الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن أي شيء تتحدث جماعات الإسلام السياسي

عمرو اسماعيل

2004 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد أصابتنا الجماعات التي تدعى أنها تتحدث باسم الإسلام وهو منها براء بالصداع وهى تصر أن الحل لجميع مشاكلنا هو تطبيق الشريعة و أن الإسلام دين و دولة و انه لن تقوم للشعوب الإسلامية قائمة إلا عندما تقوم دولة الخلافة, كلام مرسل لمجموعة من المدعين لم يتفقهوا دينهم ولم يقرئوا التاريخ أو لم يستوعبوه أو أنهم يعرفون الحقيقة ويغررون بالعامة طمعا بالحكم و السلطان.
و بداية وقبل أن أرد على هؤلاء المنظرين للإسلام السياسي أحب أن أقرر حقيقة قد لا يعيها الكثيرون وهى أن الشعوب الإسلامية و لا أقول الدول الإسلامية عاشت خلال القرن العشرين أفضل قرونها على الإطلاق من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية رغم حكوماتها الديكتاتورية و رغم الاستعمار ورغم هزائمها المتتالية أمام إسرائيل وذلك بفضل انتهاء عصر الخلافة العثمانية وبفضل تطبيق القوانين المدنية والتي اقتبسناها من أوروبا وخاصة فرنسا.
فتحت حكم الخلافة التي ادعت أنها إسلامية كانت الشعوب تعانى الأمرين من شظف العيش ولم تكن فى الحقيقة أكثر من مجموعة من العبيد تعمل فى الأراضي الزراعية لكى يأخذ الخليفة خراج الأرض فيبنى القصور ويشترى الجواري و الغلمان و كان هو دائما الآمر الناهي يعطى من يشاء  ويمنع ممن يشاء , ويلتف حوله فقهاء السلطان يعظونه برفق أن فعلوا أو يبحثون له عن مبرر فى الشريعة لجرائمه, أما الشعب المقهور فليس أمامه سوى طاعة ولى الأمر وألا فأن السيف البتار جاهز لقطع الرقاب لمن تسول له نفسه الخروج على ولى الأمر.
وكانت الأراضي الزراعية تعتبر ملكا خاصا للحاكم ينزعها ممن يشاء و يهبها لحاشيته و أتباعه فتكونت الإقطاعيات ليزداد غنى من لا يستحق ويزداد فقر الملاك الحقيقيين للأرض والعاملين عليها , حدث هذا فى جميع العصور من أيام معاوية ومرورا بهارون الرشيد وحتى أيام محمد على فى مصر ولم نجد من الفقهاء من يقف أمام الحاكم ليمنع الظلم عن الرعية إلا أبو ذر الغفاري فتم نفيه لإسكات أول صوت اشتراكي فى التاريخ الإسلامي.
وقد كان دائما تقييمنا لعظمة الخليفة أو الحاكم هو كم من البلاد قد فتحها و كم من القصور قد بناها أما كيف كانت تعيش الرعية أو كم عدد القتلى من المغرر بهم باسم الجهاد من الغلابة الذين هم وقود المغامرات الحربية و أطماع الحاكم فى زيادة رقعة أملاكه وبالتالي ملأ خزائن ما كان يسمى مجازا بيت المال لكى يوزعه هذا الحاكم كما يشاء و على من يشاء, على شاعر أفاق يقول فيه قصيدة مدح أو فقيه منافق يبرر له دينيا أفعاله بينما الشعب الغلبان يعانى الأمرين فى زراعة الأرض و يموت منه الآلاف من الجوع والأوبئة أو فى جبهات القتال.
كان هذا حال الخلافة العثمانية ومن قبلها العباسية و الأموية, حتى أن من سخرية القدر ان عبيد هؤلاء الخلفاء من المماليك قد أصبحوا هم السادة لأنهم كانوا يجيدون استعمال السيف ووجدوا من يدعوا لهم على المنابر من رجال الدين رغبة أو رهبة.
كان هذا حال الشعوب دائما فى عصور الخلافة الإسلامية, ولم يكن هناك أبدا قانون ألا القانون الذى يرضى رغبات الخليفة أو واليه فى أي مصر من الأمصار فالخليفة كان فى الحقيقة يملك الأرض ومن عليها من بشر وزرع و حيوان. حدث هذا فى جميع العصور الإسلامية بعد الخلافة الراشدة و حتى فى بعض فتراتها. ولترجعوا الى ما يمتليء به تراثنا من أخبار الرفاهية و البذخ فى القصور و أخبار الفقر و العوز بين العامة, ولترجعوا الى ما تمتليء به أمهات كتب تاريخنا من قتل و سبى و هتك أعراض ليس للأعداء ولكن للمسلمين من رعية الحكام المتنافسين على الملك و السلطان وقد لا توجد مدينه عربية إلا و قد استبيحت فى فترة من تاريخها حتى مدبنة الرسول قد استباحها جند يزيد بن معاوية بعد عقود قليلة من وفاته وحدث نفس الشيء من أتباع محمد بن عبد الوهاب لمعظم مدن الجزيرة العربية.
لا أدري عن أي دولة يتحدثون أو عن أى شريعة يدافعون, ان رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم لم يوصى لنا بأى نظام للحكم غير الشورى و العدل و المساواة وهى نفس المبادىء العامة التى أوصى بها القرآن الكريم ولكن صحابته ضربوا بكل هذه المبادىء عرض الحائط فى اجتماع السقيفة عندما سلطوا قريشا على رقاب الناس حتى أن بعض الفقهاء, و لا أدرى أين من جاءوا بهذا الحكم, قد اشترطوا أن يكون الخليفة قرشيا و هو مبدأ لا نجد له أصلا فى القرآن أو حتى فى السنة الصحيحة المتواترة وحتى الصحابة أ نفسهم لأنهم لا يملكون نظاما دينيا واضحا للحكم قد تقاتلوا وأراقوا الدماء الغزيرة طمعا فى الحكم و السلطان و كل منهم ادعى أنه يملك الحق وكان فقهاء السلطة جاهزين دائما كما عودونا بالمئات من الأحاديث والتفاسير لتأييد و جهة نظر هذا الصحابى أو ذاك.
حتى أن عائشة أم المؤمنين نادت بأعلى صوتها أقتلوا نعثلا قاصدة بذلك عثمان بن عفان و هو من العشرة المبشرين بالجنة أم سنجد من يدعي أن هذا لم يحدث.
أن الحقيقة أن أي نظام أو مفهوم دينى للحكم كان مرتبطا بالحاكم نفسه فمفهوم عمر اختلف عن مفهوم أبو بكر وعثمان اختلف فى مفهومة عن كليهما رغم أنه استلم الخلافة على أساس أن يديرها على سنة الله و رسوله و سنة الشيخين من بعده, أما عليا فكان حالما فطمع فيه الجميع حتى ضاعت الخلافة منه و من بنيه من بعده و تحولت على أيدى معاوية إلى حكم ملكي ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالدين, لقد كان سياسيا ماهرا نعم ولكن ما كان أبعده عن الدين ,وهو فى الحقيقة لم يكن يختلف فى أى شيء عن الأسكندر الأكبر أو عن أباطرة الروم الذين كان يحاربهم وكم طارت رقاب وكم أريقت من دماء باسم الخلافة التى تجد من يشتاق إليها و يريد بعثها من ويلات العصور الوسطى ونحن على مشارف القرن الواحد و العشرين.
وعن أى حدود يتحدثون, عن قطع يد من يسرق ربع دينار بينما يسرق الحكام قوت شعوب بأكملها و لا تقطع ألا رقاب معارضيهم , عن أى قصاص يتحدثون بينما لم يؤخذ القصاص من ابن عمر أو من ابن جعفر ابن أبي طالب أو من قتلة عثمان لا على يد عليا أو معاوية الذى حاربه بسببهم.
إن اللحظة التى تخلينا فيها عن الإسلام كدين و اعتبرناه دينا و دولة كانت اللحظة الفارقة فى التاريخ بين سعادة الدنيا و الآخرة الى العنف و التطرف و أراقة الدماء باسم الدين و الإسلام وكلاهما براء من هذه المقولة الظالمة.
أن الدين أى دين و الإسلام خاصة لم يشرع ألا لكى يستتب الأمن و السلام ولكى تعلوا الأخلاق كما قال رسولنا الكريم أنما بعثت اليكم لكى أتمم مكارم الأخلاق .
أننا نحتاج الإسلام كدين عظيم لكى نعرف الله و نتقرب اليه بعبادته السليمة التى علمنا أياها القرآن و علمنا أياها رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم.
أما أمور دنيانا من حكم و اقتصاد و زراعة و صناعة فقد تركها لنا الخالق لكى نديرها بأنفسنا تحقيقا لحكمة الاستخلاف فى الأرض مستلهمين فى ذلك مباديء الإسلام العامة من عدل و مساواة وحرية وأمان, فليقل لى أحدكم أن كان يعرف, متى طبقت هذه المباديء طوال القرون الماضية بعد وفاة الرسول الكريم ألا من سنين قليلة أيام العمرين بن الخطاب وبن عبد العزيز بينما تحظى بها الكثير من شعوب الأرض التي نتهمها بالكفر و الزندقة وندعو عليها ليل نهار و رغم ذلك نزداد تخلفا وتزداد هذه الشعوب قوة و رفاهية ولم نسأل أنفسنا أبدا لماذا, ألا يوجد هناك احتمال و لو ضئيل أن هذه الشعوب عندما فصلت الدين عن الدولة كانت على حق, ألم تتحسن احوالنا الاجتماعية ولو قليلا عندما تخلصنا من الخلافة العثمانية وطبقنا القوانين المدنية, وأنا أقول أحوالنا الاجتماعية وليست السياسية فما زال الفكر الشمولي يحكمنا و مازالت هناك أنظمة تستمد شرعيتها لأنها من قريش أو أنها هاشمية أو أنها تحكم باسم الدين. وحتي عمر بن الخطاب و رغم عدله المشهور فأنه لم يعدل مع الجواري و العبيد فكان يضرب الإماء أن لبسن الخمار و كأن الخمار الذى أوصى به الله نساء المسلمين هو للحرائر فقط أما العبيد و رغم أنهم مسلمين فهم صنف آخر من البشر خلقوا لتسرية السادة وكان هذا سبب قتله على يد أبو لؤلؤة المجوسي لأنه لم ينصفه من ظلم سيده. 
أن الحقيقة المرة يا سادة أن من منحنا هذا التحسن فى أحوالنا الاجتماعية فى القرنين السابقين كان نابليون بونابرت عندما غزا مصر فزاد احتكاكنا بالحضارة الغربية وعرفنا قيمة القانون المدنى ثم أكمل كمال أتاتورك الطريق فخلصنا نهائيا من مشروعات الخلافة, فلماذا ننتظر دائما أن يكون الأصلاح على يد الأجنبى . أن مصر كانت أكثر ديمقراطية و هى تحت الأحتلال البريطانى وكانت هذه الديمقراطية هى المناخ التى مهدت لثورة يوليو و الخلاص من الأستعمار البريطانى ولكننا لم نستفيد من التجربة و لا من التاريخ ومازال يوجد بيننا من يدعو الى العودة الى القرون الوسطى و مآسيها و يريق دماء الأبرياء بأسم الدين و الشريعة الأسلامية بعد أن كنا قد تخلصنا من هذه الآفة.
أن الأسلام كدين هو قوى فى نفوس المسلمين و هو باقي الى يوم الدين لأن الله له لحافظ , والحمد لله مساجدنا عامرة بالمصلين  و شعوبنا فى أغلبها هى شعوب تحفظ للدين حقه ولن يضر الأسلام ألا أهله ممن يستخدمون العنف بأسمه فيستعدون العالم  علينا ويعطون الفرصة لأعدائنا و على وجه الخصوص إسرائيل أن تقنع الآخرين باننا أرهابيين وان الأسلام دين عنصري وأمثال بن لادن وهم قلة يساعدون اسرائيل سواء عن وعى أو بدونه بينما نحن عامة المسلمين, الذين نحب الله و رسوله ونؤمن بأن الإسلام كان أول و أهم ثورة فى التاريخ ضد ظلم الإنسان لأخيه الإنسان, مجرد ضحايا للطرفين.
ولعل العراق الآن هو ساحة المعركة الرئيسية بين أنصار الأسلام الحقيقى, كدين عظيم ليس له علاقة بأمور الدنيا من حكم وسياسة ألا من ناحية غرس مباديء العدل و الحرية و المساواة فى نفوس أتباعه, و بين انصار الظلام من الأصوليين الذين يقتلون الأبرياء و يفخخون السيارات فيطيلون عمر الأحتلال ويؤخرون عودة الأستقرار الى العراق الحبيب لكى يستمتع شعبه بالحرية وبخيرات بلاده الوفيرة التى حرم منها قرونا طويلة.
لا أدرى ما هى المشكلة فى أن يعبد كل انسان ربه بالطريقة التى يريدها , يتعبد الشيعى على المذهب الجعفرى و يتعبد السنى على المذهب المالكى أو الشافعي أو الحنفي ويكون الوطن متسعا للجميع والحكم للأكثر كفاءة بناءا على اختيار الشعب فى انتخابات نزيهة حرة دون اى اعتبارات دينية او طائفية , قبلية أو عائلية.
ألم يحن الوقت لكى تتخلص شعوبنا من وصاية رجال الدين شيعة كانوا أم سنة, ومن وصاية شيخ القبيلة أو كبير العائلة وتمتلك أرادتها الحرة.
ألم يحن الوقت لكى نتخلص من أوهام تراث السلف الذين أراقوا دماء المسلمين صراعا على السلطة باسم
 الدين.
ألم يحن الوقت أن نعرف ان عصر خالد بن الوليد الذى جعل نهر دجلة أحمر اللون قد انتهى الى غير رجعة وأنه لو حكم عليه بمقاييس عصرنا لوجب محاكمته كمجرم حرب.
أن الحل فى أيدينا فأما أن نطبق قيم العصر فى الحكم من الديمقراطية و سيادة القانون المدني على الجميع والأيمان بأن الدين لله و الوطن للجميع أو تزداد معاناتنا ونضيع الوقت الثمين فى تجارب أليمة مآلها الفشل
لأنها لا تصلح للقرن الواحد و العشرين وثبت فشلها مرارا و تكرارا.. فهل نعى.. لنا الله  
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد توثّق مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام


.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى




.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي


.. 164-An-Nisa




.. العراقيّ يتبغدد حين يكون بابلياً .. ويكون جبّاراً حين يصبح آ