من الدوائر الحاكمة في هذا البلد أو ذاك أن يعتبروا اللغة الكردية لهجة من اللغة الفارسية أو إعتبارإحدى اللهجات الكردية من أصول غير كردية ، أما أن يعتبروا اللهجات الكردية لغاتا ، فهذا ( إكتشاف !) جديد مسجل باسم صاحبه و لن ينافسه عليه أحد سوى سليمان ديميريل رئيس الجمهورية التركية السابق !!
فللموضوعية و لأعطاء كل ذي حق حقه يجب أن نشير ألى أن سليمان ديميريل سبق كاتبنا العراقي في طرح أجزاء من هذه النظرية . فبعد ثمانية عقود من إنكار وجود شعب كردي أو وجود لغة كردية في تركيا و في غيرها و بعد أن فشلت سياسات التتريك البغيضة في تحقيق أهدافها و بعد أن إضطرت الأوساط الحاكمة في تركيا أن تعترف بوجود مواطنين أتراك( من أصول كردية !)، و لقطع الطريق على الأعتراف بالحقوق القومية و الثقافية لهؤلاء المواطنين !! حاول سليمان ديميريل أن يشوش على الأمر و زعم بأن هناك 8 لغات كردية و يصعب على الحكومة أن تعتمد إحدى هذه ( اللغات ) للتدريس بها في المدارس أو إستخدمها في البث الأذاعي و التلفزيوني . الغريب أن السياسة الرسمية التركية التي لم تكن تعترف بوجود لغة كردية أصلا، أخذت تتحدث فجأة و بين عشية و ضحاها عن ثمان لغات كردية !!. لذلك ووفق المنطق التركي من الأفضل منعها و عدم الأعتراف بها و قطع الطريق على إستخدامها في التدريس و البث الأذاعي و التلفزيوني . مع ذلك إضطر البرلمان التركي أخيرا بهدف الأنسجام مع قوانين الأتحاد الأوربي الى الأعتراف بوجود لغة كردية في تركيا وحق الكرد في ( فتح دورات خاصة بتعليم اللغة الكردية ) و البث الأذاعي و التلفزيوني بهذه اللغة . رغم أن هذا القرار لايشكل سوى جزءا بسيطا جدا من التطلعات القومية المشروعة للشعب الكردي في تركيا و لن يكون من شأنه وضع نهاية للقضية القومية الكردية في تركيا و يدرك الأتحاد الأوربي حقيقة الأساليب الملتوية التي ستلجأ اليها الحكومة التركية لأفراغ هذا القرار من مضامينه الأيجابية ، ولذلك كان الأتحاد حذرا في الترحيب بهذا القرار و أكد على أنه سيتابع  طريقة تنفيذه ، رغم ذلك كله فان القرار جاء ليؤكد فشل سياسة التتريك البغيضة التي إنتهجتها الدولة التركية منذ بداية القرن الماضي و يثبت للعالم و الأوساط الحاكمة في تركيا بأن سياسة الأنكار و الأبادة لن تنجح أبدا في تركيع الشعوب بل تثير في نفوس أبنائها الأصرار و العزم على نيل حقوقهم و تحقيق أمانيهم القومية ( لدى كرد تركيا محطتان فضائيتان تبثان ما مجموعها 18 شاعة يوميا فضلا عن قنوات إذاعية و تلفزيونية محلية) . 
للموضوعية يجب أن نقول بأن هذا (المفكر ) العراقي قلص عدد اللغات الكردية الى أربع فقط ( لم يحاول أن يتعلم الكردية و يتعمق فيها كما يفعل العلماء و المفكرون عادة قبل أن يطلقوا العنان لنظرياتهم القصخونية ) و لم يطالب صراحة بمنعها من التداول !!! لكن الأنسان المدرك و العاقل لا بد أن يفهم بأن تعلم أربع لغات بدلا من لغة واحدة هو أمر بالغ التعقيد و يجب التخلي عنه .تثير طروحات الكاتب العراقي بشأن اللهجة الكردية الفيلية ، والتي يعتبرها لغة خاصة ، و اللهجتين السورانية و الكرمانجية و يسميها خطأ بالبهدينانية ، السخرية . لا يعرف الكاتب أن اللهجة الكرمانجية هي لهجة كرد تركيا و سوريا و جمهوريات الأتحاد السوفيتي السابقة و جزء مهم من كرد إيران و العراق . اي أن مابين 60 و 70 % من أبناء الشعب الكردي يتحدثون و يكتبون بهذه اللهجة ، فيما تشكل بهدينان منطقة جغرافية محدودة في كوردستان العراق مع إمتدادات بسيطة في كوردستان تركيا . من حقنا أن نتساءل هل تتفرد اللغة الكردية من بين لغات العالم بوجود اللهجات المختلفة ؟ . لماذا لا يشكل هذا الأمر بالنسبة للأمم الأخرى أية مشكلة ؟. في بلد أوربي صغير مثل هولندا التي لا تتجاوز مساحته الكلية  000 41 كم2 (تساوي  نصف مساحة كوردستان العراق ) هناك أكثر من 20 لهجة محلية. لم يشكل هذا التنوع اللهجوي عائقا أمام تطور اللغة بل نفيد الكاتب العراقي علما بأن هولندا تطالب الأتحاد الأوربي بالأعتراف ببعض هذه اللهجات ليجري التعامل بها على الصعيد الأوربي . ألا تشكل سويسرا نموذجا لغويا يمكن الأحتذاء به في الدول المتعددة اللغات ؟.حتما سيقال بأن هذه الدول لها لغاتها الموحدة الى جانب اللهجات . كيف يمكن أن نوحد اللهجات الكردية في ظل منع تداولها و منع الكتابة بها و إعدام من يحاول أن يعلم التلاميذ الذين يدرسون بإحدى هذه اللهجات الأبجدية التي تعتمدها اللهجة الأخرى ، كما حدث مع الشاعر الكردي دلشاد مريواني الذي أعدم بسبب محاولته تعليم تلاميذه الألفباء اللاتينية التي تعتمدها اللهجة الكرمانجية الشمالية . لا يشكل هذا التنوع في اللهجات الكردية عقدة بالنسبة لنا نحن الكرد بل و نعتبره غنى و ثراء للغتنا القومية التي تطورت الى حد كبير و ينشر بها الآن عشرات المجلات و الجرائد و مئات الكتب و تقدم بها رسائل الماجستير و أطروحات الدكتوراه في جامعات كوردستان و تحوي شبكة المعلومات العالمية على مئات الصفحات بهذه اللغة و لهجتيها الرئيسيتين . و نؤمن بأن التطور الحر لهذه اللهجات و توحيد الأملاء الكردي و تقريب اللهجات من بعضها كفيل بحل هذه المسألة بعيدا عن نزعة الفرمانات القرقوقشية و قوانين حماية اللغة من المؤثؤات الأجنبية و اللجوء الى علم الشاطر و المشطور و بينهما الكامخ . ولن نكون الأمة الوحيدة التي تحوي لغتها العديد من اللهجات . ويمكن لنا أن نعزي هذا الكاتب الحاقد على الكرد بأن مبدعينا في أوربا أبتكروا برنامجا علميا جديدا لتحويل النصوص الكرمانجية الجنوبية ( المعروفة خطأ بالسورانية) و المكتوبة بالأحرف العربية الى نصوص بالكرمانجية الشمالية التي تكتب بالألفباء اللاتينية و بالعكس و بمنتهى السهولة .
الغريب أن كويتب آخر و قبل أن يتأكد من الصلاحية المنتهية للمنتوج الردئ للكاتب العراقي أياه أشار من بين الكم الهائل من المصادر و المراجع الرصينة عن اللغة الكردية الى مقال هذا الكاتب لكي يثبت لنا ما لايمكن إثباته حول الكرد و لغتهم و تراثهم بعد أن أعمته الروح الشوفينية و الحقد على الكرد . ويبدو أنه لم يطلع حتى على مجريات الأمور في المنابع العليا التي يستمد منها أفكاره الطورانية المقيتة ، و نقصد بها إعتراف جماعات الذئاب الغبر صاغرين باللغة الكردية و ( السماح بفتح دورات لتعلمها و البث الأذاعي و التلفزيوني بها !!!) .      
يلجأ الكاتب العراقي الى النظريات والأفكار و  الأيديولوجيات المتقاطعة مع بعضها ليؤسس لفكرته التي تتلخص في أن الكرد يشكلون كتلا و جماعات مبعثرة  لا تربطهم الروابط اللغوية و الجغرافية و الدينية و التاريخية و الإقتصادية المشتركة. هذه الطروحات الشوفينية تساوي لدي و لدى كل متابع إنكار وجود أمة كردية متميزة . والأمر الذي يثير السخرية في هذا المجال لجوء هذا الكاتب الى أسماء نكرة أو مختلقة أصلا للكتابة في مواضيع علمية دقيقة لا يمكن أن يتصدى للبحث فيها الا أناس على جانب كبير من التخصص و المعرفة ، لذلك جاءت تلك الكتابات سطحية تفتقر الى أدنى درجات البحث العلمي الرصين و تثير القرف من جهل و أمية مدبجيها . أعتقد  بأنه لا يختلف أثنان من البشر في عصرنا هذا على أن مثل هذه الأراء و الطروحات لا تجد مرتعا لها الا في مزابل التاريخ و من العبث ان يصرف المرء الجهد و الوقت للرد عليها و محاولة تبيان خطلها و بطلانها . فهو يحاول تارة أن يفسر لنا حالة التبعثر الكردي من خلال العامل الجغرافي أو التضاريسي كما يسميه. لا يمكننا ان ننكر دور العامل الجغرافي و الموقع الجيوسياسي لكوردستان  في التراجيديا الكردية . وليس في هذا الأمر شيئا جديدا فللموقع الجغرافي دوره في  الأحداث السياسية والتاريخية و الأجتماعية كما فسره طيب الذكر مونتسكيو قبل أكثر من قرنين من الزمان ، إلا أن دور هذا العامل و العديد من العوامل الأخرى قد تراجع كثيرا في عصرنا الحالي بفعل الثورة  التكنولوجية و بخاصة في مجال الأتصالات و المعلومات .
من المناسب أن نشير هنا الى أن العديد من الكتاب الذين يتصدون للكتابة في الشؤون الكردية يهملون كليا الظروف التاريخية الصعبة التي جرى في ظلها تطور المجتمع الكردستاني عبر القرون الأخيرة من تاريخه الحديث ، و لا يدركون أن الأوضاع الكردية الحالية هي في آن واحد نتاج لذلك التطور التاريخي و عهود السيطرة الأستعمارية و حملات القمع و الأبادة و عوامل كامنة في هذا المجتمع تساعد على إستمرار هذه الأوضاع.   
و بمناسبة حملات القمع و الأبادة الجماعية و التطهير العرقي و التنكيل يستكثر علينا هذا الكاتب (المؤمن )  بالحوار الديمقراطي و حتى بتقرير المصير للشعوب المضطهدة في أفريقيا و أمريكا اللاتينية و جنوب شرق آسيا و ربما في شبه القارة الهندية ، حتى أن نستذكر ضحايا تلك الحملات البربرية و يتهمنا بمحاولة هولوكوستتة القضية الكردية . من حق المرء ان يتساءل في هذا المجال كيف يمكن أن تصل القسوة بإنسان ، دعك عن الكاتب ، الى الحد الذي يمنع ضحايا حملات التنكيل التي قام بها أقرانه حتى من إطلاق الآهات ؟ ألا يدعو هذا الأمر الى التفكير جديا في مديات القسوة التي أخذت تسيطر على عقول بعض العراقيين ؟ ألا يساهم الكتاب بكتاباتهم هذه في تنمية النزعات العدوانية و الدموية و العنصرية و في تعميق روح الكراهية بين أبناء البلد الواحد ؟ ألا يتحملون المسؤولية الأخلاقية عن سيادة القسوة و العنف في مجتمعاتهم ؟ ألم تكن أقلام الكتاب سببا في نشر أفكار العنف و القسوة و الكراهية في المجتمعات لتأتي  القوى المتخلفة بعد ذلك و تحاول تطبيقها على الصعيد العملي من خلال الحروب و الأنفالات الاسلحة الفتاكة ؟. بدلا من التنديد بتلك السياسات و نبذها الى الأبد و الدعوة الى التسامح و بناء علاقات جديدة بين العراقيين جميعا بغض النظر عن الأنتماء القومي و الديني و المذهبي و الجهوي ، علاقات قائمة على مبادئ الأعتراف بالآخر و إحترام مشاعره و خصوصياته القومية و الدينية و الثقافية ، نرى مقالات لا مسؤولة تحاول إنكار الآخر و المس بمشاعره القومية و الدينية و المذهبية و الطعن في سجله الملئ بالضحايا و المنكوبين . لا يمكن لمثل هذه المقالات الا أن تثير الحقد و الكراهية و توقظ غول العنف و القسوة في نفوس العوام و الفئات الجاهلة من المجتمع و يتحمل أصحاب هذه المقالات المسؤولية أمام الله و الناس عن الجرائم و أعمال العنف التي سترتكب بسبب مقالاتهم هذه .
الأنكى من ذلك أن يحاول الكاتب تصوير الخلافات السياسية بين الأحزاب الكردية المتناحرة على أنه صراع بين طرق صوفية ( يعتبرها خطأ مذاهب دينية). لعمري أن هذا التفسير للصراع العقيم بين الأحزاب الكردية المتناحرة هو غاية في التسطيح . إن محاولة تصوير القيادات الكردية شيوخ طرائق دينية و عشرات الآلآف من الأعضاء و من مختلف فئات المجتمع من الفلاحين و الطلبة و العمال و المثقفين و الكتاب من المؤمنين و العلمانين بل و حتى الملحدين مجرد دراويش في حلقات الذكر هو السطحية بعينها . يبدو أن الكاتب قد قرأ شيئا من التاريخ الكردي و عرف معلومة تشير الى أن معظم قادة الأنتفاضات الكردية في نهاية القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين كانوا من رجال الدين المنتمين الى إحدى الطريقتين ، الأمر الذي دفع به أن يسقط الحالة على القيادات الكردية الحالية. الأحزاب الكردية الحالية و منذ نهاية النصف الأول من القرن الماضي تشكلت على أسس قومية و سياسية و ضمت في صفوفها الكرد من مختلف الطبقات و الفئات و الأديان و المذاهب . فهناك الكردي المسلم السني و هناك الكردي الفيلي الشيعي و هناك الكردي الأيزيدي بل و هناك الكوردستاني المسيحي و غيرهم يعملون جنبا الى جنب في إطار الأحزاب الكوردستانية. لقد وحدت هذه الفئات سابقا شعارات النضال من أجل الديمقراطية للعراق و الحكم الذاتي لكوردستان و يوحدهم الآن شعار الفيدرالية لكوردستان في عراق ديمقراطي تعددي و دستوري . و شاركت الى جانب هذه الأحزاب في الثورة الكردية قوى عراقية معروفة مثل الحزب الشيوعي العراقي و غيره من القوى المعارضة للدكتاتورية . يعرف الكاتب أن زعماء و قادة الطرق الصوفية في كوردستان و خارج كوردستان يتفرغون لحلقات الذكر و يعتبرون ممارسة الشأن السياسي عملا لا يدخل ضمن إهتماماتهم بل ولا يليق بهم . إنه لأمر مثير للسخرية إطلاق صفة الطرق الصوفية على حركة قومية تضم مئات الآلآف من البشر لمجرد إنتماء بعض قادتها السياسيين تأريخيا الى هذه الطريقة الصوفية أو تلك .
من المؤسف أن هناك الكثير من الآراء و الطروحات اللامنطقية التي تجد سبيلها الى النشر في الصحافة العربية و على صفحات الأنترنيت و من العبث الرد عليها جميعا لأن الكثير منها لا تتوفر فيها أبسط مستلزمات الكتابة الصحفية دعك عن المعارف و المعلومات الصحيحة التي يمكن أن تقدمها للقراء و لايمكن الأدعاء بأن نشر مثل هذه المقالات يمكنها أن تنمي روح الحوار بين العراقيين الذي نحن بأمس الحاجة اليه بعيدا عن الأفكار المتطرفة التي عانى الجميع بسببها الكثير . يجب أن نتطلع جميعا الى نشر الأفكار الأنسانية و زرع روح المحبة و التسامح بين الناس جميعا و نحاول أن نزيل الآثار المدمرة لثقافة العنف و القسوة و التسلط التي ظلت تسود الحياة السياسية و الفكرية العراقية لعقود طويلة. لقد ولت العهود التي كان بالأمكان التنكر لحقوق الشعوب و محاولة قمع تطلعاتها القومية بالحديد و النار و أصبحت حتى الدول الأشد عنصرية تضطر مجبرة أمام نضالات الشعوب و ضغط الرأي العام العالمي الى التخلي عن بعض سياساتها . 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا